إنه زمن مختلف كان الفن يسقى من نبع الهواية، ولم يستطع عباقرة هذا الزمان من جمح وتلجيم رغبتهم القوية فى احتراف الفن رغم اختلاف الظروف الاجتماعية والثقافية لكل واحد منهم، ربما هذا ما دفع رياض القصبجى الذى تمر اليوم ذكرى رحيله، إذ رحل عن عالمنا فى مثل هذا اليوم من عام 1963م.
تنازل القصبجى عن وظيفته الميرى والتى كانت تدر عليه دخلا ثابتًا، حيث كان يعمل "كمسارى" بالسكة الحديد، ليتوجه بكل حواسه لخوض مشوار الفن من الصفر، كانت مخاطرة شديدة الجرأة، لكنه أقدم عليها، وهو على يقين بأنه قدرة الذى لا مفر منه ومهما كلفه من تضحيات ومعاناة واحتمال.
وحسب ما جاء فى كتاب "أبيض وأسود" للكاتب أشرف بيدس، اتسم رياض القصبجى بملامح ناشفة وصارمة وجسم ضخم يثير الرهبة، جعل المخرجين والمنتجين يحصرونه فى ادوار متشابهة ومتكررة لم تخرج فى كثير منها عن شخصيات الشريرة كزوج الأم القاسى، وأبو زعيم العصابة، ولكن نجح المخرج فطين عبد الوهاب أن يخرجه من نمطية أدوار الشر التى التصقت به، ورسم له شخصية الشاويش عطية.
وأوضح كتاب "أبيض وأسود"، أن رياض القصبجى عانى فى نهاية حياته حيث أصيب بالشلل مما أقعده عن العمل، وظل بمنزله يعانى ظروفًا حياتية شديدة القسوة أشبه بتلك التى مر بها فى بداياته، ولم تقم النقابة فى ذات الوقت بدروها بصرف معاش استثنائى أو دفع تكاليف العلاج، مما جعل قلة قليلة من زملائه من جمع 300 جنيه لإعانته على متطلبات الحياة والمرض.
فى أخر أيام رياض القصبجى حاول حسن الإمام مساعدته بإسناد دور له فى فيلم "الخطايا" لكن قدميه لم تستطع احتمال الوقوف فسقط قبل أن تدار الكاميرا، واقتربت النهايات التى جاءت سريعا، ورحل رياض القصبجى وهو لا يملك تكاليف جنازته.