أصدر مرصد الأزهر لمكافحة التطرف تقريراً مطولاً كشف فيه استغلال تنظيم داعش الإرهابى لأزمة انتشار فيروس كورونا، وأكد التقريرأنه لا تتوانى التنظيمات المتطرفة عن استغلال الأحداث العالمية وتوظيفها لخدمة أغراضها الخبيثة، في براجماتية مُقيتة غير جديدة تتوافق مع الدعاية الخبيثة والضالة التى تبثها تلك التنظيمات على مواقع التواصل الاجتماعى.
ولعل أبرز نماذج هذا الاستغلال وهذه البراجماتية هو استغلال تنظيم "داعش" الإرهابى لأزمة فيروس "كورونا" التى تشغل الرأى العام العالمى برمته فى وقتنا الحالى.
وهذا الأمر ليس بجديد فدائمًا ما يروج "داعش" شائعات عن نصرته للحق وسعيه لإعلاء راية الإسلام وتصوير عناصره كأبطال إلى جانب التفاخر بقوته العسكرية وقدراته القتالية رغم هزائمه الأخيرة على الصعيدين العسكرى والفكري، كل ذلك من أجل هدف واحد هو تحقيق مصالحه على أرض الواقع خاصة بعد تضييق الخناق عليه من قبل الحكومات للحد من عملياته الإرهابية.
وتتمثل تلك المصالح في بث الفرقة بين الناس وصرفهم عن الحقيقة ونشر سوء الظن بين أبناء البلد الواحد، وانعدام الثقة في الحكومات المسئولة عن إدارة البلاد؛ مما يخلق جوًا من الكراهية والغضب أي أن الهدف في المجمل هو زعزعة استقرار الأوطان ونشر الفوضى بها؛ لصنع بيئة مناسبة ــمن وجهة نظر هؤلاء الإرهابيين ــ لنشأة تنظيم يجمعهم أو إعادة توحيد صفوف التنظيم المقام فعليًا مثل تنظيم "داعش" الإرهابي، الذي تم تشتيت عناصره ويسعى لإعادة تنظيم صفوفه بأي شكل أو لتسهيل تحركات عناصره "الذئاب المنفردة" على الأرض لتنفيذ عملياته الإرهابية.
وعلى الرغم أن "الشائعة" تحمل في طيّاتها الأدلة على كذبها بوضوح، فإن كثيرًا من الناس لا يفطنون إلى هذا الأمر فيتناقلونها دون التأكد من صحتها أو الرجوع إلى المصادر الرسمية في الدولة؛ لذا إذا أردت أن تدرك مقدار الوعي في أي أمة، فتأمل أثر الشائعات فيها.
وقد فطن تنظيم "داعش" الإرهابي كغيره من التنظيمات الإرهابية إلى خطورة سلاح "الشائعات" وكيفية توظيفه منذ خطواته الأولى، فنجده يقدم خطابًا إفتائيًا يشجع فيه عناصره على استخدام مواقع التواصل الاجتماعي والبراعة فيها، وبرز ذلك في الفتوى الصادرة بعد هزيمته في "الفلوجة" عام 2016 والتي نصت على: (وجوب العودة والتفاعل عبر "تويتر" فهو بمثابة ميدان النزال مع الأعداء ... أحكموا الحسابات وأكثروا منها).
وما يؤكد خطورة استغلال التنظيمات الإرهابية للتكنولوجيا في نشر الشائعات لإرباك الأوضاع في الدول المستهدفة من قبلهم، ما قالته السيدة "كريستينا شوري ليانج" مدير "برنامج الإرهاب والجريمة المنظمة" بـ"مركز جنيف للسياسات الأمنية": "إن الجماعات الإرهابية تمتلك أدمغة وعيون وآذان كل من يمتلك هاتفًا ذكيًا"، وذلك في كلمتها بمنتدى شباب العالم في نسخته الثالثة بمدينة "شرم الشيخ".
ونتيجة لآثارها السلبية وبعد المطالبات الدولية، قامت إدارتي "فيسبوك" و"تويتر" بحذف الملايين من الحسابات الوهمية والغير موثقة التي تهدف إلى نشر الشائعات وإثارة الفوضى.
تنظيم "داعش" الإرهابي وفيروس "كورونا"
وقد يستغرب الكثيرون من التناقض الذي قد يبدو لهم بعد إصدار تنظيم "داعش" الإرهابي بيانًا يحث فيه عناصره على وقف عملياتهم الإرهابية في أوروبا بعد ارتفاع حالات الإصابة بفيروس "كورونا" وتجنب السفر إليها، إلى جانب نشره لقائمة تتضمن توجيهات دينية بشأن تجنب الأمراض المُعدية، وذلك في بعض إصداراته التي لا تزال تصدر حاليا، والتي يتابعها مرصد الأزهر من أجل تفنيد كل ما بها من مفاهيم مغلوطة وأفكار متطرفة وفتاوى شاذة.
وشملت تلك التوجيهات عبارات مثل: "الأمراض لا تأتي من تلقاء نفسها"، "وجوب الإيمان بأن الأمراض لا تعدي بذاتها ولكن بأمر الله وقدره"، "الأصحاء لا يجب أن يدخلوا أرض الوباء". كما حثّ التنظيم أنصاره على غسل أيديهم وتغطية أفواههم عند التثاؤب والعطس، معتبرًا الفيروس "عذاب أرسله الله لمن شاء".
وقد يرى البعض تلك التوجيهات مجرد إجراء وقائي للتوعية بمخاطر "كورونا"؛ بهدف الحفاظ على عناصر التنظيم المتبقية في ظل الهزائم التي ألحقت بصفوفه مؤخرًا وفقدانه للمناطق التي يسيطر عليها، إلا أن تلك التعليمات تعكس شيئًا مهمًا هو رؤية التنظيم الإرهابي لنفسه كـ "دولة" لها نفس مقومات أي دولة في العالم أي تمسكه بنفس النهج الذي سطره لنفسه منذ اللحظات الأولى لظهوره ــكما يرغب في وصف نفسه دومًاــ الأمر الذي يوصل لعناصره ومؤيديه رسالة مفادها: "نحن نتحمل مسئولية صحتكم وإن فرقتنا الأرض .. فما زلنا نفكر في سلامتكم فكونوا معنا وتابعونا في كل ما ننشره"، وهو ما يعزز شعورهم بالانتماء والرغبة في عودة التنظيم لسابق عهده والسعي للانتقام من الذين تسببوا في فرقتهم!
وفي بيان التنظيم الذي جاء بعنوان "إن بطش ربك لشديد" عدد من الملاحظات أولها "الشماتة" التي أظهرها في الدول المصابة بهذا الفيروس، واعتبر ظهوره بها "عقاب من الله"؛ بهدف ترسيخ فكرة الانتقام في عقول عناصره ومؤيديه وهذا ما ظهر جليًا في آخر فقرات البيان عندما تطرّق إلى "الجهاد" ولو بأبسط الوسائل المتاحة أمامهم لتنفيذ الأوامر التي يتلقونها من قادتهم في تنظيم "داعش" الإرهابي.
إلى جانب "الطابع الديني" الذي أضفاه على قائمة التوجيهات الخاصة بكيفية تفادي العدوى؛ حيث من المعروف أن في وقت الأزمات الصحية يكون الإنسان نفسيًا أقرب ما يكون إلى الله ويلجأ إلى سماع وقراءة كل ما يقربه من المولى عز وجل، وهذا ما وعيه التنظيم وسعى لاستغلاله من خلال إضفاء الطابع الديني على تلك التعليمات المنشورة لإشعار المتابعين له وعناصره وكل من يصادفه تلك التعليمات التي يتم تداولها عبر عناصره عبر شبكات التواصل الاجتماعي بأن هذا الفيروس الذي يمثل عقاب من الله ـ كما رغب في إظهاره للجميع ـ يحتم اتخاذ خطوات لتكفير الذنوب وجعل التنظيم الإرهابي السبيل الوحيد للخلاص من هذا الفيروس هو "تنفيذ العمليات الإرهابية" ولو بأبسط الوسائل المتاحة ضاربًا مثالًا بأنه رغم الصغر المتناهي لهذا الفيروس تمكن من حصد أرواح الكثيرين.
ومن الملاحظات الأخرى على هذا البيان استخدامه لصيغة "الجمع" فالخطاب كان موجه لجميع المسلمين أي لم يخص عناصره فقط، بهدف استقطاب أكبر عدد ممكن لصفوفه من خلال اقتطاع أجزاء من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية بما يخدم أهدافه الخبيثة في اللعب على وتر مشاعر الناس وقت الأزمات.
كما أن استخدامه لتلك الصيغة يدعم ما قلناه سابقًا من تمسكه بنفس النهج الذي سار عليه منذ خطواته الأولى وتصويره لنفسه بأنه المتحدث الوحيد باسم المسلمين في العالم، وهو نوع من تضخيم الذات وعدم الاعتراف بخسائره الأخيرة.
لا شك أن "الشائعات" جزء من الإرهاب الإلكتروني الذي تمارسه التنظيمات الإرهابية وعلى رأسها تنظيم "داعش" الإرهابي لتحقيق أهدافها التخريبية، كما أن لها آثار سلبية كثيرة على المجتمع؛ وهو ما دفع مرصد الأزهر لمكافحة التطرف إلى التحذير مرارًا وتكرارًا من الانسياق وراء كل ما يتم تداوله على شبكات التواصل الاجتماعي دون التحقق من صحته.
كما حذّر المرصد من إعادة نشر أية معلومة غير موثقة على الصفحات الشخصية في "الفيسبوك" و"تويتر" وغيرهما؛ لأن ذلك يساهم في انتشارها والبدء في تصديقها؛ لذا من الحكمة دومًا الرجوع إلى المصادر الرسمية للتأكد من المعلومات المتداولة والالتزام بتعاليم الجهات المعنية وبث روح السكينة في المجتمع؛ حفاظًا على أمن واستقرار الأوطان من أجل إحباط مخططات التنظيمات المتطرفة التي تسعى إلى إحداث الفوضى وهدم اقتصاد الدول عبر زعزعة الأمن والسلم بها.