كان الوقت مساء يوم 12 إبريل، مثل هذا اليوم، عام 1954 حين كان المذيع أحمد سعيد رئيس إذاعة صوت العرب يجلس فى مكتبه بالإذاعة، وإذا بفتحى الديب ضابط المخابرات المصرية والمسؤول عن الشؤون العربية برئاسة الجمهورية يعبر باب حجرة المكتب، ليلقى عليه مفاجأة يكشف عنها فى مذكراته «غير منشورة وبحوزتى نسخة منها».. يقول فيها: «فى مساء يوم 12 إبريل 1954، فوجئت بفتحى الديب يدفع مزيانى مسعود ليتقدمه فى عبور باب مكتبى فى الإذاعة وهو يهتف ضاحكا: «أقدم لك أحمد بن بيلا.. مزيانى مسعود تعيش انت».
وقعت هذه المفاجأة التى يذكرها «سعيد» فى مذكراته بعد أسبوع من انتهاء اجتماعات «مكتب المغرب العربى»، الذى انعقد بغطاء من جامعة الدول العربية يومى 3 و4 إبريل 1954 لبحث تقديم الدعم للأحزاب والحركات فى نضالها من أجل تحرير بلادها من الاحتلال الفرنسى، وكان قادة هذه الأحزاب يعيشون فى مصر كلاجئين، وحضرها «بن بيلا» باسم مستعار هو «مزيانى مسعود» بعد أن حضر إلى القاهرة هاربا من فرنسا بعد أن فر إليها هاربا من الجزائر، وذهب إلى أحمد سعيد فى مكتبه بصوت العرب يوم 27 سبتمبر 1953، ولم يكشف عن حقيقة اسمه إلا بعد لقائه بالديب فور انتهاء اجتماعات «مكتب المغرب العربى» يوم 4 إبريل 1954.. «راجع، ذات يوم، 3 و4 و5 و6 إبريل 2020».
كان فتحى الديب يحضر هذه الاجتماعات ويديرها من وراء الستار، ويشاركه أحمد سعيد وعزت سليمان، ويذكر «سعيد» أنه بعد انتهائها عكف على مع زعماء مكتب المغرب العربى على وضع خطة العمل الإعلامية الخاصة بوحدة الكفاح فى شمال أفريقيا ضد الاستعمار الفرنسى.. يضيف: «كان يزاملنى فيها ضابط المخابرات عاطف عبده سعد المكلف بالسفر إلى المغرب تحت مسمى «مراسل صحيفة الجمهورية»، ليبدأ وهو على علم بالتفاصيل التنفيذية لجميع مهامه السرية من تدريب على حرب العصابات، إلى تكوين شبكة معلومات ودراسة الاحتياجات مع تأمين الاتصال المتبادل بين قيادات الثورة المغربية وجهاز المخابرات المصرية».
يؤكد «سعيد» أنه بينما كان عاكفا على هذه المهمة، حضر «الديب» مصطحبا «بن بيلا»الذى كان اسمه «مزيانى مسعود»، ويكشف ما دار بينه وبين الزعيم الجزائرى حول الخطة الإعلامية التى ستتبعها «صوت العرب» فى مساندتها للكفاح المسلح الذى يعد له بن بيلا وتنظيمه الثورى.. يذكر «سعيد»: بدأ بن بيلا فى مصارحتى بما يجب أن أعرف عن التنظيم الثورى الجزائرى، وخاصة الأعراق والمذاهب التى ينتمى إليها القيادات بحكم أن «صوت العرب» سيكون من اللحظة الجهاز الإعلامى الوحيد لهذا التنظيم سواء فى تلقى المعلومات أو المطلوبات، وفى ربط الشعب به وصمود الجميع لردود الفعل الفرنسية المتوقعة، وبالإضافة إلى حشد القدرات العربية شعبيا ورسميا دعما له».
يتذكر «سعيد» أنه بعد انتهاء كلامه مع «بن بيلا»، أخبره فتحى الديب أن جمال عبدالناصر سيجتمع به فور انتهائه من وضع تصوره لعملية تثوير الشعب الجزائرى، حتى يكون عبدالناصر على علم تفصيلى بها تحسبا لما سوف تفرضه بالضرورة على العلاقات الفرنسية المصرية الآخذة فى التدهور بسبب دعم صوت العرب لثورة المغرب من يومها الأول، فور قرار الاحتلال الفرنسى بخلع السلطان محمد الخامس ونفيه إلى مدغشقر.
يؤكد «سعيد»: «بدأ صوت العرب فى أداء دور جديد عليه فى المضمون، دقيق فى الصياغة وحذر فى الأداء.. ذلك أن المطلوب منه فى إبريل 1954 وعلى امتداد أيام وشهور، تحددت مبدئيا بما هو بين أربعة وعشرة أشهر لإشاعة روح السخط فى المرحلة الأولى.. ثم الرفض فى المرحلة الثانية، يواكبها ثم يتبعها بناء الثقة فى النفس على مستوى الجماهير العادية البسيطة، ويعقب ذلك كله عرض تتداخل فيه أساطير المقاومة الجزائرية مع البطولات العربية والإسلامية، وتضحيات مختلف الشعوب من أجل الحرية والاستقلال بهدف تنمية قناعة شعبية عامة بضرورة تقديم ثمن استرداد الجزائر لأبنائها من الأرواح الغالية والتضحيات الجسام».