فى الأفق البعيد، قد تصبح الصورة غير واضحة، حين ترى سيدات ترفع لافتات أسمائهن على طاولات قمم عالمية، يقررن مصير الأمم، ويضعن ميزانية أخرى، لتختفى كواليس كل واحدة منهن وراء صمودهن وإصرارهن أن يصبحن كما قررن الأقوى والأفضل، فى 30 حلقة متوالية، سنسرد كواليس حياة نساء أوروبيات، ما بين ربات منازل أصبحن من قادات العالم، وأخريات حلمن أن يكن رؤساء دول، وملكات وضعت صورهن على العملات المعدنية، قصص وصولهن إلى السلطة وحكايتهن الشخصية فى سلسلة "هن من أوروبا" .
تحدثنا فى الحلقات السابقة عن أنجيلا ميركل المستشارة الألمانية التى بدأت حياتها كنادلة فى إحدى البارات لتنفق على دراستها، ودخلت معترك السياسة بعد سقوط حائط برلين، وكذا أوروسولا فون ديرلاين رئيس المفوضية الأوروبية التى تقود أوروبا وهى أم لسبع أبناء، وكذلك الجميلة زوزانا شابوتوفا رئيسة سلوفاكيا التى لفتت الأنظار إلى أناقتها وصغر سنها، محامية الفقراء التى دعمت حقوق الأقلية وناصرت البيئة، بالإضافة إلى رئيسة وزراء الدنمارك التى أهانت ترامب لعرضه شراء جزيرة دنماركية.
وإليكم الحلقة الخامسة: كريستين لاجارد رئيسة البنك المركزى الأوروبى
كريستين لاجارد
بملابس شانيل وشعر فضى وطلاء أظافر فرنسى وعقد من اللؤلؤ، تخطف كريستين لاجارد الأضواء، حيث ومتى تتواجد، ولا عجب فهى أقوى ثاني امرأة فى العالم، واحتلت غلاف مجلة فوربس، كما أخرجت من أجلها الأفلام الوثائقية، وألفت الكتب التى تحكى قصة صعود السباحة الفرنسية، لتصبح على قمة القانون والسياسة والتمويل العالمي الآن، كرئيسة للبنك المركزى الأوروبى، امرأة نادرة في عالم التمويل الدولي الذي يهيمن عليه الذكور.
Christine Lagarde 2015
كما تتمسك لاجارد بأناقتها المستوحاة من أكبر بيوت الأزياء فى باريس، وارتداء مجوهراتها الباهظة الثمن والأنيقة، بالإضافة إلى حقائب هيرمس الخيالية السعر، ولا يستنكر عليها أحد ذلك، فهى تحصل على راتب معفى من الضرائب يزيد على 480 ألف دولار.
حصلت لاجارد على الكثير من الجوائز حين كانت فى المنتخب الفرنسي عندما كانت في سن المراهقة، وتتحدث الفرنسية والإنجليزية والإسبانية.
على غلاف فوربس
و في سن السابعة عشرة، أمضت عامًا كطالبة تبادل في نفس مدرسة الفتيات الفاخرة في ضواحي واشنطن التي حضرتها جاكلين كينيدي أوناسيس، أتقنت لغتها الإنجليزية وتدربت مع عضو كونجرس جمهوري.
انضمت لاجارد إلى شركة المحاماة Baker & McKenzie التي يقع مقرها في شيكاغو في سن 25 بعد أن أخبرتها شركة فرنسية أنها قد تمنحها وظيفة ولكنها لن تجعلها شريكًا أبدًا بسبب جنسها.
حبيبها رجل الأعمال
وبعد خمس سنوات، عيّنها الرئيس الفرنسي جاك شيراك وزيرة للتجارة، الأمر الذى أثار غضب السياسين والبيروقراطيين فى باريس، ووصفوها بالأمريكية، خاصة مع حديثها المستمر باللغة الإنجليزية.
في عام 2007، تم نقل لاجارد إلى حقيبة الزراعة لبضعة أسابيع قبل أن يمنحها الرئيس الجديد، نيكولا ساركوزي، منصب وزير المالية الحاسم، وكان انهيار بنك الاستثمار الأمريكي ليمان براذرز في سبتمبر من ذلك العام والأزمة المالية العالمية، هو ما أنقذ حياتها الوزارية، حيث دفعت لاجارد إلى دائرة الضوء باعتبارها واحدة من المهندسين المعماريين الرئيسيين للجهود اللاحقة لإنقاذ اليورو.
Christine Lagarde French
وتقول كريستين لاجارد فى أحد حواراتها الصحفية: إن كونها امرأة في قمة القانون والسياسة والتمويل يعني أن تكون "محاطًا جيدًا ولكن وحيدًا تمامًا" .
وتعيش لاجارد قصة حب منذ سنوات مع كزافييه جيوكانتي رجل الأعمال الفرنسى الذى لديه هو أيضًا ابنان وينتظر حفيده.
ففى زيارة وزارية لمرسيليا في عام 2006، التقت لاجارد مع جيوكانتي، وهو زميل جامعي قديم، لتبدأ قصة حبهم المستمرة حتى الآن، ودائمًا ما يظهر معهم فى حفلات العشاء الخاصة.
وفي عام 2011، عندما دفعت المملكة المتحدة ترشيحها لأول مرة لصندوق النقد الدولي، خرجت أستراليا وكندا وإسبانيا لدعم المنافس المكسيكي، بحجة أنه حان الوقت لأوروبا للتخلي عن الوظيفة.
