أحداث إرهابية متواترة ضربت العديد من العواصم الغربية فى الأشهر الماضية، بينما كانت أهدافها متباينة، فبعضها جاء على أساس عرقى، بينما حمل بعضها الآخر أهدافا دينية، سواء من قبل «الدواعش»، الذين تسللوا إلى العديد من المدن، خاصة فى دول أوروبا الغربية، لتنفيذ عمليات فى قلب دول القارة العجوز، أو من قبل أنصار اليمين المتطرف، الذين استهدفوا الأقليات المسلمة، على غرار ما شهدته نيوزلندا قبل ما يقرب من عام، عندما استهدف سفاحا مسجدا وقت صلاة الفجر، ليقتل العشرات، فى الوقت الذى شهدت مناطق أخرى استهدافا لأماكن عبادة أخرى، سواء يهودية أو مسيحية، على غرار استهداف معبد يهودى بولاية بنسلفانيا فى أكتوبر 2018، أو الهجوم على أحد أسواق عيد الميلاد فى مدينة ستراسبورج الفرنسية فى ديسمبر من نفس العام.
وبين الأحداث الإرهابية ذات الأبعاد المتباينة، تبقى دول الغرب، سواء فى أوروبا أو الولايات المتحدة، تحت وطأة خطر الميليشيات المتطرفة، التى تتلاقى فى المرحلة الحالية، على أراضيهم، ليصبح الخطر الذى يواجهونه، خاصة فى أوروبا، مضاعفا، إذا ما قورن بالمخاطر التى نواجهها فى منطقة الشرق الأوسط، منذ عقود طويلة من الزمن، حيث أصبحوا بين مطرقة «داعش» وسندان ما يمكننا تسميته بـ«الإرهاب الأبيض»، ناهيك عن مخاطر أخرى ناجمة عن صعود حركات انفصالية، تسعى لخروج أقاليمها عن سيادة دولها المركزية.
ولعل المخاطر التى تواجهها دول المعسكر الغربى، تمثل نتيجة مباشرة لسياسات عدة تبناها طيلة سنوات طويلة، لإعادة تقسيم منطقة الشرق الأوسط، عبر دعم الميليشيات المتطرفة، لتمكينهم من السلطة، وهو ما يبدو بجلاء فى تغيير نهج التحالفات الغربية، وذلك بالتزامن مع اندلاع ما يسمى بـ«الربيع العربى»، حيث حلت القوى غير العربية، وعلى رأسها تركيا، أجندة التحالفات الأمريكية، وبالتالى الأوروبية، محل القوى الرئيسية بالمنطقة، كمصر والمملكة العربية السعودية، بحيث تكون تلك التحالفات نواة لنظام إقليمى جديد، سعوا إلى إرسائه لتحقيق أهدافهم.
التورط الغربى فى دعم الإرهاب بالشرق الأوسط، تجلى فى العديد من المشاهد، ربما أبرزها التقاعس الذى أبداه التحالف الدولى، والذى شكلته إدارة الرئيس الأمريكى السابق باراك أوباما، فى القضاء على تنظيم داعش الإرهابى، بعدما سيطر على مساحات واسعة، من الأراضى فى سوريا والعراق، مما يساهم فى استخدامهم مستقبلا، إلا أن دخول روسيا على خط الأزمة، عبر إرسال قوات من الجيش الروسى إلى سوريا، ساهم فى تغيير الموازين بصورة كبيرة، لتنجح فى تحقيق انتصارات مدوية، وتستعيد الكثير من الأراضى للسيادة السورية، مما أجبر الغرب بقيادة واشنطن لاتخاذ خطوات أقوى لتحرير شمال سوريا، عبر دعم الميليشيات الكردية، بتقديم غطاءً جوى لهم، مكنهم من تحرير تلك المنطقة.
إلا أن التحرك المتأخر للغرب ساهم فى تأجيج الأزمة التى طالتهم سهامها، فى المرحلة الراهنة، حيث تسبب الصراع الذى شهدته دول المنطقة فى تدفق آلاف اللاجئين إلى أراضيهم، بينما تسلل بينهم عدد كبير من المتطرفين، الذين تورطوا فعلا فى عمليات إرهابية، استهدفت المواطنين الغربيين فى عقر دارهم، ليفتح الباب أمام صعود سياسى لتيارات اليمين المتطرف، ذى النزعة الشعبوية، ليتبنى خطابا مناوئا للمهاجرين والسياسات التى يتبناها الليبراليون، منذ سنوات، ليساهم فى تأجيج مشاعر الكراهية لدى المواطنين الأصليين، تجاه أصحاب الأعراق والديانات المختلفة.
وهنا يمكننا القول إن الصراع فى الغرب، خاصة فى أوروبا، سوف يتخذ شكلا مختلفا إذا ما قورن بالشرق الأوسط، فالمنطقة شهدت صراعا أهليا بين أنظمة حكومية وميليشيات مسلحة، وضعت نفسها فى دائرة المعارضة، فى حين أن الصراع هناك ربما يحمل طبيعة «ميليشياتية» خالصة، فى ظل تنامى الدور الذى قد تلعبه الميليشيات المتناوئة فى المرحلة المقبلة.
الحركات الاحتجاجية المنظمة بين داعش والقوميين
يشكل نواة لميليشيات جديدة.. «السترات الصفراء» فتحت الطريق أمام استخدام العنف.. و«تسونامى الديمقراطية» ترفع لواء الاستقلال عن إسبانيا
وبين خطر «داعش» والتهديد الذى تمثله التيارات القومية، تبقى مخاطر أخرى تلوح فى الأفق، فى المرحلة الراهنة، فى ظل صعود النزعات الانفصالية فى القارة العجوز، وهو ما يتجلى بوضوح فى النزاع الكتالونى فى إسبانيا، حيث يطالب سكان الإقليم بالخروج من السيادة الإسبانية لصالح تأسيس دولتهم المستقلة فى المستقبل القريب، وهو الأمر الذى دفع إلى موجات من العنف بين الشرطة ودعاة الاستقلال، خاصة مع إقدام قادة الإقليم المارق على تنظيم استفتاء، لكنه لم يتم بسبب تدخل السلطات الحاكمة، والزج بالقائمين عليه فى السجون.
وعلى الرغم من أن النزعات الانفصالية فى أوروبا ليست بالأمر الجديد تماما، فإن ثمة تطورات شهدتها تلك الحركات، وعلى رأسها ظهور مجموعات بدأت استخدام العنف، على غرار ما يسمى بـ«تسونامى الديمقراطية»، التى دشنت تطبيقا إلكترونيا يمكن استخدامه للحشد والتظاهر ضد السلطات الإسبانية، بالإضافة إلى تورطهم فى العديد من أعمال العنف فى مواجهة الشرطة، ليس فقط فى إسبانيا، وإنما أيضا خاضوا مواجهة مع الشرطة الفرنسية على الحدود بين البلدين.
ولعل ظهور حركة تسونامى الديمقراطية التى تقود المواجهة ضد السلطات الحاكمة فى إسبانيا، هو بمثابة امتداد صريح لحركات أخرى ظهرت فى دول أخرى، ربما لا تحمل فى طياتها نزعة انفصالية، وإنما سعت إلى فرض رؤيتها على الحكومات المركزية باستخدام العنف، وعلى رأسها حركة «السترات الصفراء»، التى تعد بمثابة كابوس فى رأس الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون، منذ بداية احتجاجاتها فى أواخر 2018، بسبب حملة إصلاحات تبناها فى الجانب الاقتصادى.
ظهور حركة السترات الصفراء إلى النور كان بمثابة نقطة تحول تاريخية سواء فى الداخل الفرنسى، أو على مستوى أوروبا بأسرها، ليس بسبب المظاهرات التى تمثل امتدادا لموجات من الغضب شهدتها دولا أخرى، بسبب سياسات الليبراليين المهادنة للهجرة تارة، والتراجع الاقتصادى تارة أخرى، والمخاوف الأمنية المرتبطة بانتشار الإرهاب تارة ثالثة، ولكن باعتبارها تطورا فى شكل الحركات الاحتجاجية، لم تشهده القارة العجوز منذ عقود طويلة، لتخرج من الشكل العشوائى، إلى إطار أكثر تنظيما، أصبح يمثل تهديدا صريحا لاستقرار الأنظمة القائمة.
إلا أن الخطورة التى تشكلها مثل هذه الحركات فى المرحلة الراهنة، تتجلى فى ارتباطها بالعنف، حيث تخوض مواجهات عنيفة مع الشرطة، بينما تلجأ فى الكثير من الأحيان إلى أعمال تخريب وتدمير الممتلكات العامة والخاصة، وهو ما يثير العديد من المخاوف المتعلقة باحتمالات قيامها بتطوير نهجها عبر تشكيل ميليشيات مسلحة، تسعى لفرض إرادتها بالقوة.
الحركات الجديدة فى أوروبا خلقت حالة من الاستقطاب داخل المجتمعات الأوروبية، لتتجاوز المستوى المجتمعى والأمنى، إلى المستوى السياسى، حيث أصبحت محلا للجدال السياسى بين الأحزاب، وهو ما بدا واضحا فى دعم الأحزاب اليمينية للسترات الصفراء فى فرنسا، للفوز بمزيد النقاط السياسية على حساب ماكرون، بينما نجد أن خطابا متشددا على سبيل المثال فى إسبانيا تجاه الحركات ذات النزعات الاستقلالية ربما ينذر باندلاع مزيد من العنف قد يضع البلاد على حافة الحرب الأهلية.
وهنا يمكننا القول إن الحركات الجديدة فى أوروبا، التى استلهمت نهجها من السترات الصفراء، أصبحت تتجاوز الأحزاب فى الكثير من الأحيان، بسبب حالة الزخم الذى تحظى به، وهو الأمر الذى يمثل تهديدا صريحا لاستقرار دول القارة، بسبب استخدامها المتزايد للعنف لتحقيق أهدافها، من جانب، بالإضافة إلى تجاوزها للإطار المتعارف عليه فى المطالب، وهو ما يمثل انقلابا على القواعد الغربية التقليدية من جانب آخر.
كابوس داعش وابتزاز اللاجئين تهديد مزدوج لأوروبا
المخاوف تتفاقم بسبب بزوغ أزمة اللاجئين.. أردوغان يبتز حلفاءه لجرهم إلى معركة فى إدلب.. وطموحات «داعش» تتجاوز الهيمنة الإقليمية
يمثل تسلل تنظيم «داعش» الإرهابى خطرا داهما يشكل كابوسا، فى عقول الغرب، خاصة فى أوروبا، سواء على مستوى المواطنين، أو من جانب الحكومات، وهو الأمر الذى يتجلى بوضوح فى حالة الذعر التى أصابت دول القارة العجوز، جراء المخاوف الكبيرة من عودة مواطنيها، الذين سبق لهم الانضمام للتنظيم الإرهابى، سواء فى سوريا أو العراق، خاصة مع احتمالات إقدامهم على تنفيذ عمليات إرهابية فى قلب دولهم، وهو الأمر الذى يمثل امتدادا لنشاط التنظيم قبل انهياره فعليا فى العديد من الدول بمنطقة الشرق الأوسط.
ولعل المعضلة الكبيرة التى تواجهها أوروبا، لا تتجسد فقط فى أفكار التنظيم، وإنما فى طموحاته، حيث إن العمليات التى تبناها حملت طفرة نوعية فى نشاط التنظيمات الإرهابية، إذا ما قورنت بالجماعات التى سبقته، وعلى رأسها تنظيم القاعدة، حيث إنه لم يكتف بمجرد شن عمليات إرهابية فى المحيط الجغرافى لمواقع تمركزه، فى الشرق الأوسط، وإنما امتد إلى البحث عن الهيمنة أولا، عبر السيطرة على مساحات واسعة من الأراضى، على غرار ما قام به فى سوريا والعراق، فى أعقاب الفوضى التى هيمنت على المنطقة خلال ما يسمى بـ«الربيع العربى»، لتكون تلك الأراضى بمثابة الإقليم التى خلق فيها التنظيم الإرهابى دولته المزعمومة.
بينما سعى التنظيم على الجانب الآخر إلى الامتداد بعيدا عن إطاره الإقليمى، عبر مسارين، أولهما يتمثل فى استيراد المقاتلين، من كل أنحاء العالم، وفى القلب منه أوروبا الغربية، ليتحول تنظيما عالميا توحد خلف رايته كل المتطرفين بمختلف جنسياتهم، مما يضفى عليه طابعا عابرا للحدود، بعيدا عن إطار الدولة الحالية، وهو ما يفسر انتسابهم لمفهوم «الخلافة»، فى حين أن المسار الآخر تمثل فى تشجيع المتطرفين الذين لم يتمكنوا من الانضمام إليهم فى مناطقهم، بالقيام بعمليات إرهابية داخل بلدانهم، مستخدمين فى ذلك التطور الهائل فى التكنولوجيا الحديثة، لمخاطبة أنصارهم فى مختلف مناطق العالم، وهو ما يفسر إعلان التنظيم مسؤوليته عن العديد من العمليات التى استهدفت دول أوروبا فى السنوات الماضية.
وهنا تبدو مخاوف أوروبا، خاصة أن أفكاره تتجاوز الحدود، وطموحاته لا تقتصر على مجرد الهيمنة على منطقة معينة، بينما الدعاية التى يتبناها لا تمنعها الإجراءات والحواجز من الوصول إلى متطرفى القارة العجوز، وهو الأمر الذى يثير مخاوف كبيرة، حالة استرجاع مواطنيهم، الذين سبق لهم الانضمام إلى التنظيم إلى أراضيهم مرة أخرى، حيث إنه بإمكانهم تشكيل نواة كبيرة تساهم فى إحياء دولته المزعومة، ولكن ستنطلق هذه المرة من أوروبا، بعد الهزيمة المذلة التى تلقاها فى الشرق الأوسط.
إلا أن المخاوف الأوروبية يبدو أنها تفاقمت إلى حد كبير مع تطورات كبيرة تشهدها الساحة الدولية، فى ظل احتمالات ظهور موجة جديدة من اللاجئين، يسعون لاقتحام دول القارة العجوز، خاصة بعد التطورات الأخيرة فى سوريا، ومساعى الديكتاتور التركى رجب طيب أردوغان، ابتزاز حلفائه لجرهم إلى معركته فى مدينة إدلب، عبر ابتزازهم بورقة السماح للاجئين بالعبور إليهم فى المرحلة المقبلة، وبالتالى تبقى احتمالات تسلل عناصر متطرفة إلى دول القارة أمر مطروح بقوة على طاولة النقاش الأوروبية فى المرحلة الراهنة.
يبدو أن حالة الهلع الكبير بين قادة أوروبا دفعتهم بقوة نحو تغيير دفة التقارب إلى حد كبير، فى ظل تغير المواقف الدولية، خاصة من قبل الحليف الأمريكى، مما دفعهم نحو التعاون مع روسيا، التى تسعى من جانبها إلى تقديم نفسها كبديل لواشنطن فى حماية أوروبا، عبر صفقة تقوم فى الأساس على توطيد العلاقات الاقتصادية، خاصة فى مجال الطاقة، مقابل ممارسة الضغوط على أردوغان لوقف محاولاته لتصدير أزمة اللاجئين للقارة العجوز.
ويمثل التقارب الأوروبى الروسى امتدادا للعديد من المسارات الأخرى، التى شهدت تغييرا فى اللهجة، خاصة مع اعتماد ألمانيا وفرنسا، اللذين يسعيان لقيادة الاتحاد الأوروبى، على أنابيب الغاز الروسى، بالإضافة إلى رؤيتهما القائمة على انتهاء زمن الخصومة مع روسيا، وهو ما أعرب عنه الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون مؤخرا بالحديث عن موسكو، على اعتبار أنها لم تعد الخصم الحقيقى للغرب فى المرحلة الحالية.
«الإرهاب الأبيض».. ميليشيات التيارات القومية تثير مخاوف «النزاع الأهلى» فى دول الغرب
صعود اليمين آثار موجة من الكراهية تجاه المسلمين والمهاجرين.. وتقاعس الحكومات عن الاعتراف بـ«إرهابية» هجماتها تفاقم الأزمة
لم تقتصر مخاوف أوروبا على «الأعلام السوداء»، التى كثيرا ما اتخذها داعش شعارا له، وإنما امتدت إلى ما يمكننا تسميته بـ«الإرهاب الأبيض»، فى ظل حالة من الثورة باتت تقتحم أروقة الداخل الأوروبى، ولدت من رحم السياسات التى تبناها القادة الليبراليين للقارة العجوز، تحت شعارات حقوقية، ربما وضعت مواطنيها تحت خطر التهديد المباشر، وهو الأمر الذى ساهم بصورة كبيرة فى بزوغ نجم تيارات اليمين المتطرف فى السنوات الماضية، التى تتبنى خطابا مناهضا للهجرة، وداعما للخصوصية الوطنية والثقافية لكل دولة، بعيدا عن السياسات عابرة الحدود التى سيطرت على الحياة فى أوروبا لسنوات طويلة.
الخطاب «اليمينى» نجح إلى حد كبير فى استقطاب قطاعات كبيرة من المواطنين فى القارة العجوز، فى ظل إحساس المواطن بالتداعيات السلبية الكبيرة المترتبة على سياسات الحدود المفتوحة، وعلى رأسها مزاحمة المواطن فى الفرص الاقتصادية المتاحة، مما ساهم فى زيادة معدلات البطالة، ناهيك عن أثارها الأمنية الكارثية مع زيادة العمليات الإرهابية التى استهدفت العديد من المدن والعواصم فى أنحاء القارة.
وهنا ساهم صعود التيارات اليمينية على قمة الساحة السياسية فى أوروبا، خلال السنوات الماضية، إلى الشرارة التى أججت بزوغ تيار متطرف جديد، لا يقتصر فى أبعاده على الجانب الدينى فقط، على غرار داعش، وإنما امتد إلى العديد من الجوانب الأخرى، بالإضافة إلى الدين، وهو ما يبدو عبر استهداف أصحاب الديانات الأخرى، وفى القلب منهم المسلمين، على غرار هجوم نيوزلندا، فى مارس من العام الماضى، حيث امتدت المخاطر نحو أصحاب الأعراق المختلفة، حيث بقى المهاجرون الموجودون على أراضيهم هدفا لمتطرفى «الإرهاب الأبيض»، فى انعكاس صريح لحالة الغضب المتنامى تجاههم.
ولعل الخطورة الحقيقية التى تواجهها دول أوروبا، تتمثل فى تقاعس العديد من الحكومات، عن الاعتراف بالطبيعة الإرهابية للهجمات، سواء التى تستهدف المسلمين أو المهاجرين، فعلى الرغم من أن رئيسة وزراء نيوزلندا جاسيندا أرديرن لم تتهاون فى وصف الحادث الدموى، الذى استهدف مسجدا وقت صلاة الفجر قبل عام، بأنه إرهابى، فإن تجربتها، التى تلقت إشادة دولية كبيرة، لم تجد استجابة فى العديد من الدول الأخرى التى شهدت أحداثا مماثلة، ربما لأنها كانت ذات نطاق أضيق، سواء من حيث أعداد الضحايا، أو التداعيات.
«الإرهاب الأبيض» لم يتوقف على مجرد استهداف المهاجرين أو المسلمين على الأراضى الأوروبية، وإنما امتد إلى استهداف المسؤولين، ففى يونيو الماضى، اغتال عدد من المتطرفين «البيض» عضوا بحزب المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل بسبب موقفه المؤيد للهجرة، بالإضافة إلى استهداف عدد من المسؤولين عبر «الطرود المفخخة».
لم يقتصر خطر الإرهاب الأبيض على أوروبا، وإنما امتد إلى الولايات المتحدة، التى شهدت أحداثا مشابهة، وإن كانت أقل عددا وتأثيرا، حيث استهدفت الطرود المفخخة عددا من الساسة، على غرار وزيرة الخارجية السابقة هيلارى كلينتون، والرئيس السابق باراك أوباما، ونائبه جو بايدن، وكلهم من أبرز منتقدى الرئيس الحالى دونالد ترامب، مما دفع البعض إلى الربط بين خطاب الإدارة الحالية وانتشار ظاهرة استهداف المسؤولين عبر متطرفين من أنصار التيار القومى. ولعل الانتقادات التى واجهت ترامب إلى ذروتها، بعد حادث استهداف معبد يهودى فى بنسلفانيا، حيث اعتبرته العديد من المنصات الإعلامية أحد ثمار الخطاب الذى يتبناه الرئيس الأمريكى، وهو الاتهام الذى رفضه الأخير.
صعود التهديد الذى يمثله متطرفو التيار القومى فى الغرب، بالتزامن مع مخاوف داعش، يضع الحكومات فى مأزق، جراء زيادة غير مسبوقة فى معدلات العنف، والعنف المتبادل فى المستقبل القريب، وهو الأمر الذى يبقى بحاجة إلى إجراءات قوية لاحتوائه.