أخذ السلطان العثمانى سليم الأول يتأمل عدوه السلطان المملوكى «طومان باى» متعجبا، يوم 31 مارس، مثل هذا اليوم، 1517، حسبما يذكر الدكتور أحمد فؤاد متولى فى كتابه «الفتح العثمانى لمصر والشام».
يتتبع «متولى» قصة القبض على«طومان باى» معتمدا على مراجع تركية، وأخرى عربية أبرزها «واقعة السلطان الغورى مع سليم العثمانى» لأحمد بن زنبل و«بدائع الزهور» لابن إياس، وكلاهما عاصرا أحداثها.. يذكر «متولى» أن «سليم» أمر جنوده لمعركة فاصلة ضد طومان باى، وفى يوم الخميس 26 مارس 1517، دارت معركة حامية بينهما، تغلب فيها العثمانيون، وتفرق جنود «طومان باى»، وانفضوا من حوله بعد هزيمته الثانية، وكانت الأولى فى «الريدانية» 22 يناير 1517.
قرر «طومان باى» الهرب يوم 27 مارس 1517، وقال لأتباعه الذين برفقته: لاحول ولاقوة إلا بالله العلى العظيم، اعلموا يا أغوات أن دولتنا قد دالت، وآجالنا قد مالت، وما بقى لنا فى هذه الديار نصيب»،وتوجه إلى الشيخ حسن بن مرعى فى مدينة «سخا» بالغربية،وقال لمن معه”لابقى لنا رأى إلا أن أذهب إلى حسن بن مرعى وابن عمه شاكر،شيوخ عرب محارب فإنى قد وليتهم عليهم، وأطلقت حسن من الحبس، بعد أن كان المرحوم السلطان الغورى كتب على قيده، وأطلقته لما أن صار الأمر لى، وأخذت عليه العهود والمواثيق والإيمان المغلظة أن يكون معى ظاهرا وباطنا، ويكون معى بالقلب والغالب إذا احتاج الأمر لذلك، وما أحسن من سيرنا إليه، ونكون نحن وهو على قلب رجل واحد».
وصل «طومان باى» إلى أبناء مرعى.. يذكر متولى: «عزموا على السلطان بالضيافة بعد أن قبلوا يده، فقال لهم: «ما نحن فاضون للضيافة ولا لغيرها والعدو فى أثرنا وقامت علينا العربان، وماجئت لك إلا لتنظر لنا محلا نحتمى فيه ثم ندبر أمرنا بما فيه الصلاح لنا..رحب آل مرعى بقدومه، وركن إلى ولائهم، وأحضر لهم مصحفا وحلف ابنا مرعى على أن لا يخوناه ولايغدرا به، ولا يدلسا عليه بشىء من الأشياء ولا لسبب من أسباب المسك ولا يدلان عليه.. حلفا له المصحف سبع مرات، فطاب قلبه إلى ذلك، وبعد أن اطمأن حسن بن مرعى على استقرار طومان باى ومن معه خرج عنهم ليستطلع الأخبار، وقد حدثت نفسه بالخيانة.. ويقال إن مجادلة حادة وقعت بينه وبين أمه فى أمر الخيانة، وحذرته من هذا العمل، وأخذت تذكره بما لطومان باى عليه من أياد بيضاء، وجهدت فى نصحه فلم ينصح إذ كان يطمع فى المكافأة، وشجعه شاكر ابن عمه بقوله:وهل هناك عاقل يبيع عاجله بآجله،لا تمل إلى الكفة الخاسرة فيحصل لك الخسران».
يذكر «متولى» أن «حسن بن مرعى أبلغ سليم، فبعث إليه بفرقة جنود قبضت على طومان باى يوم الاثنين 30 مارس 1517، وأحضرته إلى مكان يدعى «أم الدنيا»، ثم نقلته إلى الجيزة، وعبرت به إلى مقر سليم فى بولاق، وفى اليوم التالى «31 مارس 1517» حدثت المواجهة بينهما: «أخذ سليم يتأمله معجبا بشجاعته وجسارته، وأجلسه على العرش الذى أعده له بجواره، وتحدث معه بأسلوب رقيق راغبا فى الاستفادة من ضمه للعمل مع العثمانيين».
دار بين آخر سلاطين المماليك وتاسع السلاطين العثمانيين حوارا طويلا..يؤكد «متولى» أن طومان باى أظهر فيه رباطة جأش وشجاعة مدافعا عن شرفه وشرف بلاده، ومبديا له أن هزيمته هى من ترتيب المقادير«فلولا أن دولتنا زالت وأدبرت ودولتكم جاءت وأقبلت..ما قدرت أنت ولا غيرك على أخذ بلادنا، فإنه لو كان بالقوة والشجاعة، ماكنت أقوى منا ولا أشجع، وها أنتم رأيتم كيف فعلنا مع عساكركم وكسرتهم كذا وكذا مرة».. يؤكد متولى أن سليم أعجب بكلام طومان باى، وقال له: والله ما كان قصدى أذيتك، ونويت الرجوع من حلب، ولوأطعتنى من الأول، وجعلت السكة والخطبة باسمى ما جئت لك ولا دست أرضك».
رد طومان باى: الأنفس التى تربت فى العز لا تقبل الذل، هل لوأرسلت لك أنا وأمرتك أن تكون تحت أمرى، هل كنت ترضى، وهل سمعت أن الأسد يخضع للذئب، لاأنتم أفرس منا ولا أشجع منا، وليس فى عسكرك من يقايسنى فى حومة الميدان.. ولكن أنا أعرف أن ما عليك أضر من هذين الشيطانين»، وأشار إلى خاير بك، والغزالى، وكانا من رجال طومان باى قبل خيانتهما.
حظى كلام طومان باى بإعجاب سليم، فقال: «والله مثل هذا الرجل لايقتل، ولكن أخروه فى الترسيم حتى ننظر فى أمره»..يذكر متولى، أنه فى الأيام التالية نظم سليم ووزراؤه حفلات فاخرة لطومان باى، فشاع أنه سيبقى عليه، وسيأخذه معه إلى القسطنطينية أو ينفيه إلى مكة، لكن خاير بك والغزالى دبرا الأمر للخلاص من طومان باى، وأقنعا سليم بأنه لا بقاء لملكه مادام طومان باى على قيد الحياة، فوافق على إعدامه على باب زويلة يوم 13 إبريل عام 1517.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة