المفكر الكبير عباس محمود العقاد، أحد أهم كتاب القرن العشرين في مصر، وقد ساهم بشكل كبير في الحياة الأدبية والسياسية، وأضاف للمكتبة العربية أكثر من مائة كتاب في مختلف المجالات، وتمر اليوم ذكرى رحيله، إذ رحل عن عالمنا في مثل هذا اليوم 12 مارس من عام 1964م، وكان العقاد يعقد كل أسبوع صالون ثقافى يضم كبار الكتاب والمفكرين إلى جانب عدد من الشباب والطلاب، فماذا كان يدور داخل صالون العقاد في منزله بمصر الجديدة؟
من ضمن من كانوا يحرصون على حضور صالون العقاد الكاتب الراحل أنيس منصور والذى وثق ما كان يحدث في كتاب يحمل عنوان "في صالون العقاد كانت لنا أيام"، ويقول كنت واحدًا من أصغر المترددين على بيت العقاد في مصر الجديدة، "13 شارع السلطان سليم"، وعرفنا ان العقاد على عكس خلق الله: يتفاءل برقم 13.. ويتفاءل بالبومة، ولا يتشاءم من الكتابة عن الشاعر ابن الرومى الذى اهلك كل الذين كتبوا عنه.
وقال انيس منصور: صالون العقاد كان يوم الجمعة من كل أسبوع، وكنا نسارع إلى بيت الأستاذ "العقاد"، ولا نرى أي معالم لهذا الشارع، حتى إننا لم نعرف شكل البيت ولا المدخل ولا عدد السلالم التي نصعدها إلا بعد سنوات طويلة. فلم نكن نرى ولا نسمع، وإنما ندخر الرؤية للعقاد، وندخر السمع لكلامه، وندق الباب أو كنا نجده مفتوحًا، وندخل والغرفة صغيرة والهواء بارد لأنه يدخل ن الباب ويخرج من النافذة، وكنا نراها واسعة.
منزل العقاد فى مصر الجديدة
ويكمل انيس منصور الحكاية قائلا : لا يكاد الأستاذ يعرف أن زائرًا قد جاء حتى يتقدم إليه، طويلا عريضًا بالبيجامة والطاقية والكوفية، ونقف لتحية الأستاذ الذى يقف لتحية أي إنسان، صغيرًا أو كبيرًا وبنفس الحماسة : أهلا يا مولانا، ثم يجئ عصير الليمون وبعده القهوة والأستاذ يتكلم، وينهض واقفا ويقول : اهلا يا مولانا.. ومن بعد ذلك الليمون والقهوة.
ويضيف أنيس منصور: كنت أجلس إلى جوار الباب فأنا لست إلا طالبًا صغيرًا، وكنت اعتقد ان الجلوس في صالون العقاد حسب الأقدمية، فالأقربون إلى الأستاذ هو الأقدمون، فالذين كانوا يجلسون بالقرب منه، بل يضعون أيديهم على كتفه واحيانا على ساقه وهو يتحدثون إليه قليلون جدًا : عبد الرحمن صدقى وصلاح طاهر وطاهر الجبلاوى وزكى نجيب محمود وعلى أدهم.
وكان الأستاذ يعرفهم جميعًا وله معهم قصص ونوادر مع زوجاتهم وأولادهم، وكان يضحك معهم ويروى لنا الحوادث الشخصية والقصص التاريخية، وكان التاريخ والأدب والفن والفلسفة والسياسة والنكتة كلها أصابع بيانو يلعب عليها معا في وقت واحد، وكنا أحيانا نسألة، ولم يكن السبب واضحا، غنما المهم أن يكون لنا دور، وأن نقترب منه بمجرد السؤال.
أما كيف تنتهى الندوة عادة، فيقول انيس منصور: كانت بأن ينهض الأكبر سنا، وبأن ينظر بعضنا إلى بعض، بما يؤكد أن الساعة قد اقتربت ـ دون أن ندرى ـ من الثانية، وأن هذا هو موعد تناول غداء الأستاذ، وبعد ذلك نومه، ثم المشى في شوارع مصر الجديدة، ثم العودة إلى البيت.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة