يعد سيدنا إبراهيم أحد أشهر الأنبياء، وقد تعرضت الكتب الدينية لأبى الأنبياء، وهنا نتوقف مع كتاب "إبراهيم أبو الأنبياء" للمفكر الكبير عباس محمود العقاد، وقد تحدث عن المصادر التي تعرضت للنبى الكريم، ومنها المصادر الإسلامية، وبعدما عرض للآيات القرآنية، عرض للأحاديث الشريفة، وهى ما سنتوقف عند بعضها.
قال الكتاب:
فى بعض الأحاديث إن إبراهيم كان أشبه الناس بالنبى عليهما السلام.
وعن أبى هريرة قال: قال النبى ﷺ ليلة أُسرى به: "لقيت موسى، قال: فنعته، فإذا رجل — حَسبتُه — مُضْطَرِبٌ رَجِل الرَّأْس، كأنه من رجال شنوءة،قال: ولقيت عيسى: فنعته النبى ﷺ فقال: ربعة أحمر كأنما خرج من ديماس — يعنى الحمام — ورأيت إبراهيم وأنا أشبه ولده به".
وعن مجاهد قال: كنا عند ابن عباس رضى الله عنهما، فذكروا الدجال فقال: إنه مكتوب بين عينيه كافر، وقال ابن عباس: لم أسمعه قال ذلك، ولكنه قال: "أما إبراهيم فانظروا إلى صاحبكم، وأما موسى فرجل آدم جعد على جمل أحمر مخطوم بخلبة كأنى أنظر إليه إذا انحدر فى الوادى يلبي".
وعن جابر عن رسول الله ﷺ أنه قال: "عُرض على الأنبياء فإذا موسى عليه السلام رجل ضرب من الرجال، كأنه من رجال شنوءة، فرأيت عيسى ابن مريم عليه السلام فإذا أقرب من رأيت به شبهًا عروة بن مسعود، ورأيت إبراهيم عليه السلام فإذا أقرب من رأيت به شبهًا صاحبكم."
وعن ابن عباس: دخل النبى ﷺ البيت فوجد فيه صورة إبراهيم وصورة مريم فقال: «أما هم فقد سمعوا أن الملائكة لا تدخل بيتًا فيه صورة، هذا إبراهيم مُصوَّرٌ فما له يستقسم؟»
وعن ابن عباس، أنه عليه السلام لما رأى الصور فى البيت لم يدخل حتى أمر بها فمُحيت، ورأى إبراهيم وإسماعيل بأيديهما الأزلام فقال: "قاتلهم الله! والله إن استقسما بالأزلام قط.»
وعن أبى هريرة قال: قال رسول الله ﷺ: "اختتن إبراهيم النبى عليه السلام وهو ابن ثمانين سنة بالقدوم."
وقال ابن عباس فى قصة هاجر: "ثم جاء بها إبراهيم وبابنها إسماعيل وهى ترضعه حتى وضعهما عند البيت، عند دوحة فوق زمزم فى أعلى المسجد، وليس بمكة يومئذ أحد، وليس بها ماء، فوضعهما هنالك، ووضع جرابًا فيه تمر وسقاء فيه ماء، ثم قفى إبراهيم منطلقًا، فتبعته أم إسماعيل فقالت: يا إبراهيم … أين تذهب وتتركنا فى هذا الوادى الذى ليس فيه أنيس ولا شيء؟ فقالت له ذلك مرارًا، وجعل لا يلتفت إليها، فقالت: الله أمرك بهذا؟ قال: نعم، قالت: إذن لا يُضيعنا. ثم رجعت، فانطلق إبراهيم حتى إذا كان عند الثنية حيث لا يرونه استقبل بوجهه البيت، ثم دعا بهؤلاء الدعوات ورفع يديه فقال: ربنا إنى أسكنت من ذريتى بواد غير ذى زرع عند بيتك المحرم، ربنا ليقيموا الصلاة، فاجعل أفئدة من الناس تهوى إليهم، وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون. وجعلت أم إسماعيل تُرضع ابنها وتشرب من ذلك الماء، حتى إذا نفد ما فى السقاء عطشت وعطش ابنها، وجعلت تنظر إليه يتلوى، فانطلقت كراهية أن تنظر إليه، فوجدت الصفا أقرب جبل فى الأرض يليها، فقامت عليه ثم استقبلت الوادى تنظر هل ترى أحدًا، فلم تر أحدًا، فهبطت من الصفا حتى إذا بلغت الوادى رفعت طرف درعها، ثم سعت سعى الإنسان المجهود حتى جاوزت الوادي، ثم أتت المروة فقامت عليها فنظرت هل ترى أحدًا، فلم تر أحدًا، ففعلت ذلك سبع مرات …
قال ابن عباس: قال النبى ﷺ: "فلذلك سعى الناس بينهما." فلما أشرفت على المروة سمعت صوتًا فقالت: صه! تريد نفسها، ثم تسمَّعت أيضًا فقالت: قد أسمعت إن كان عندك غواث، فإذا هى بالملك عند موضع زمزم، فبحث بعقبه — أو قال: بجناحه — حتى ظهر الماء، فجعلت تخوضه وتقول بيدها هكذا، وجعلت تغرف من الماء فى سقائها وهو يفور بعدما تغرف، قال ابن عباس: قال النبى ﷺ: "يرحم الله أم إسماعيل لو تركت زمزم!" وقال: "لو لم تغرف من الماء لكانت زمزم عينًا معينًا!" قال: فشربت وأرضعت ولدها، فقال لها المَلَك: لا تخافوا الضيعة؛ فإن هذا بيت الله يبنيه هذا الغلام وأبوه، وإن الله لا يضيع أهله. وكان البيت مرتفعًا من الأرض كالرابية تأتيه السيول فتأخذ عن يمينه وشماله.
فكانت كذلك حتى مرت بهم رفقة من جُرْهم، أو أهل بيت من جُرْهم مُقبِلين على طريق كَدَاء، فنزلوا فى أسفل مكة، فرأوا طائرًا عائفًا فقالوا: إن هذا الطائر ليدور على ماء، لعهدنا بهذا الوادى وما فيه ماء، فأرسلوا جريًّا أو جريَّين، فإذا هم بالماء، فقالوا: أتأذنين لنا أن ننزل عندك؟ قالت: نعم، ولكن لا حق لكم فى الماء، قالوا: نعم.
قال ابن عباس: قال النبى ﷺ: "فألفى ذلك أم إسماعيل وهى تحب الأنس." فنزلوا وأرسلوا إلى أهلهم فنزلوا معهم، حتى إذا كان بها أهل أبيات منهم، وشب الغلام وتعلم العربية منهم، وأعجبهم حتى شب، فلما أدرك زوَّجوه امرأة منهم. وماتت أم إسماعيل، فجاء إبراهيم بعدما تزوج إسماعيل يطالع تركته، فلم يجد إسماعيل، فسأل امرأته عنه فقالت: خرج يبتغى لنا رزقًا، ثم سألها عن عيشهم وهيئتهم فقالت: نحن بِشرٍّ، نحن فى ضيق وشدة، وشكت إليه، قال: فإذا جاء زوجك فاقرئى عليه السلام وقولى له يغيِّر عتبة بابه، فلما جاء إسماعيل كأنه آنس شيئًا فقال: هل جاءكم أحد؟ قالت: نعم، جاءنا شيخ كذا وكذا، فسأل عنك فأخبرته، وسألني: كيف عيشنا فأخبرته أنَّا فى جهد وشدة، قال: فأوصاك بشيء؟ قالت: نعم، وهو يقرأ عليك السلام ويقول: غيِّر عتبة بابك، قال إسماعيل: ذاك أبي، وقد أمرنى أن أفارقك؛ فالحقى بأهلك. فطلقها وتزوج من امرأة أخرى، وغاب عنهم إبراهيم ما شاء الله ثم أتاهم فلم يجد إسماعيل، فدخل على امرأته فسألها عنه فقالت: خرج يبتغى لنا الرزق، قال: كيف أنتم؟ وسألها عن عيشهم وهيئتهم، فقالت: نحن بخير وسعة. وأثنت على الله، فقال: ما طعامكم؟ قالت: اللحم، قال: فما شرابكم؟ قالت: الماء، قال: اللهم بارك لهم فى اللحم والماء، قال: فإذا جاء زوجك فاقرئى عليه السلام ومُريه يُثبِّت عتبة بابه. فلما جاء إسماعيل قال: هل أتاكم من أحد؟ قالت: نعم، أتانا شيخ حسن الهيئة، وأثنت عليه، فسألنى عنك فأخبرته، فسألنى كيف عيشنا، فأخبرته أنَّا بخير، قال: فأوصاك بشيء؟ قالت: نعم، وهو يقرأ عليك السلام ويأمرك أن تُثبِّت عتبة بابك، قال: ذاك أبي، وأنت العتبة، أمرنى أن أمسكك. ثم لبث عنهم ما شاء، ثم جاء بعد ذلك وإسماعيل يبرى نبلًا له تحت دوحة قريبًا من زمزم، فلما رآه قام إليه فصنعا كما يصنع الوالد بالولد والولد بالوالد، ثم قال: يا إسماعيل، إن الله أمرنى بأمر، قال: فاصنع ما أمرك ربك، قال: وتعينني؟ قال: أعينك. قال: فإن الله أمرنى أن أبنى هنا بيتًا. وأشار إلى أكمة مرتفعة على ما حولها، قال: فعند ذلك رفع القواعد من البيت، فجعل إسماعيل يأتى بالحجارة وإبراهيم يبني، حتى إذا ارتفع البناء جاء بهذا الحجر فوضعه له، فقام عليه وهو يبني، وإسماعيل يناوله الحجارة، وهما يقولان: ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم."
هذه القصة التى رواها ابن عباس، وتخللها بكلمات للنبى عليه السلام، وهى أطول خبر عن إبراهيم نقله رواة الحديث.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة