منذ ظهور فيروس كورونا المستجد وحتى اليوم لم يتوقف الجدل في الكنائس حول طقس التناول أو سر "الإفخارستيا" أحد أسرار الكنيسة المقدسة، إذ يتطلب الطقس أن يتناول المسيحيون من يد الكاهن قطعة قربان وملعقة من الخمر حيث يمثلان معا جسد المسيح ودمه، بينما يتم تناول الخمر بملعقة واحدة من يد الكاهن لكل شعب الكنيسة الحاضرين الأمر الذى رأى البعض إمكانية نقله للعدوى بينما أشار البعض الآخر إلى أن هذا الطقس يشفي من الأمراض ولا ينقلها.
في وسط هذا الجدل الدائر، عملت بعض الكنائس الشرقية على تغيير طريقة طقس التناول بشكل لا ينقل العدوى كان آخرها الكنيسة السريانية الأرثوذكسية التي أعلنت عن سلسلة من التدابير الاحترازية لتمنع العدوى بين رعاياها فقد قررت الكنيسة اللجوء إلى التناول باليد وهي طريقة كانت تتعبها قديمها وفقا لبيان رسمي
وذكرت الكنيسة السريانية، إن تفشّي فيروس كورونا في بلدان كثيرة من العالم خلق هلعًا لدى الناس وفرض عليهم تغيير عادات كثيرة في حياتهم اليوميّة، كما جعل الكثيرين من أبناء الكنيسة يثيرون الأسئلة حول الممارسات الكنسيّة أثناء القدّاس الإلهي والتجمّعات.
وضمن إرشادتها لحماية المؤمنين شدد بيان الكنيسة قائلا: حضور القدّاس الإلهي في الآحاد والأعياد من الفرائض المسيحية لذلك وجب إبقاء الكنائس مفتوحة أمام جميع المؤمنين - إلّا إذا عارض ذلك إجراءات تتّخذها الحكومات - مع أخذ الحيطة الواجبة من حيث توفير عبوات التعقيم في أرجاء الكنيسة وتفادي لمس الأشخاص والأيقونات والإنجيل المقدّس، والاكتفاء في هذه الظروف الراهنة بإحناء الرأس كعلامة خشوع واحترام، ولكن يُنصَح مَن تظهر عليه عوارض مرضيّة أن يلازم المنزل؛ باستطاعته أن يدعو الكاهن ليصلّي له ويناوله القربان المقدّس في البيت.
وأضافت الكنيسة: الاستعاضة عن تبادل السلام اليدوي بإحناء الرأس أو وضع اليد على الصدر، وكذلك الاستعاضة عن تقبيل صليب المطران أو يد الكاهن بإحناء الرأس أمامهما.
واعتبرت الكنيسة السريانية أنّ تناول القربان المقدّس هو جزء مكمِّل لحضور القدّاس الإلهي. لذلك، وجب على المؤمن ألا ينقطع عن تناول جسد ودم الربّ. مع إيماننا القويّ أنّ القربان المقدّس مصدر شفاء وحياة لأنفسنا وأجسادنا محذرة: وجب علينا التنبيه إلى طريقة التناول حرصًا على عدم المساهمة في انتشار هذا الوباء. وفي هذا المجال، فإنّنا نوصي بالتناول بواسطة اليد؛ وهي عادة قديمة وُجِدت في كنيستنا السريانية الأرثوذكسيّة المقدّسة في العصور الأولى ومنها انطلقت إلى الكنيسة في الغرب، كما نقرأ في كتابات آباء الكنيسة أمثال مار أفرام السرياني ومار فيلوكسينوس المنبجي. وفي هذه الحالة، يتقدّم المتناوِل بخشوع كامل أمام الكاهن واضعًا كفّه اليمين فوق كفّه اليسار بشكل صليب، فيقوم الكاهن بوضع الجمرة المقدّسة (القربان المقدّس) في يد المؤمن الذي يقوم بتناولها مباشرةً أمام الكاهن.
أما الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية فسارت على نفس النهج ، وأصدر الأب بولس ساتى مدبر طائفة الكلدان الكاثوليك بمصر قائمة تعليمات لرعايا الكنيسة والكهنة والرهبان، لتجنب نشر عدوى مرض الكورونا أثناء ممارسة طقوس الكنيسة.
وقال ساتى فى تعليماته السبعة: إن الكنيسة تستبدل الماء المقدس بسائل معقم يستعمله المؤمنون قبل دخول الكنيسة كذلك فإن الكنيسة ستنظف المقاعد والعتبات بالديتول مع تعقيم أيادي أطفال مدارس الأحد.
وبالنسبة لطقس التناول فإن الكنيسة سوف تكتفي بتناول الجسد أي القربان مع منع إعطاء الدم (الخمر) للأطفال بالإصبع نهائيًا ومنع القبلات بين شعب الكنيسة والاكتفاء بالتحية وتعقيم أيادى الكهنة قبل القداس وقبل وبعد المناولة مع تلاوة صلوات تطلب من الله النجاة من الفيروس.
أما في الكنيسة الكاثوليكية، قال الأنبا باخوم المتحدث الرسمي باسم الكنيسة: إن ممارسة طقس التناول تتم من خلال وضع القربان في الخمر ثم وضعه مباشرة في فم المصلي دون استخدام الملاعق وأواني المذبح.
وفي المقابل فإن الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، تستخدم ما يعرف باسم أواني المذبح وهي كأس التناول وملعقة تسمى الماستير يتناول بها كافة المصلين في الكنيسة، كما أن تلك الأواني تدشن بصلوات وطقوس خاصة قبل أن تصبح صالحة للاستعمال في ممارسة الأسرار المقدسة أو حمل جسد المسيح ودمه وفقا للمعتقد المسيحي، وذكرت الكنيسة على لسان متحدثها الرسمي القس بولس حليم إنها لن تغير في طريقة التناول.
و قال أمجد بشارة الباحث في اللاهوت الكنسي، إن هذا القرار يتطلب إذنا من المجمع المقدس باعتباره الهيئة العليا للكنيسة القبطية لافتا إلى أن الكنيسة في العصور السابقة كانت تمارس سر التناول من خلال اليد دون استخدام ملعقة ولكنه شدد في الوقت نفسه على إيمانه الكامل بأن سر التناول يشفي من الأمراض ولا ينقلها.