نقرأ معا كتاب "حرية التعبير: مقدمة قصيرة جدًّا" لـ نايجل ووربيرتن، ترجمة زينب عاطف مراجعة شيماء عبد الحكيم طه والذى يقول "غالبًا ما يستشهد أنصار حرية التعبير بمقولة فولتير الشهيرة: "أكره ما تقول، لكننى سأدافع حتى الموت عن حقك فى قوله"، غير أنه قلَّما نجد شخصًا على استعداد للدفاع عن حرية التعبير بكافة صورها، خاصةً عندما تكون الآراء موضع التعبير بغيضة أو عارية تمامًا عن الصحة، أين نضع الحدَّ الفاصل إذن؟ وما مدى أهمية حقِّنا فى حرية التعبير؟.
فى هذه المقدمة السلسة والقصيرة جدًّا، يناقش نايجل ووربيرتن عددًا كبيرًا من القضايا الخلافية المتعلقة بحرية التعبير، ويقدم الكتاب دليلًا موجزًا للعديد من الموضوعات بشأن حقِّنا فى الحديث بحرية، ومن بينها: هل ينبغى لمجتمع متحضر أن يفرض قيودًا على حرية التعبير؟ كيف نوازن بين حرية التعبير وما قد تثيره من حساسية لدى الأقليات والمجموعات الدينية؟ كيف غيَّرت التكنولوجيا الرقمية وشبكة الإنترنت طبيعة النقاش الذى يدور بشأن حرية التعبير؟
يقول الكتاب:
تحظى حرية الكلام بأهمية خاصة فى المجتمعات الديمقراطية، ففى الدول الديمقراطية يرغب الناخبون فى الاستماع إلى نطاق واسع من الآراء وتفنيدها، وفى الحصول على حقائق وتفسيرات ووجهات نظر متباينة، حتى عندما يرون أن الآراء المطروحة مستهجَنة على المستوى السياسى أو الأخلاقى أو الشخصي، ربما لا تُنقل هذه الآراء مباشرةً عبر الصحف والإذاعة والتليفزيون، وإنما تُعرض عادةً فى الروايات والقصائد والأفلام والرسوم الكاريكاتيرية والأغنيات، كذلك يمكن التعبير عنها رمزيًّا بحرق عَلَم، أو — كما فعل العديد من المتظاهرين المناهضين لحرب فيتنام — حرق بطاقة التجنيد، يهتم أفراد الدولة الديمقراطية أيضًا بالمشاركة الفعالة لعدد كبير من المواطنين فى الحوار السياسى بدلًا من التلقى السلبى للسياسة الصادرة من السلطات العليا.
ويتابع الكتاب "أركز فى هذا الكتاب على المفهوم السلبى للحرية، فتاريخ حرية الكلام هو تاريخ من المحاولات لمنع الأشخاص من التعبير عن آرائهم، سواء بالرقابة أو الاعتقال أو القوانين المقيِّدة أو التهديدات الفعلية والضمنية باستخدام العنف، أو حرق الكتب، أو اعتراض آليات البحث، أو الإعدام فى أكثر الحالات تطرفًا، إلا أنه جدير بالذكر أن بعض الفلاسفة الماركسيين — مثل هربرت ماركوز فى مقاله «التسامح القمعي» — أشاروا إلى أن غياب الرقابة لا يضمن ممارسة الحرية على نحو يستحق التقدير، ففى مجتمع يلقِّن فيه المسيطرون على وسائل الإعلام عامة الناس ويتحكمون فيهم، قد تخدم حرية الكلام مصالح ذوى النفوذ فحسب، ويكون شبيهًا فى تأثيره بالرقابة القمعية فى مجتمع استبدادي، وسواء كان ماركوز محقًّا بشأن سهولة انقياد عامة الناس أم لا، فإن الحل الذى قدَّمه — فرض رقابة على «التحركات الرجعية» خاصةً ما يتعلق بالحق السياسى — هو شكل متناقض من أشكال التعصب تحت مسمى التسامح.