في 28 يونيو 2011، انتخب مجلس إدارة صندوق النقد الدولي لاجارد كمدير إداري ورئيسها التالي لمدة خمس سنوات، تبدأ في 5 يوليو 2011.
وأشاد المجلس التنفيذي لصندوق النقد الدولي بكلا المرشحين المؤهلين جيدًا، لكن قرار لاجارد بتوافق الآراء.
وأصبحت لاجارد أول امرأة يتم انتخابها رئيسة لصندوق النقد الدولي، وجاء تعيينها وسط اشتداد أزمة الديون السيادية الأوروبية خاصة في اليونان، مع مخاوف من التخلف عن سداد القروض.
ودعمت الولايات المتحدة بشكل خاص تعيينها السريع في ضوء هشاشة الوضع الاقتصادي في أوروبا، وقال وزير الخزانة الأمريكي تيموثي جيثنر إن "موهبة لاجارد الاستثنائية والخبرة الواسعة ستوفر قيادة لا تقدر بثمن لهذه المؤسسة التي لا غنى عنها في وقت حرج للاقتصاد العالمي".
وأشار نيكولا ساركوزي إلى تعيين لاجارد على أنه "انتصار لفرنسا".
وطوال فترة عملها في صندوق النقد الدولي، استبعدت نفسها مرارًا وتكرارًا خارج السباقات لتأمين وظيفة عليا في أوروبا، بما في ذلك مناصب رئيس المفوضية الأوروبية أو رئيس البنك المركزي الأوروبي، ومع ذلك في 2 يوليو 2019، تم ترشيح لاجارد للعمل كرئيس جديد للبنك المركزي الأوروبي، خلفًا لماريو دراجي.
وأصبح سحر لاجارد واتصالاتها الدولي ذا قيمة كبيرة للحكومة الفرنسية، وقد أسعدت بلادها بإقناع الحكومة الألمانية بإسقاط اعتراضاتها على تخفيض ضريبة القيمة المضافة في المطاعم الفرنسية وقادت دعوات لفرض ضرائب على مكافآت المصرفيين .
كما واجهت في أعقاب الأزمة المالية العالمية، أزمة الديون في منطقة اليورو والنزاعات التجارية الدولية من بين أمور أخرى، كما وافقت على خطة إنقاذ بقيمة 56 مليار دولار للأرجنتين وهي الأكبر في تاريخ صندوق النقد الدولي.
وفي 2018 تحت قيادتها جادل صندوق النقد الدولي بأنه يجب على الأغنياء دفع ضرائب أعلى للحد من عدم المساواة، ودعت إلى إصلاح النظام الضريبي العالمي وحذرت من الاقتصاد الكلي آثار عدد قليل من الشركات لديها قوة سوقية كبيرة.
كما حذرت لاجارد من الخطر الذي يشكله ارتفاع الديون على مختلف دول العالم على الاقتصاد العالمي، واقترحت أيضًا على البنوك المركزية أن تفكر في إصدار عملات رقمية في المستقبل للمنافع التي تقدمها، مثل الشمول المالي، وأصبح صندوق النقد الدولي أكثر صراحة حول تغير المناخ في ظل لاجارد.
أما فى منصبها كرئيس البنك المركزي الأوروبي، يعتقد أن نقاط قوتها هي فطرتها السياسية واتصالاتها وقدرتها على بناء الإجماع.
وتحدثت كينيث روجوف، كبيرة الاقتصاديين السابقين في صندوق النقد الدولي، عن جاذبيتها الواسعة النطاق: "إنها مؤثرة للغاية، وذكية سياسياً وشخصية قوية، وفي الاجتماعات المالية في جميع أنحاء العالم، يتم معاملتها عمليا مثل نجمة الروك".
لكن الأم المطلقة لطفلين واجهت بعض العقبات في سعيها للحصول على وظيفة صندوق النقد الدولي.
كانت جنسيتها قضية بالنسبة للبعض، لقد كانت الوظيفة تقليديًا تقع على عاتق المواطنين الفرنسيين، وشككت بعض الدول في تقاليد أن يكون هناك أوروبي مسئول.
كما تعد قضية تابي هي أكبر فضيحة مرتبطة بلاجارد، ففى عام 2016، أدانتها محكمة فرنسية بإهمالها بعد أن وافقت على دفع أكثر من 400 مليون يورو من الأموال العامة إلى رجل الأعمال الفرنسي برنار تابي، وهو صديق مقرب لرئيس الوزراء آنذاك، نيكولا ساركوزي. واتهم تابي بنك Crédit Lyonnais الذي تديره الحكومة سابقاً بتقليل حصته في Adidas عندما اشترته منه في عام 1993.
وواجهت لاجارد عقوبة ما يصل إلى عام في السجن وغرامة 15000 يورو بسبب سوء معالجتها للوضع، لكن المحكمة قررت عدم فرض أي عقوبة، وتمت تبرئة تابي من تهم الاحتيال المتعلقة بذلك من قبل محكمة في باريس في 9 يوليو 2019.
وتتحدث لاجارد عن مدى صعوبة التوفيق بين الحياة المهنية والخاصة قائلة: "من الصعب دائمًا على المرأة أن تمنح ذهنها الكامل لأسرتها أثناء عملها، لذلك فقد نصحت السيدات قائلة: بالنسبة للفتيات الصغيرات اللواتي يشرعن في مهنة ويرغبن في إنجاب أطفال: "اختارى شريك حياتك بعناية، واستعدى لقضاء ليال قصيرة معه.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة