«إن كل الذين يقدرون الوزير كقاض يأسفون على حاضره، ويخشون على مستقبله ويفضلون ماضيه، إنه على منحدر خطير حقا»، هكذا يوجه الزعيم مصطفى كامل قذائفه ضد الزعيم سعد زغلول فى مقال شديد العنف عنوانه «فشل وزير»، ونشره فى مثل هذا اليوم - 7 مارس 1907.
جاء المقال فى جريدة «ليتاندار إجبسيان»، وطبقا لمذكرات أحمد شفيق باشا رئيس ديوان الخديوى عباس حلمى الثانى فى مذكراته، الهيئة العامة لقصور الثقافة - القاهرة، فإن مصطفى كامل أسس هذه الجريدة باللغة الفرنسية، و«الاجبشيان استاندارد» بالإنجليزية، وصدر العدد الأول لهما يوم 3 مارس 1907، وفى عدد 7 مارس كتب مقاله العنيف ضد سعد زغلول، وكان وزيرا للمعارف فى الوزارة التى تشكلت يوم 28 أكتوبر 1906، وأثار اختيار «سعد» لهذا المنصب ردود فعل مختلفة، واستند الغاضبون منه على أن اللورد كرومر أول معتمد للاحتلال البريطانى لمصر هو صاحب قرار الاختيار، ويذكر شفيق باشا فى مذكراته: كان الفكر السائد بيننا هو أن كرومر يريد بتعيين سعد فى نظارة المعارف أن يبعده عن الاشتغال بالجامعة، ظنا منه أنه بذلك يقضى عليها، والمعروف أن سعد كان ضمن الفريق الداعى لتأسيس أول جامعة مدنية فى مصر وهى جامعة فؤاد التى صارت فيما بعد، جامعة القاهرة، وكان كرومر من المعارضين لتأسيسها.
يشرح مصطفى كامل أسباب هجومه على سعد قائلا: «عندما طالب اللورد كرومر بتعيين، سعد باشا زغلول، وزيرا للمعارف العمومية، حدثت فى مصر حالة من الدهشة والأمل، وتساءل الناس: لأى غرض اختار المندوب الإنجليزى هذا القاضى لأهم وزارة؟ وهل كان ذلك من أجل إعادة تنظيمها، ومن أجل الحصول على رضا الشعب؟ أم من أجل تدعيم السياسة الإنجليزية فقط؟ لقد اعتقد الكثيرون فى حسن نية «سعد باشا»، وكذلك فى تحول اللورد كرومر، إننى لم أتخلف شخصيا عن إنصاف قدرات الوزير الجديد كمحام وقاض، ولكنه كيف سيتصرف كوزير؟، لقد قلت له بصراحة فى اللواء «جريدة أسسها مصطفى كامل باللغة العربية»: إن عليه أن يسلك أحد الطرق الثلاثة، أولها، أن يصبح وزيرا حقيقيا قادرا على تنفيذ البرنامج الوطنى، وثانيها، أن يستقيل فى مقابل تعديات الإنجليز المستمرة وأن يحظى فى هاتين الحالتين بإعجاب مصر كلها، وثالثها، أن يساند السياسة الإنجليزية، وأن يخسر بذلك كل تعاطف كل تعاطف وكل هيبة له فى هذا البلد.
ويصل مصطفى كامل إلى أسباب غضبه فيقول: إننى آسف اليوم لملاحظة الوزير وهو يقول لمصر فى خطبته فى الجمعية العمومية: إننى أمام وأوامر اللورد كرومر أطيع تلك الأوامر، ويضيف: لا يوجد ما يدعونا للدهشة، بخصوص هذا الرجل الذى تعلم مؤخرا اللغة الفرنسية وهو لا يحسن التحدث بها، وقد نجح فى مهنته بفضل اللغة العربية، ويؤكد تأكيدا جريئا على أن تلقى العلوم باللغات الأجنبية «ولتكن الإنجليزية» أمر ضرورى، إننا نستطيع الآن أن ندرك أكثر لماذا اختار اللورد كرومر لوزارة المعارف العمومية، صهر رئيس الوزراء «مصطفى باشا فهمى»، وأن ندرك أكثر لماذا تضلل الصحف الإنجليزية والمناصرة للإنجليز بقولها إن الوزير الجديد كان وطنيا، فى حين أنه كان يبدى علاقاته كلها تعاطفا مع السلطة، نحن نعلم الآن لأى غرض اختار اللورد كرومر لوزارة المعارف العمومية ورجلا لم يلتحق أبدا بمدرسة، ولا يعد قط عالم تربية ولم يهتم أبدا بالقضية.
يواصل مصطفى كامل هجومه العنيف قائلا: من الممكن أن يكون الإنسان محاميا وقاضيا ممتازا، ولكن ليس مؤهلا لإدارة تربية وتعليم الشباب أو إعداد مستقبل البلاد، لقد أخطأ سعد باشا زغلول خطأ مريعا فى الجمعية العمومية، وأنه لو كان وزيرا أوربيا يتحدث أمام البرلمان لاستقال منذ ذلك الوقت، ولكنه فى مصر وهو يعتقد أن ثقة اللورد كرومر فيه تكفى وحدها لحمايته، لقد خدع لأنه طالما اعتمد على هذه الثقة سيفقد تأييد بلاده، إن كل أفضال اللورد كرومر عليه وتودده له لا يمكن أن يتسببا فى فشل مثل ذلك الذى تردد صداه فى مصر كلها، إن كل الذين يقدرون الوزير كقاض يأسفون على حاضره ويخشون على مستقبله ويفضلون ماضيه، إنه على منحدر خطير حقا.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة