قبل ما يناهز 600 عام، ضرب مصر وباء من أقسى الأوبئة التي ضربتها عبر التاريخ، وحصد العديد من أرواح البشر، وكان المشهد كما ذكره المؤرخون والباحثون شديد الحزن والأسى، فقد وصل عدد أموات اليوم الواحد في القاهرة وحدها في تلك الأوقات إلى 200 حالة وفاة يوميا.
الآن ونحن في القرن الحادى والعشرين، وبعد نحو 6 عقود على هذا الوباء اللعين، ومع تفشى فيروس "كورونا المستجد: كوفيد 19" لا يزال البعض يتهاون في التعامل مع الفيروس القاتل ومع الإجراءات الصحية التي فرضتها الحكومة المصرية للوقاية من عدوى الإصابة المرض، ويعتقد باعتقادات غريبة ربما قد تؤثر عليه أو على أحبابه.
المؤلف روبرت س جوتفريد، ذكر في كتابه "موت الأسود جائحة طبيعية وبشرية في عالم العصور الوسطى" أن الطاعون والذى عرف بالموت الأسود آتى عن طريق التجار الإيطاليون، وربما حل بالإسكندرية في نهاية خريف عام 1347م، زكام يفتك في الأسابيع الأولى بما يتراوح ما بين مائة إلى مائتين في اليوم الواحد، وكان يشتد فتكه عند يشتد البرد، وتحكى الحوليات المعاصرة عن ضحايا كانوا يبصقون دما، ويعد ذلك مؤشرا على الطاعون الرئوي المميت.
ولم يلبث أن ارتفعت نسبة الموت إلى سبعمائة وخمسين في اليوم الواحد، وما أن حل الربيع التالى حتى ارتفعت إلى مائة ألف، إلا أن الكاتب أكد أنه لا يوحد نسبة محددة بدقة لم هلكوا جراء الطاعون.
كما ضرب الطاعون مناطق أخرى في الدلتا، حيث ضرب دمياط، بشدة، وسرعان ما حل الجفاف ببساتنينها وأشجار فاكهتها، وظل الصيادون يلزمون الميناء لعدة أسابيع بلا انقطاع، وكان مستوى الموتان بقرى الدلتا كان عاليا، لدرجة تعطلت المحاكم الشرعية، ولم يعد في الإمكان توثيق الوصايا في بلبيس، حيث صارت الجثث تتكدس في المساجد والحوانيت، وعطل ما كان متحللا منها حركة المرور في الطرقات، فقد تراكم بعضها على جوانبها، وأفاد قطاع الطرق منها في نصب كمائن.
ووصل الطاعون إلى مدينة القاهرة عام 1348، وربما كانت تضم بضواحيها نحو 500 ألف من السكان، وخلال ما تبقى من ذلك العام كان متوسط الموت فيها قد وصل إلى ثلاثمائة على الأقل في اليوم الواحد، ثم وافى الوباء ذروته في أواخر الربيع وأوائل الخريف، واقترب عدد ضحاياه من السبعة آلاف يوميا، بل إن أحد المصادر يرتفع به إلى عشرين ألفا في أيام بعينها، وسادت حال من الفوضى، إذ كان هناك نقص في التوابيت، فكان الموتى يحملون على ألواح خشبية، كما كان يطاف بالجنازات في طرقات المدينة على نحو دائم، واستمرت الفوضى في الخريف، ولم يعد هناك ما يكفى من أكفان، فكان الوعاظ وحفارو القبور القليلو الحيلة يقدمون على دفن تلك الأعداد الهائلة في خنادق جماعية كبيرة، ومثلما الحال في الدلتان فقد غصت المساجد والحوانيت بجثث الموتى، وصاحب ذلك ارتفاع في الأسعار وانتشار المتسولين في طرقات المدينة.
وبلغ عدد من ماتوا من أهل القاهرة مائتى ألف، يمثلون ثلث إلى خمسى عدد سكاناها، وهو عدد هائل يعادل سكان آية مدينة أوروبية أخرى ربما باستثناء القسطنطينية والبندقية.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة