المختار بن أبى عبيد الثقفى.. انتقم من قتلة الحسين.. لماذا لا يحبه الشيعة؟

الإثنين، 16 مارس 2020 10:00 ص
المختار بن أبى عبيد الثقفى.. انتقم من قتلة الحسين.. لماذا لا يحبه الشيعة؟ مسجد الحسين
كتب أحمد إبراهيم الشريف

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
من الشخصيات الغريبة فى تاريخ الإسلام "المختار بن أبى عبيد الثقفى"، فهذا الرجل أخذ على عاتقه فكرة الانتقام للإمام الحسين ممن قتلوه ومع ذلك لا يحبه الشيعة.. فما السبب وراء ذلك؟
 
يمكن أن نتعرف على حياة وموت المختار الثقفى ونفهم ما جرى فى حياته من خلال ترجمته التي قدمها ابن كثير في كتابه المهم "البداية والنهاية". هو المختار بن أبى عبيد بن مسعود بن عمرو بن عمير بن عوف بن عفرة بن عميرة بن عوف بن ثقيف الثقفى. أسلم أبوه فى حياة النبى ﷺ، ولم يره، فلهذا لم يذكره أكثر الناس فى الصحابة، وإنما ذكره ابن الأثير فى الغابة.
 
وكان عمر بعثه فى جيش كثيف فى قتال الفرس سنة ثلاث عشرة، فقتل يومئذ شهيدا، وقتل معه نحو من أربعة آلاف من المسلمين، وعرف ذلك الجسر به، وهو الجسر على دجلة ويقال له: إلى اليوم جسر أبى عبيد.
 
وكان له من الولد صفية بنت أبى عبيد، وكانت من الصالحات العابدات.
 
وهى زوجة عبد الله بن عمر بن الخطاب، وكان عبد الله لها مكرما ومحبا، وماتت فى حياته. وأما أخوها المختار هذا فإنه كان أولا ناصبيا يبغض عليا بغضا شديدا، وكان عند عمه فى المدائن، وكان عمه نائبها.
 
فلما دخلها الحسن بن على خذله أهل العراق وهو سائر إلى الشام لقتال معاوية بعد مقتل أبيه، فلما أحس الحسن منهم بالغدر فرَّ منهم إلى المدائن فى جيش قليل، فقال المختار لعمه: لو أخذت الحسن فبعثته إلى معاوية لاتخذت عنده اليد البيضاء أبدا.
 
فقال له عمه: بئس ما تأمرنى به يا ابن أخي، فما زالت الشيعة تبغضه حتى كان من أمر مسلم بن عقيل بن أبى طالب ما كان، وكان المختار من الأمراء بالكوفة، فجعل يقول: أما لأنصرنه.
 
فبلغ ابن زياد ذلك، فحبسه بعد ضربه مائة جلدة، فأرسل ابن عمر إلى يزيد بن معاوية يتشفع فيه، فأرسل يزيد إلى ابن زياد فأطلقه وسيره إلى الحجاز فى عباءة، فصار إلى ابن الزبير بمكة فقاتل معه حين حصره أهل الشام قتالا شديدا، ثم بلغ المختار ما قال أهل العراق فيه من التخبيط، فسار إليهم وترك ابن الزبير.
 
ويقال: إنه سأل ابن الزبير أن يكتب له كتابا إلى ابن مطيع نائب الكوفة ففعل، فسار إليها، وكان يظهر مدح ابن الزبير فى العلانية ويسبه فى السر، ويمدح محمد بن الحنفية ويدعو إليه، وما زال حتى استحوذ على الكوفة بطريق التشيع وإظهار الأخذ بثأر الحسين.
 
وبسبب ذلك التفت عليه جماعات كثيرة من الشيعة وأخرج عامل ابن الزبير منها، واستقر ملك المختار بها، ثم كتب إلى الزبير يعتذر إليه ويخبره أن ابن مطيع كان مداهنا لبنى أمية، وقد خرج من الكوفة، وأنا ومن بها فى طاعتك، فصدقه ابن الزبير لأنه كان يدعو إليه على المنبر يوم الجمعة على رؤوس الناس، ويظهر طاعته.
 
ثم شرع فى تتبع قتلة الحسين ومن شهد الوقعة بكربلاء من ناحية ابن زياد.
 
فقتل منهم خلقا كثيرا، وظفر برؤوس كبار منهم كعمر بن سعد بن أبى وقاص أمير الجيش الذين قتلوا الحسين، وشمر بن ذى الجوشن أمير الألف الذين ولوا قتل الحسين، وسنان بن أبى أنس، وخولى بن يزيد الأصبحي، وخلق غير هؤلاء.
 
وما زال حتى بعث سيف نقمته إبراهيم بن الأشتر فى عشرين ألفا إلى ابن زياد، وكان ابن زياد حين التقاه فى جيش أعظم من جيشه - فى أضعاف مضاعفة - كانوا ثمانين ألفا.
 
وقيل: ستين ألفا، فقتل ابن الأشتر ابن زياد وكسر جيشه، واحتاز ما فى معسكره، ثم بعث برأس ابن زياد ورؤوس أصحابه مع البشارة إلى المختار، ففرح بذلك فرحا شديدا، ثم إن المختار بعث برأس ابن زياد، ورأس حصين بن نمير ومن معهما إلى ابن الزبير بمكة، فأمر ابن الزبير بها فنصبت على عقبة الحجون.
 
وقد كانوا نصبوها بالمدينة، وطابت نفس المختار بالملك، وظن أنه لم يبق له عدو ولا منازع، فلما تبين ابن الزبير خداعه ومكره وسوء مذهبه، بعث أخاه مصعبا أميرا على العراق، فسار إلى البصرة فجمع العساكر فما تم سرور المختار حتى سار إليه مصعب بن الزبير من البصرة فى جيش هائل، فقتله واحتز رأسه وأمر بصلب كفه على باب المسجد.
 
وبعث مصعب برأس المختار مع رجل من الشرط على البريد، إلى أخيه عبد الله بن الزبير، فوصل مكة بعد العشاء فوجد عبد الله يتنفل، فما زال يصلى حتى أسحر ولم يلتفت إلى البريد الذى جاء بالرأس، فلما كان قريب الفجر قال: ما جاء بك؟
 
فألقى إليه الكتاب فقرأه، فقال: يا أمير المؤمنين معى الرأس.
 
فقال: ألقه على باب المسجد.
 
فألقاه ثم جاء فقال: جائزتى يا أمير المؤمنين.
 
فقال: جائزتك الرأس الذى جئت به تأخذه معك إلى العراق.
 
ثم زالت دولة المختار كأن لم تكن، وكذلك سائر الدول، وفرح المسلمون بزوالها، وذلك لأن الرجل لم يكن فى نفسه صادقا، بل كان كاذبا يزعم أن الوحى يأتيه على يد جبريل.
 
قال الإمام أحمد: حدثنا ابن نمير، حدثنا عيسى القارئ، أبو عمير بن السدي، عن رفاعة القبانى قال: دخلت على المختار فألقى لى وسادة وقال: لولا أن أخى جبريل قام عن هذه لألقيتها لك.
 
قال: فأردت أن أضرب عنقه.
 
قال: فذكرت حديثا حدثنيه أخى عمر بن الحمق، قال: قال رسول الله ﷺ: «أيما مؤمن أمن مؤمنا على دمه فقتله فأنا من القاتل بريء».
 
وقال الإمام أحمد: حدثنا يحيى بن سعيد القطان، عن حماد بن سلمة، حدثنى عبد الملك بن عمير، عن رفاعة بن شداد.
 
قال: كنت أقوم على رأس المختار فلما عرفت كذبه هممت أن أسل سيفى فأضرب عنقه، فذكرت حديثا حدثناه عمر بن الحمق.
 
قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: «من آمن رجلا على نفسه فقتله أعطى لواء غدر يوم القيامة».
 
ورواه النسائي، وابن ماجه، من غير وجه عن عبد الملك بن عمير وفى لفظ لهما: «من أمن رجلا على دم فقتله فأنا برى من القاتل، وإن كان المقتول كافرا». وفى سند هذا الحديث اختلاف.
 
وقد قيل لابن عمر: إن المختار يزعم أن الوحى يأتيه.
 
فقال: صدق، قال تعالى: { وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ } [الأنعام: 121]. 
 
وروى ابن أبى حاتم عن عكرمة قال: قدمت على المختار فأكرمنى وأنزلنى عنده، وكان يتعاهد مبيتى بالليل.
 
قال: فقال لي: اخرج فحدث الناس، قال: فخرجت فجاء رجل، فقال: ما تقول فى الوحي؟
 
فقلت: الوحى وحيان، قال الله تعالى: { بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ } [يوسف: 3]. 
 
وقال تعالى: { وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِى عَدُوّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِى بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورا } [الأنعام: 112]. 
 
قال: فهموا أن يأخذوني.
 
فقلت: ما لكم وذاك! إنى مفتيكم وضيفكم.
 
فتركوني، وإنما أراد عكرمة أن يعرض بالمختار وكذبه فى ادعائه أن الوحى ينزل عليه.
 
وروى الطبرانى من طريق أنيسة بنت زيد بن الأرقم: أن أباها دخل على المختار بن أبى عبيد فقال له: يا أبا عامر لو شفت رأى جبريل وميكائيل.
 
فقال له زيد: خسرت وتعست، أنت أهون على الله من ذلك، كذاب مفترٍ على الله ورسوله.
 
وقال الإمام أحمد: حدثنا ابن إسحاق بن يوسف، ثنا ابن عوف الصديق الناجي: أن الحجاج بن يوسف دخل على أسماء بنت أبى بكر الصديق، بعد ما قتل ابنها عبد الله بن الزبير، فقال: إن ابنك ألحد فى هذا البيت، وإن الله أذاقه من عذاب أليم، وفعل به وفعل.
 
فقالت له: كذبت، كان بارا بالوالدين، صواما قواما، والله لقد أخبرنا رسول الله ﷺ أنه سيخرج من ثقيف كذابان الآخر منهما شر من الأول، وهو مبير.
 
هكذا رواه أحمد بهذا السند واللفظ.
 
وقد أخرجه مسلم فى صحيحه فى كتاب الفضائل، عن عقبة بن مكرم العمى البصري، عن يعقوب بن إسحاق الحضرمي، عن الأسود بن شيبان، عن أبى نوفل، عن أبى عقرب واسمه معاوية بن سلم، عن أسماء بنت أبى بكر أن رسول الله ﷺ قال: «إن فى ثقيف كذابا ومبيرا».
 
وفى الحديث قصة طويلة فى مقتل الحجاج ولدها عبد الله فى سنة ثلاث وسبعين كما سيأتي.
 
وقد ذكر البيهقى هذا الحديث فى دلائل النبوة: وقد ذكر العلماء أن الكذاب هو المختار بن أبى عبيد، وكان يظهر التشيع ويبطن الكهانة، وأسرّ إلى أخصائه أنه يوحى إليه، ولكن ما أدرى هل كان يدّعى النبوة أم لا؟
 
وكان قد وضع له كرسى يعظم ويحف به الرجال ويستر بالحرير، ويحمل على البغال، وكان يضاهى به تابوت بنى إسرائيل المذكور فى القرآن، ولا شك أنه كان ضالا مضلا أراح الله المسلمين منه بعد ما انتقم به من قوم آخرين من الظالمين، كما قال تعالى: { وَكَذَلِكَ نُوَلِّى بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ } [الأنعام: 129]. 
 
وأما المبير: فهو القتّال وهو الحجاج بن يوسف الثقفى نائب العراق لعبد الملك بن مروان، الذى انتزع العراق من يد مصعب بن الزبير، كما سيأتى بيانه قريبا.
 
وذكر الواقدي: أن المختار لم يزل مظهرا موافقة ابن الزبير حتى قدم مصعب إلى البصرة فى أول سنة سبع وستين وأظهر مخالفته فسار إليه مصعب فقاتله، وكان المختار فى نحو من عشرين ألفا.
 
وقد حمل عليه المختار مرة فهزمه، ولكن لم يثبت جيش المختار حتى جعلوا ينصرفون إلى مصعب ويدعون المختار، وينقمون عليه ما هو فيه من الكهانة والكذب، فلما رأى المختار ذلك انصرف إلى قصر الإمارة فحاصره مصعب فيه أربعة أشهر، ثم قتله فى رابع عشر من رمضان سنة سبع وستين، وله من العمر سبع وستون سنة فيما قيل.






مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة