أكدت وزارة الخارجية، أن النظام العربى والإقليمى بات معرضاً لمخاطر وجودية بسبب تعرض الدولة الوطنية ومؤسساتها لضغوط هائلة لمصلحة منطق «الميليشيات» والمجموعات ذات الهوية والانتماء الضيق والتنظيمات الإرهابية، فضلاً عن انتشار السلاح والفوضى برعاية دول وقوى إقليمية لها مآربها وأجنداتها داخل الدول العربية .
جاء ذلك في كلمة مصر التي القاها وزير الخارجية سامح شكرى، اليوم الأربعاء، فى اجتماع الدورة العادية (153) لمجلس جامعة الدول العربية على المستوى الوزاري.
وفيما يلى نص كلمة:
معالي السيد/ محمد علي الحكيم وزير خارجية الجمهورية العراقية الشقيقة، رئيس الدورة 152 لمجلس جامعة الدول العربية،
معالي السيد/ يوسف بن علوي بن عبد الله الوزير المسئول عن الشئون الخارجية بسلطنة عمان الشقيقة، رئيس الدورة 153 للمجلس.
معالي السيد/ أحمد أبو الغيط أمين عام جامعة الدول العربية، معالي السادة/ وزراء خارجية الدول العربية الشقيقة،
أهنئ في البداية الجامعة العربية على تجديد هذه القاعة والتي شهدت على مراحل هامة وعديدة من العمل العربي المشترك وأمَلي أن تشهد مستقبلاً نشاطاً يحقق مصالح الشعوب العربية ويصون الأمن القومي العربي ويعالج ما يعانيه عالمنا العربي من تأزم، وأود أن أرحب بالسادة وزراء خارجية الدول العربية الشقيقة في وطنهم الثاني مصر، داعياً الله أن يوفقنا جميعاً خلال هذه الدورة لمجلس جامعة الدول العربية إلى كل ما فيه خير أمتنا العربية.
كما أتقدم بالتهنئة لمعالي السيد/ محمد علي الحكيم وزير خارجية الجمهورية العراقية الشقيقة على إدارته الناجحة لأعمال الدورة السابقة لمجلس جامعة الدول العربية، متمنياً في الوقت ذاته كل التوفيق لمعالي السيد/ يوسف بن علوي، الوزير المسئول عن الشئون الخارجية بسلطنة عمان الشقيقة، في إدارته للدورة 153 للمجلس.
السادة الحضور،
لا يخفى عليكم تعقد المشهد في العديد من الدول العربية الشقيقة خلال الفترة المنصرمة، واشتداد الأزمات بها، ما ينعكس سلباً على الوضع العربي العام ويهدد الأمن القومي لكافة دولنا، نظراً للترابط الوثيق بين بلداننا، وشعوبنا، ومصائرنا. فبنيان النظام العربي والإقليمي بات معرضاً لمخاطر وجودية بسبب تعرض الدولة الوطنية ومؤسساتها لضغوط هائلة لمصلحة منطق الميليشيا والمجموعات ذات الهوية والانتماء الضيق والتنظيمات الإرهابية، فضلاً عن انتشار السلاح والفوضى برعاية دول وقوى إقليمية لها مآربها وأجنداتها داخل الدول العربية.
ففي ليبيا الشقيقة والجارة، التي ترتبط مع مصر بعلاقات تاريخية على كافة المستويات السياسية والاقتصادية والإنسانية، والتي يتأثر الأمن القومي المصري بتطورات الوضع فيها بشكل مباشر، تصاعدت الأزمة بشكل ملحوظ خلال الفترة الماضية، نظراً للتدخلات التركية المعلنة والهدامة، التي وصلت إلى حد التدخل العسكري المباشر في ليبيا، ونقل آلاف المقاتلين الإرهابيين الأجانب إليها، وتوقيع اتفاقيات غير شرعية تنتهك الحقوق القانونية لدول شرق المتوسط، ضاربة بقرارات مجلس الأمن ذات الصلة عرض الحائط، ومنتهكةً مبادئ القانون الدولي، وهو ما تسبب في عرقلة كافة الجهود الحثيثة المبذولة لتسوية الأزمة الليبية سلمياً، وفي انتكاسة قوية لجهود مكافحة الإرهاب في ليبيا، بما لا يهدد الأمن الإقليمي فحسب، بل الأمن الدولي ككل.
وفي سوريا كذلك، نرى الانتهاكات التركية لسيادة دولة عربية شقيقة، متمثلة فيما لا يمكن وصفه سوى بأنه غزو غاشم لأراضي دولة ذات سيادة، ودعم مباشر للكيانات الإرهابية المدرجة على قوائم مجلس الأمن، وهو ما يهدد بتوسيع نطاق الصراع في سوريا، وينسف فرص التوصل إلى التسوية السياسية المنشودة هناك، ومن ثم فإن مصر تستنكر المحاولات المؤسفة للحكومة التركية لاستغلال قضية إنسانية كقضية اللاجئين السوريين الذين تعاطفت معهم الإنسانية جمعاء، من أجل تحقيق مصالح ومكاسب سياسية، خاصة وأن تدخلات تركيا السافرة كانت من الأساس وراء أزمة اللاجئين.
وفي اليمن، نرى التدخلات الإيرانية التي تقوض من الحكومة الشرعية بقيادة فخامة الرئيس عبد ربه منصور هادي، وبما يخالف قرارات مجلس الأمن ذات الصلة وعلى رأسها قرار مجلس الأمن رقم 2216، الأمر الذي نتج عنه تدهور في الأوضاع المعيشية والإنسانية والأمنية، وهو ما لم تقف تداعياته عند حدود اليمن، بل امتدت تبعات ذلك التدهور لتطال الأشقاء في دول مجلس التعاون الخليجي، والتي طالما أكدت مصر على الترابط العضوي بين أمنها وأمن أشقائها في الخليج العربي، وامتدت مرة أخرى لتستهدف حرية الملاحة في البحر الأحمر، وهو ما يمثل تهديداً صريحا للسلم والأمن الدوليين.
وكما تعقد المشهد في تلك الدول العربية، فإن المشهد الفلسطيني ليس استثناءً من ذلك، فالقضية الفلسطينية هي قضية العرب المركزية والتي نخشى أن تبتعد عن إقرار الحقوق المشروعة غير القابلة للتصرف للشعب الفلسطيني الشقيق وعلى رأسها إقامة دولته المستقلة ذات السيادة.
إن ما تقدم من أزمات، يمثل تهديداً جسيماً لكافة الدول العربية، مما يتطلب منا العمل الجاد والدؤوب للتوصل إلى حلول شاملةً لها، صيانةً لأمن شعوبنا العربية، وتمكيناً لنا من اللحاق بركب التنمية، ومن ثم، ومن وجهة نظرنا، يتعين أن تتركز جهودنا على العمل على المحاور التالية:
أولاً: التوصل إلى تسويات سياسية لهذه الأزمات وفقاً لمقررات الشرعية الدولية، وبما يحفظ الحقوق العربية بشكل كامل، ويدرأ التدخلات الإقليمية الهدامة، والتي تسعى إلى نشر الفرقة بغرض تحقيق مكاسب على حساب الدول العربية.
ثانياً: مواصلة التركيز على تحقيق التسوية المنشودة للقضية الفلسطينية من خلال عملية تفاوضية ووفقاً لقرارات مجلس الأمن والجمعية العامة، ومبادئ القانون الدولي، وصولاً إلى إنشاء الدولة الفلسطينية كاملة السيادة على حدود الرابع من يونيو 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، وحيث إن تسوية هذه القضية واستعادة الحقوق الفلسطينية يُعد أحد أهم مفاتيح استعادة الأمن والاستقرار في الشرق الأوسط.
ثالثاً: العمل على صيانة كيان الدولة الوطنية، عبر تعزيز المؤسسات الوطنية في الدول العربية، بما يمكنها من استعادة الاستقرار، ومكافحة الإرهاب بشكل فعال، وهو ما يتطلب كذلك تكثيف التعاون العربي والدولي لمكافحة الإرهاب والتطرف، ومحاسبة أي طرف يتخاذل في ذلك، أو يقدم أي دعم للكيانات والعناصر الإرهابية، أياً كانت أشكال هذا الدعم.
انتقل إلى تناول قضية محورية بالنسبة للأمن القومي المصري، نظراً لطابعها الوجودي بالنسبة لمصر، ألا وهي مسألة سد النهضة في إثيوبيا، ودعوني هنا أنتهز تواجدنا في بيت العرب لأسرد على الحضور الكريم خلفيات هذه المسألة، وتطوراتها.
لقد بدأت مصر منذ عام 2014 عملية تفاوضية مضنية جمعتها والسودان الشقيق وإثيوبيا، وكان الموقف التفاوضي المصري مؤسساً على مبدأ حسن النية بهدف الوصول إلى اتفاق عادل وشامل يحقق المصالح المشتركة للدول الثلاث ويلبي الطموح التنموي لإثيوبيا، باعتبارها دولة أفريقية شقيقة، مع الحفاظ على المصالح المائية لكل من مصر والسودان ومراعاة عدم إلحاق الضرر الجسيم بهما.
وقد أفضت هذه المفاوضات إلى إبرام اتفاق إعلان المبادئ في عام 2015، والذي يلزم أثيوبيا بعدم البدء في ملء خزان سد النهضة دون التوصل لاتفاق شامل يحكم عمليتي ملء وتشغيل السد، وهو الالتزام الذي تحاول أن تتنصل منه أثيوبيا، حيث أعلنت مؤخراً عن نيتها المضي في الملء بالتوازي مع الانتهاء من الأعمال الإنشائية الجارية في السد.
كما ينص اتفاق إعلان المبادئ على إجراء دراسات حول الآثار البيئية والاقتصادية والاجتماعية لسد النهضة، وهي الدراسات التي قامت أثيوبيا بعرقلتها بغية طمس أي دليل علمي على الآثار السلبية لهذا السد على دولتي المصب، وهو ما يعد مخالفة صريحة لقواعد القانون الدولي واجبة التطبيق، وفي مقدمتها مبدأ الاستخدام العادل والمعقول وقاعدة عدم إحداث الضرر الجسيم لمصالح الدول المشاطئة للأنهار الدولية.
وقد أدى تعطيل المفاوضات المباشرة بين الدول الثلاث على مدار خمس سنوات متتالية عقدت خلالها عشرات الجولات على المستوى الفني والوزاري، بالإضافة إلى لقاءات متعددة على مستوى القمة، إلى دعوة مصر لتدخل أطراف دولية كوسطاء للمساعدة في التوصل لاتفاق عادل ومتوازن يحقق مصالح الدول الثلاث، وذلك تنفيذاً للمادة العاشرة من اتفاق إعلان المبادئ.
وبالفعل، استجابت الولايات المتحدة لتلك الدعوة وشاركت في جولات المفاوضات المكثفة التي عقدت منذ شهر نوفمبر من العام الماضي والتي حضرها كذلك البنك الدولي، وهي المفاوضات التي انتهت بقيام الإدارة الأمريكية بالتنسيق مع البنك الدولي بإعداد اتفاق متوازن وعادل على أساس المفاوضات التي جرت بين الدول الثلاث يشمل قواعد تفصيلية لملء وتشغيل سد النهضة وإجراءات محددة لمجابهة حالات الجفاف والجفاف الممتد وسنوات الإيراد الشحيح.
وتأكيداً لحسن نيتها وصدق إرادتها السياسية للتوصل لاتفاق يراعي مصالح الدول الثلاث، فقد وقعت مصر بالأحرف الأولى على الاتفاق الذي أعده الوسطاء الدوليون، فيما لم تقبل أثيوبيا بهذا الاتفاق حتى الآن إذ تغيبت عن الاجتماع الوزاري الأخير الذي دعت له الإدارة الأمريكية يومي 27 و28 فبراير الماضي.
انطلاقاً مما تقدم، فإننا نتطلع إلى دعم الدول العربية الشقيقة لمشروع القرار المتوازن الذي قدمته مصر، والذي يتضمن عدداً من العناصر الهامة التي من شأنها التأكيد للجانب الإثيوبي على وقوف الدول العربية صفاً واحداً لدعم المواقف المصرية العادلة والسودان الشقيق.
وختاماً، أود أن أؤكد على موقف مصر الحريص على التعاون مع جميع الأشقاء العرب لضمان نجاح الدورة الحالية لمجلس جامعة الدول العربية في هذه الفترة العصيبة من تاريخ الأمة العربية".
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة