كانت الساعة الخامسة مساء 21 إبريل، مثل هذا اليوم 1944، حين استقبل الملك فاروق السفير البريطانى فى مصر «اللورد كيلرن» بقصر عابدين، ليبلغه رسالة حكومته برئاسة تشرشل، حول موقفها من رغبة فاروق فى طرد حكومة النحاس باشا، وتشكيل حكومة جديدة موالية للقصر..«راجع ذات يوم 19 إبريل 2020».
يكشف «كيلرن» فى مذكراته، ترجمة دكتور عبد الرؤوف أحمد عمرو، أن هذه المقابلة استغرقت 25 دقيقة، وأنه قرأ الرسالة على الملك بصوت مرتفع، وأن ما جاء فيها يجب اعتباره «بمثابة تعليمات شفهية».
كان «كيلرن» يتصرف كمندوب لسلطة الاحتلال البريطانى لمصر، ونصت الرسالة على: «لقد تلقت وزارة الحرب بمزيد من الاهتمام أنباء مساعى جلالتكم لإقصاء وزارة النحاس عن الحكم، بالرغم من أن هذه الحكومة لها فضل كبيرعلينا لا ينكر طوال الثلاث سنوات التى مضت، واستنادا إلى القانون والحياة النيابية، فإن هذا الموضوع يعد خرقا صارخا للقانون بدون شك.. وإذا أراد الملك حل البرلمان وإجراء انتخابات جديدة، فإن«لندن» لن تتدخل، بشرط ألا يتولى رئاسة الوزارة أحد رجال القصر أوزعيم لا يحصل على الأغلبية فى البرلمان».
أضافت الرسالة:«إن حكومة صاحبة الجلالة «البريطانية» تجد استحالة فى الدفاع عن مثل هذا الإجراء«طرد حكومة النحاس» بصفة عامة، وأنه يتعين عليها أن تصدر تعليماتها للسفير كى يقدم النصح لتجنب هذا السبيل، ولقد فوضتنى وزارة الحرب فى إبلاغكم بأنهم يتوقعون توضيحا لوجهات نظر جلالتكم فى هذا الشأن، وذلك قبل اتخاذ أى خطوات أخرى لتصعيد المسألة».
حملت الرسالة تهديدا صريحا باستخدام القوة العسكرية فى حال إصرار فاروق على موقفه، وقالت بوضوح:«فى هذه الأثناء على قادة دفاع منطقة الشرق الأوسط اتخاذ الخطوات المناسبة ليؤكدوا لقواتهم كيانهم وذاتهم، وأنهم مستعدون لتقديم أى عون للسفير قد يطلبها».
يكشف «كيلرن» أنه فور انتهائه من قراءة الرسالة، سأل الملك عما إذا كان يرغب فى أن يتخلى «النحاس» عن الحكم، فأجاب الملك بالنفى، لكنه طرح سؤالا خطيرا: هل الحكومة البريطانية على استعداد للاختيار بين بقاء النحاس أوالملك فى السلطة؟ فطلب «كيلرن» من الملك مزيدا من الإيضاح لسؤاله، فرد فاروق بأنه يعتقد أنه جزء من النظام، وهو بالتالى يفكر دائما فى فعل الخيرات لدولته.
يعلق كيلرن:«بكل تأكيد أن هذا ليثير فى النفس السخرية، فهو عندما أراد توضيح تساؤله، وضع سلطاته قبل مصلحة الشعب فى الدولة. إن هذا أسلوب ينم عن تفكير طفولى، وعلى هذا الأساس يمكن التعامل على نحو صارم مع هذا الصبى».. يكشف «كيلرن» أنه طرح خيارين فى سؤالين على فاروق، الأول:«هل تقر اقتراح النحاس بالدعوة إلى انتخابات جديدة؟»، فأجاب فاروق بأنه لا يستطيع التفكير فى هذه الدعوة فى ظل انعدام حرية التصويت، فسأله «كيلرن» السؤال الثانى:«هل يعنى أنك غير مستعد للحفاظ على الحكومة الحالية؟، فرد فاروق بأنه يريد الإجابة أولا على سؤاله:هل الحكومة البريطانية على استعداد للاختيار بين بقاء النحاس أوالملك فى السلطة؟، وأنه يتعهد بأن يقدم شرطا مطلقا غير مقيد بأنه لا يتخذ أى إجراء إزاء هذه الموضوع «طرد حكومة النحاس»،رد كيلرن:«لاشىء يستحق»، وأنهى المناقشة، لكن الملك طلب منه ملاحظة أنه مستعد للتنازل كلية عن وظيفته، وأن قدره هو الذى جعله يتولى عرش مصر، ويواجه تلك المشاكل، فرد «كيلرن» بحديث عن علاقته بالملك فؤاد«والد فاروق» ومقابلته له مرة أسبوعيا، ويعلق بأنه تذكر أثناء حديثه أن الوالد كان يردد دائما، أنه متشائم من تولى فاروق عرش مصر من بعده، إذ كان يردد دائما أن هذا الفتى المسكين-أى فاروق- لم تتح له الفرصة بعد.
انتهت المقابلة، لكن«كيلرن» استأذن «فاروق» فى مقابلة أحمد حسنين باشا رئيس الديوان الملكى، ليخبره بمضمون رسالة حكومته، خاصة أن حسانين كان مرشحا لتولى الوزارة الجديدة.. يتذكر«كيلرن» أن هذه المقابلة استمرت ساعة، وفى نهايتها، قال لحسنين إن الملك قررعودة الحكومة، أوأنه سيفعل ذلك، فرد حسنين:«هذا يعد إهدارا لكرامة القصر، وإراقة ماء وجهه» فعقب كيلرن:«عندما اتخذ الملك خطوته المتهورة، فإن تجاهل كل المخاطر المتصلة بالحرب»..«يقصد الحرب العالمية الثانية».
يكشف «كيلرن» أنه فى يوم 24 إبريل 1944 طلبه «حسنين باشا» تليفونيا لتحديد موعد، وفى الساعة الثالثة بعد الظهر وفى مقر السفارة البريطانية، أبلغه:«جلالة الملك قرر أن يترك الحكومة الحالية لحين من الزمن».
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة