يبدو أن تسارع الحياة وتعقيدها قد خلق فجوة كبيرة بين الأجيال الماضية والحاضرة، وجعل لكل جيل منهما اعتقادات ومبادئ وشخصيات مختلفة، فهل يعقل أن يتخذ شبابنا ممثلاً يتعاطى المخدرات ويقدم العنف والقتل والإرهاب والبلطجة فى الأعمال الفنية قدوة؟!.. الكارثة أن الشباب الصغير يقوم بتقليده، فما يُقدمه أخطر أنواع الإرهاب. وهذا يرجع لغياب القدوة، فتعتبر القدوة من أسباب النجاح فى الحياة لأثرها الكبير فى بناء الشخصية، وتكوين سلوك جديد وتعديل الأفكار.
نحن اليوم فى أمسّ الحاجة إلى القدوة الصالحة والمثل الأعلى. وقبل أن أبدأ مقالى علينا أن نعلم أنه لا كمال للبشر إطلاقاً إلا نبينا -صلى الله عليه وآله وسلم- والكمال هو لله -تعالى- وليس بالضرورة أن يتصف الفرد بجميع الصفات التى سأذكرها ليصبح مؤثرًا نافعًا لذاته ولمن حوله. فمعنى القدوة هو الشخص الذى يقلده الآخرون، أو يتطلعوا إلى محاكاته أو الاسترشاد به ليصبح مثالًا حيًا فى سائر أفعاله وأقواله يعتبر قدوة وأسوة فى حياته للآخرين. فهناك الكثير نماذج من القدوة الحسنة التى تلهم النجاح للآخرين، الذين يكونوا بمثابة أمثلة رائعة على ما لا يجب فعله إذا أردت أن تصبح ناجحًا، أو شخصًا مميزًا فى جميع أدوارك الحياتية. إن الشخصية ذات القبول المحبوبة المحترمة عند الناس إما أن تؤثر إيجابًا فى الناس أو سلبًا، فإن كان تأثيرها إيجابًا أصبح المجتمع صحيًا بأكمله، والعكس صحيح، فكيف يصبح الشخص قدوة حسنة؟ أبًا كان أو أمًّا أو رب عمل أو مديرًا فى مؤسسة أو أستاذًا جامعيًا أو معلمًا أو طالبًا أو غير ذلك، هناك العديد من الصفات والسلوكيات التى تجعل من الشخص قدوةً للآخرين بشكل عام، ومن هذه الصفات.
القيادة بالقدوة: يعد الكتاب الشهير "تطوير القائد بداخلك" للكاتب جون ماكسويل من أبرز الكتب التى تناولت مفهوم القيادة. فمعنى أنك مدير لا يعنى أنك قائد، والقيادة لا تاتى لكونك أبًا أو أمًا أو معلمًا، بل تاتى بالرغبة والقدوة على أن تكون قائدًا ناجحًا لموظفيك، أو أبنائك أو طالباتك أو زملائك يجب أن تعلم أن الناس لا تتبع فقط ما تفعله، بل سوف تفعل ما تقوله. نجاحك تلقائيًا يجعل منك نموذجًا يحتذى به. هذا الواقع يُفرض عليك.
تقديم الدعم اللازم: الشخصية القدوة تقدم يد العون للأشخاص من حولها، حتّى مع انعدام القدرة على تقديم الشىء المحدد الذى يحتاجونه؛ فالدعم المعنوى فى كثير من الحالات يكون كافٍ. كذلك احترام آراء الآخرين: الشخصية القدوة تحترم آراء الآخرين سواء كانت مؤيدة لها أم معارضة؛ فكل إنسان له الحق فى إبداء رأيه فاختلاف الآراء لا يفسد للود قضية، كما يُمكن تعلّم أشياء جديدة من تلك الآراء أو رؤية موقف معيّن من زاوية مختلفة. بالإضافة إلى إظهار الحكمة والنضج: لا مشكلة فى أن يتصرّف الشخص بشكلٍ طفولى من حين لآخر، إلّا أنّ هناك أوقاتًا يجب أن يُثبت فيها الإنسان وعيه ونضجه، ويجب أن يتمكّن من التعامل مع المواقف الصعبة كالمشاكل الأسرية، والمنافسة فى مجال العمل وغيرها.
الصدق: الشخصية القدوة صادقة دائماً سواء مع أفراد العائلة والأطفال أو مع الشريك أو الأصدقاء؛ فرغم أنّ الحقيقة تؤذى مشاعر الآخرين أحياناً، إلّا أنّ الكذب يظلّ الأسوأ؛ فالنّاس تتجنّب الشخص الكاذب ولا تثق به.
إظهار الاحترام: أن تقول إنك تحترم الآخرين شىء وأن تفعل ذلك شيئًا آخر. لإظهار الاحترام اسأل نفسك هل أدفع أحدًا لأحتل مكانه أو حتى أسبقه بخطوة؟ هل تنظر للأشخاص كما هم وتقبلهم على ما هم عليه؟ هل تظهر الامتنان للآخرين؟ إنها غالبًا الأشياء الصغيرة هى التى تظهر احترامك للآخرين، وبالتالى يبادلونك الاحترام ويتعلمون كيف يحترمون غيرهم.
إظهار الثقة بنفسك والآخرين: أيًا ما كانت الاختيارات التى قمت بها مع حياتك، عليك أن تفخر بالشخص الذى أصبحت أنت عليه، طالما كنت صالحًا شريفًا، ولابد من بث الثقة فى فريق عملك. أن تكون نموذجًا فى اتخاذك القرار ت الإيجابية، عندما يتعلق الأمر بكونك نموذجًا يحتذى به، يجب أن تدرك أن الخيارات التى تقوم بها لا تؤثر فقط عليك ولكن أيضًا على الذين يعتبرونك قدوة لهم، لا يمكنك فقط التحدث وطرح المثاليات، وتقديم الخيارات الجيدة للآخرين، بل يجب وضعها أنت نفسك موضع التنفيذ. فعندما يكون لديك خيار صعب عليك القيام به، وازن بين الإيجابيات والسلبيات، عملية اتخاذ القرار الجيد تعتبر من المهارات الهامة، فعلى القدوة الجيدة ليس فقط أن يظهر أفضل قرار اتخذه، ولكن أيضًا كيف وصل إلى هذا القرار. بهذه الطريقة، سوف يكون من يتبعوك قادرين على متابعة هذا المنطق عندما يكونوا فى وضع مماثل.
الاعتذار والاعتراف بالأخطاء: لا أحد مثالى. عند اتخاذ خيار سيئ، دع الذين يتابعونك يتعلموا منك أن يعرفوا أنك ارتكبت خطأ، وكيف تخطط لتصحيح ذلك الخطأ. يمكن أن تصبح قدوة فى البيئة التعليمية، يُمكن للطالب أن يكون قدوة لمن حوله من خلال اتباع العديد من الخطوات، ومنها التركيز على التعلّم خلال عرض الدروس. الإصغاء للمعلمين والزملاء والأصدقاء عند تحدّث أى منهم فى المحاضرات. إظهار الإيجابية دائماً حتّى عند الشعور بالانزعاج من أمر ما. تشجيع الزملاء لآخرين على المثابرة ومواجهة المشاكل. وصدق المولى عز وجل فى كتابه الكريم ﴿لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ﴾) .الأحزاب 21)
د. أميرة عبدالله الحوفى تكتب: لأصحاب العقول الراقية فقط.. كُن قدوة حسنة
الجمعة، 13 مارس 2020 06:30 ص
د. أميرة عبدالله الحوفى
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
الموضوعات المتعلقة