قرأت لك.. "الوجودية" أشهر فلسفة فى القرن الـ 20 هل تفيد القرن الـ21؟

السبت، 28 مارس 2020 07:00 ص
قرأت لك.. "الوجودية" أشهر فلسفة فى القرن الـ 20 هل تفيد القرن الـ21؟ غلاف الكتاب
كتب أحمد إبراهيم الشريف

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
نقرأ معا كتاب "الوجودية: مقدمة قصيرة جدًّا" تأليف توماس آر فلين، ترجمة مروة عبد السلام، مراجعة محمد فتحى خضر، والصادر عن مؤسسة هنداوى.
الوجودية
 
المعروف أن الوجودية إحدى الحركات الفلسفية الرائدة فى القرن العشرين، وقد كان تأثيرها على الآداب والفنون أكبر من تأثير أى مدرسة فكرية أخرى. 
وفى هذا الكتاب، يقدم لنا توماس فلين عرضًا موجزًا لجوهر فلسفة الوجودية، ويشرح لنا الأفكار الأساسية لها، مثل: الفردية، والإرادة الحرة، والمسئولية الشخصية؛ وهى الأفكار التى تميز الوجودية كأسلوب حياة، وليس فقط كأسلوب للتفكير، كل هذا مع التركيز على روَّاد الفلسفة الوجودية فى العالم، ومن بينهم: فردريك نيتشه، وجان بول سارتر، ومارتن هايدجر، وسورين كيركجارد، وسيمون دى بوفوار، وموريس ميرلوبونتي، وألبير كامو.
لكن هل الوجودية التى كانت مناسبة للقرن العشرين وتعد أشهر فلسفة فيه مناسبة للقرن الواحد والعشرين بتعقيداته ومشاكله؟
يقول الكتاب تظل "الوجودية" مصطلحًا كثير الذكر، وعلى الرغم من أن سارتر يعد — على الأرجح — أشهر فلاسفة القرن العشرين، فغالبًا ما يسمع المرء الادعاء بأن هذه الحركة قد اندثرت، وأن موجتين متعاقبتين من الفكر الفرنسى قد حلتا محلها؛ هما البنيوية فى ستينيات القرن العشرين، وما بعد البنيوية فى سبعينيات وثمانينيات القرن العشرين، وبعدها تبددت قوتها مع موت أبرز رموزها الفلسفية. باعتراف الجميع — باعتبارها ظاهرة انتشرت فى الثقافة الغربية الشعبية — بلغت الوجودية أوجها فى السنوات التى أعقبت نهاية الحرب العالمية الثانية مباشرةً. كان هذا عصر الرقص الوحشي، وموسيقى الجاز فى نوادى ليفت بانك المغشية بالدخان، ومسرح العبث، والحرية بكل ما تحمله الكلمة من معنًى؛ أو حسب التعبير الفرنسي، كانت الوجودية ثمرة التحرير. كان من الصعب الحفاظ على قوة هذه اللحظة، ومع هذا بقيت روحها فى أعماق المجتمع الغربي؛ فتجلت فى عدة حركات انشقاقية فى العقود اللاحقة، وربما كانت سببًا فى اندلاع أحداث مايو ١٩٦٨.
 
رفع الجرافيتى المرسوم على الجدران الباريسية خلال ثورة الطلاب عام ١٩٦٨ شعار «كل القوة للخيال»، وهو ما يجسد التلقائية، والأمل اليوتوبي، وربما العبث المطلق الذى يتسم به هذا الانقلاب الطلابي، والذى كان يوصف أحيانًا بأنه ثورة «سارترية». لخص هذا التعليق الفكرة الوجودية القائلة إننا ما دمنا نوجد فى الموقف فإننا مخلوقات تعتنق الممكن، فيما سماه سارتر بالتسامي، أو المستقبل إذا تحدثنا من الناحية الزمنية. لقد ذكرت أنه فى منظور سارتر يدل «التسامي» بصفة أساسية على نشاط وعينا التخيلى الذى عن طريقه نتجاوز ما نعرفه بالفعل إلى ما يمكن أو يحتمل معرفته. لم يرَ أحد قط الحصان وحيد القرن، لكن لدينا صورًا لما يمكن أن يراه المرء إذا كان هذا المخلوق موجودًا فى العالم الواقعي. وحسبما كتب سارتر فى دراسته عن الروائى والمسرحى جين جينيت: «يمكِّن نفس القصور الإنسان من تكوين صور ويمنعه من اختلاق كائن.» يعتمد الوعى باعتباره غيابًا أو قصورًا فى الوجود (فيما يسميه «العدم» فى كتابه «الوجود والعدم») على الوجود، مثلما تعتمد صورتنا عن الحصان وحيد القرن على ما عرفناه عن الخيول والقرون وما شابه ذلك مما لا يستطيع الوعى أن يختلقه، لكنه حر فى تشكيله حسبما يريد. خيالنا الإبداعى هو تعبير عن هذه الحرية التى تميزنا كبشر.
 
لكن الوعى السارترى يتصف بالالتزام؛ فهو ليس مجرد خيال حر. وعندما تتحول الحرية التى يسعى إليها إلى شيء ملموس، يصبح الالتزام سياسيًّا أكثر فأكثر، مثلما هى الحال مع الجانب «الخيالي» الذى يعبِّر عنه. ويشكِّل تصوره «لمدينة الغايات»، حيث جميع العلاقات متساوية (أى عند مستوًى واحد) وغير موضوعية، نموذجًا يوجِّه تفاعلاتنا الاجتماعية. إن العلاقة بين الفنان والجمهور التى يصفها سارتر بأنها قائمة على الانجذاب تجاه الموهبة حيث يتفاعل الأفراد وهم يحترم بعضهم حرية بعض؛ تمثل الآن نموذج التفاعل الاجتماعى الصادق بصفة عامة. ليس معنى هذا أن سارتر يميل إلى الفلسفة الجمالية (إحلال الجميل محل الأخلاقي، والفن محل الفضيلة)، بل هو — فى حقيقة الأمر — يكتب عن الحب الصادق والصداقة بلغة مشابهة لتلك التى استخدمها فى كتابه «مذكرة فى فلسفة الأخلاق» الذى نُشر بعد وفاته، وهى رؤية مربكة للوجوديين الذين يلتقون فى عطلة نهاية الأسبوع والمعتادين على تحليل الحب (غير الصادق) الذى صُوِّرَ من الناحية السادية/الماسوشية فى كتاب «الوجود والعدم".
 
ربما إذن كانت للوجودية — كظاهرة ثقافية — أيام مجد. ومع هذا، فحتى من منطلق ثقافي، تركت الوجودية آثارها فى الثقافات الفرعية المتنوعة التى تلتها، وفى صياغة مصطلحات القلق وخداع الذات والالتزام والصدق، وما شابهها من مصطلحات ما زالت تتداخل مع أحاديثنا؛ إلا أنها فى هذا الصدد يمكن اعتبارها مرحلة.
 
لكن كحركة فلسفية، فى حدود ما كانت عليه، لعبت الوجودية بصورها المتنوعة دورًا رئيسيًّا فى الفلسفة الأوروبية على مدار أكثر من ٥٠ عامًا، وقد اندمجت الآن مع الحوار الفلسفى المستمر وتعبِّر فيه عن الهموم الأخلاقية الدائمة للوضع الإنساني. بعبارة أخرى: ما زالت تدافع عن الحرية الفردية والمسئولية والصدق، فى خضم صور متنوعة من الجبرية والانصياع وخداع الذات واليوتوبيا التكنولوجية، وما شابهها من مصطلحات شديدة الانتشار فى عصرنا. وهى عادةً ما تفعل ذلك بأسلوب خيالى يوظف الفن والعِبرة ليقدِّم بشكل ملموس مبادئ تجريدية كانت ستخاطر فى ظل ظروف أخرى بأن تكون أمورًا أكاديمية فى غير محلها أو يكون الإعجاب بها من بعيد باعتبارها أمورًا فكرية تثير الفضول. هذا هو نوع الفلسفة الملموسة الذى دفع سارتر إلى أن «يشحب من فرط الانفعال» — بحسب وصف دى بوفوار — عندما طرح عليهما صديقهما السابق ريموند آرون (١٩٠٥–١٩٨٣) احتمالية إعطاء وصف فينومينولوجى لكأس الكوكتيل أمامهما فى مقهى باريسى فى مطلع ثلاثينيات القرن العشرين.
 
 









مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة