تسبب تفشى وباء كورونا العالمى فى تغييرات اجتماعية كبيرة فى خلال أسابيع قليلة، كان أبرزها ظهور حركات من الهجرة الجماعية الكبيرة فى عدد من الدول التى اختلفت درجاتها، لكن كان السبب ورائها جميعا محاولة للنجاة من الفيروس القاتل.
حيث قالت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية إن الإغلاق العام المفاجئ فى الهند الذى بدأ الأسبوع الماضى فى إطار إجراءات البلاد لمواجهة تفشى وباء كورونا قد سبب واحدا من أكبر حركات الهجرة فى التاريخ الحديث للبلاد، حيث بدأ مئات الآلاف من العمال المهاجرين رحلات طويلة على الأقدام للوصول إلى منازلهم، بعدما أصبحوا بلا مأوى ولا عمل.
وأوضحت الصحيفة أنه فى العاصمة دلهى، قام آلاف المهاجرين بحزم أمتعتهم وأخذوا أوانيهم وبطاطينهم، وبعضهم حمل أطفاله الصغار على كتفيه وهم يمشون على الطرق السريعة بين الولايات. وبعضهم خطط للسير لمئات الأميال، لكن مع وصول بعضهم إلى حدود دلهى تعرضوا للضرب من قبل الشرطة.
ونقلت الصحيفة عن بابو، الذى جاء إلى دلهى قبل 3 أسابيع للعمل وكان يحاول العودة إلى مسقط رأسه فى ولاية أوتار براديش على بعد 125 ميل إنهم يخشون المرض والعيش فى الشوارع، لكنه يخشى أكثر من الجوع وليس كورونا.
وسجلت الهند حتى الآن 980 حالة إيجابية للإصابة بفيروس كورونا و24 حالة وفاة، بحسب ما ذكر المسئولون.
وخلال اليومين الماضيين، قامت ولاية واحدة، وهى أوتار براديش، من بين 36 ولاية هندية باتخاذ إجراءات لإعادة المهاجرين إلى منازلهم، وسمحت بعدد من الحافلات. فيما انتظر المهاجرون فى صفوف طويلة على مشارف العاصمة دلهى لنقلهم، وتم إبعاد الأغلبية العظمى منهم.
وتعد الهند واحدة من أكبر دول العالم من حيث السكان المشردين، وقد يضاعف الإغلاق من عددهم ثلاث مرات بين عشية وضحاها. وقدر تعداد حكومى فى عام 2011 عدد المشردين بـ 1.7 مليون شخص، وهو تقدير غير دقيق بشكل شبه مؤكد فى البلد البالغ عدد سكانه 1.3 مليار نسمة.
ولم يكن الأمر كذلك فى الدول الفقيرة فقط، بل كانت هناك موجات مماثلة وإن كانت بشكل مختلف نسبيا فى الدول الغنية. فقالت صحفية واشنطن بوست إنه على الرغم من أن غالبية الأمريكيين يظلون قريبين من منازلهم فى هذا الوقت المضطرب للغاية، فى ظل تفشى وباء كورونا، إلا أن الملايين يتحركون، ويقومون بهجرة جماعية تبدو عاجلة ومؤقتة لكنها ربما تحتوى على بذور تحول كامل فى الأماكن والكيفية التى يعيش فيها الأمريكيين.
فطلاب الكليات والبالغين الشباب يتنقلون بين الولايات ويتوجهون إلى مسقط رأسهم للانضمام لعائلاتهم، وكذلك فإن الأشخاص متوسطى العمر كانوا يتوجهون إلى المجتمعات التى تقاعد فيها آبائهم.
من الشواطئ والمنتجعات إلى الكبائن الجبلية ومنازل العائلات الريفية، تجذب الأماكن البعيدة عن المدن المكتظة بالسكان الأشخاص الساعين للهروب من مناطق تفشى العدوى.
لكن الهاربين من الفيروسات غالبا ما يواجهون معارضة شرسة على طرقهم، بما فى ذلك جهود فلوريدا لمنع سكان نيويورك من الانضمام لأقاربهم فى ولاية صن شاين، ونقطة تفتيش الشرطة التى تمنع الغرباء من دخول فلوريدا، والعديد من الجزر الساحلية التى تغلق الجسور فى محاولة لإبعاد كورونا وفى الوقت الذى تضع فيه إدارة ترامب تصنيف وطنيا للمقاطعات على حسب نسبة مخاطر انتشار الفيروس، سواء عالية أو متوسطة أو منخفضة، فإن الأشخاص الذين يبحثون عن الأمان النسبى، وربعا العمل بأجر يوسعون الاتجاهات بعيدا عن المدن المزدحمة الغنية ونحو المدن الصغير والمناطق القروية.
نفس الأمر يحدث فى أوروبا، وإن كان بوتيرة أقل قالت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية إن الأثرياء الأوروبيين يهربون من فيروس كورونا بالتوجه إلى منازل أخرى، ويشرون بذلك الخوف وأيضا الغضب.
وأوضحت الصحيفة أن سكان المدن الأثرياء فى فرنسا ودول أوروبية عديد بدأوا يهربون من المناطق التى تمثل بؤر الأزمة إلى منازل أخرى يمتلكونها، القريبة من البحر أو الجبال مما تخفف من انزعاجهم من القيود ومع وجود إنترنت يسمح لهم بالعمل عن بعد، لكنهم يجلبون أيضا مخاوف من أنهم سينقلون الفيروس إلى مناطق بها عدد قليل من المستشفيات للتعامل مع ارتفاع أعداد المرضى، مما يزيد من الخطر على السكان المحليين وأغلبهم من المسنيين وذوى الدخل المحدود.
وتحدثت الصحيفة عن سكان جزيرة فرنسية هادئة على ساحل الأطلنطى، الذين شعروا بالغضب لقدوم الباريسيين إلى جزيرتهم بعد فرض الإغلاق فيها. و
واعتبروا أن سلوكهم غير مقبول وأنانى، واضطر عمدة الجزيرة لإغلاق الجسر الوحيد الذى يربط الجزيرة بالبر الرئيسى، لكن السلطات الوطنية قالت إن هذا الإجراء غير قانونى. وقد تضاعف عدد سكان الجزيرة بين عشية وضحاها ليصبح 20 ألف. وبعد نحو أسبوعين من بدء الإغلاق الوطنى فى 17 مارس، أصبح هناك 70 حالة مشتبه فى إصابتها بكورونا فى الجزيرة.