طالبنى الأستاذ الكبير جلال عارف أن أستعد للقاء فضيلة الشيخ محمد متولى الشعراوى غدا، وشدد على أن أرتدى بدلة كاملة، وقال لي:"نائب عام دبى إبراهيم بوملحة سيكون فى زيارة الشيخ، والموعد سيكون الساعة الحادية عشرة والنصف صباحا."
كنا فى شهر ديسمبر عام 1997 فى مكتب جريدة البيان الإمارتية، وكان جلال عارف مدير المكتب، وكنت أنا نائبه، وكانت إمارة دبى تستعد للاحتفال بجائزة "دبى الدولية للقرآن الكريم " فى عامها الأول، وهى الجائزة التى أطلقها سمو الشيخ محمد بن راشد حاكم دبى، وتم الإعلان عن أن الشيخ الشعراوى هو"الشخصية الإسلامية" التى ستكرمها الجائزة فى نسختها الأولى،وجاء "بوملحة " لإبلاغ "الشعراوي" بقرار الجائزة، ودعوته لدبي.
كان الشيخ الشعراوى وقتئذ مريضا، وتضاربت الأنباء حول ما إذا كان قادرا على السفر إلى دبى من القاهرة أم لا؟.. ولما أبلغنى الأستاذ جلال عارف باللقاء أحاطنى علما بكل الظروف الخاصة بمرض الشعراوى،واستعداد المسئولين فى دبى لعمل أى شيء لتسهيل سفره لحضور الاحتفالات، وأعطانى أوراقا فيها معلومات عن الجائزة، وأكد لى أن ذهابى تم باتفاق مع الكاتب الصحفى الكبير عبدالوارث الدسوقى الذى كان يشرف على الصفحة الدينية كل جمعة فى الأخبار واليومية فى شهر رمضان، كما كان يكتب يوميات الشيخ الشعراوى بعد وفاة الكاتب الصحفى أحمد زين، وأعطانى العنوان "فيلا الشعراوي" في"المنصورية" بمحافظة الجيزة، وشدد على عدم إبلاغ أحد، حتى تكون تغطية اللقاء حصرية للبيان، وتفويت الفرصة على الصحف الإماراتية المنافسة.
أبديت رغبتى للأستاذ جلال فى أن يكون هذا اللقاء فرصة لإجراء حوار صحفى شامل مع الشيخ الشعراوى، فقال لي:"الفرصة ستكون أمامك، وعليك أولا أن تعرف مدى ملائمة ذلك مع الحالة التى سيكون عليها اللقاء"
جهزت نفسى، وسهرت الليل أراجع، وأقرأ، وأضع الأسئلة لعلى وعسى، وفى الساعة العاشرة صباحا أخذت تاكسى من شارع "وادى النيل " بالمهندسين حيث يوجد مقر مكتب البيان أنا والمصور، وبعد حوالى ساعة وربع أمضاها التاكسى على عدة طرق منها طرق ترابية تحيطها الزراعة من كل جانب، والتوقف للسؤال عن المكان أكثر من مرة، وصلنا إلى كفر غطاطى ثم إلى الفيلا، ومن الطريف أن سائق التاكسى ترجانى :"ممكن أحضر معك اللقاء" فرددت:"لا، طبعا"، فقال:"أنا مش عاوز أجرة لووافقت" فقلت له:"انتظر وسأبلغ الشيخ لو وافق، حبعت لك".
وصلنا فى نفس الوقت الذى وصل فيه "بوملحة "، وكانت الفيلا فى حقيقتها قصرا كبيرا خلفه مساحة كبيرة من الأراضى الزراعية التابعة له، وعلى البوابة كان موجود عمال أدخلنا واحد منهم، وسار بنا على ممر وسط أحواض الزهور المتنوعة، وقادنا شخص، إلى مدخل يمر بنا إلى مصلى كان مفروشا بالسجاد، ومنه وصلنا إلى استراحة كبيرة معدة لاستقبال الضيوف، مفروشة بمقاعد خشبية مزينة بالأرابيسك، وجلسنا فى انتظار الشيخ، وبعد دقائق وجدناه يدخل علينا على كرسى متحرك لأن ظروفه المرضية كانت تمنعه من الحركة.
سلمنا على الشيخ، ورحب بنا، وقال له "بوملحة" أنه موفد من سمو الشيخ محمد بن راشد لإبلاغه باختياره "الشخصية الإسلامية لجائزة دبى الدولية للقرآن الكريم" ودعوته لدبى لتكريمه فى الاحتفال الذى سيقام بهذه المناسبة، استفسر "الشعراوي" عن الجائزة، وأجاب "بوملحة" عليه، وأبلغه بأنهم يعرفون ظروفه المرضية، ولهذا فإن سمو الشيخ محمد بن راشد، أمر بأن يتم إرسال طائرة مخصوصة مجهزة طبيا له، فرد بالشكر لسمو الشيخ محمد، ودعا له، وقال:" كما يشاء الله ".
كان "الشعراوي" ودودا ومجاملا وضحوكا، وهو يتحدث بمحبة عن دولة الإمارات وحاكمها سمو الشيخ زايد بن سلطان (توفى عام 2004 )، وكنت أنا أقيس طبيعة الحالة وهل هى ملائمة لأسئلتى فى مشروع حوارى الذى أعددته، وفى اللحظة التى شعرت فيها أن الشيخ انتهى من كلامه، وكذلك لم يعد لدى "بوملحة" مايقوله، بدأت فى أسئلتى التقليدية الخاصة بطبيعة المناسبة، وكان يجيب عليها بفصاحته المعهودة وبكلام مرتب موزون، وبعد هذه الأسئلة، قلت له لدى أسئلة أخرى كثيرة ومتنوعة فهل يمكن أن تأذن لى بها، فنظر إلى بتأمل ثم رد:"دعها هذه المرة مناسبة لله، وتحية للجائزة ودعاء إلى الله للقائمين عليها، ومن يدرى إذا كتب الله لنا عمرا، ربما يكون لأسئلتك نصيبا فى مرة أخري".
سلمت بما قاله الشيخ، ثم أشار إلى شخص برأسه، وبعدها بدقائق جاء إلينا الشخص بمصاحف يحملها، وسلم كل واحد منا مصحفا مكتوب عليه إهداء منه، ولم أنسى الحصول على مصحف للسائق الذى ينتظرنا فى الخارج، وودعنا الشيخ.
سلمت "السائق" المصحف الذى سعد به كثيرا وقبله قائلا :" من مولانا الشيخ الشعراوى "، وفى الطريق أخرجت ورقة أسئلتى التى سهرت فيها الليل، وأعدت قراءتها.. كان فيها أسئلة حول بعض معاركه، ومنها معركته مع الدكتور زكى نجيب محمود والدكتور يوسف إدريس حول "حديث الذبابة "، والضجة التى أثارها بكلامه عن سجوده شكرا لله لهزيمة مصرفى حربها مع إسرائيل فى 5 يونية 1967، ثم زيارته المفاجأة إلى ضريح جمال عبد الناصر لقراءة الفاتحة على روحه يوم 29 أكتوبر 1995 وإنصافه له فى "تطوير الأزهر"، وأسئلة عن فترته وزيرا للأوقاف مع الرئيس السادات عام 1976، وغيرها من الأسئلة
عدت إلى المكتب وكان فى انتظارى الأستاذ جلال عارف، الذى طالبنى بسرعة كتابة تقريرى لإرساله إلى الجريدة فى دبى عبر الفاكس، وبعد أن انتهيت من مهمتى، شرحت له ماحدث وحزنى على عدم إنجاز الحوار، فسألنى عن أسئلتى، فأخرجت ورقة الأسئلة، وفور أن قرأها علق:" ياراجل ..أسئلة حلوة لكن مش مناسبتها خالص"..ونصحني:" اهتم بالتوقيت الصح لمصدرك نفس اهتمامك بأسئلته".
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة