مسألة الحضانة حال التفريق بين الزوج وزوجته من المسائل الشائكة فى قانون الأحوال الشخصية خاصة فى هذا العصر الذى تتعدد فيه القضايا والمشكلات والأزمات بالنسبة لتنشئة الأطفال وتربيتهم وحمايتهم من المخاطر التى قد يتعرضون لها، وتزداد المسألة تعقيدا عندما يكون الفراق بين زوجين مختلفى الديانة وما يصاحب قضايا حضانة أطفالهم من تعقيدات وتشابكات.
يأتى ذلك فى ذات الوقت الذى نلاحظ فيه تتداخل العواطف بين نقيضين، فهناك أم حملت ولدها كرها ووضعته كرها تنتظر بفارغ الصبر بره بها وحمايته لها، فتبذل كل وسيلة لصد أبيه عن نزعه منها، وهناك أب يخشى على ولده من أم قد تحوله إلى ديانتها فيفرط منه، وهو يراه وعندئذ يلومه من يلومه ويشمت به من يشمت.
هل تثبت حضانة الصغير للأم ولو كانت غير مسلمة؟
في التقرير التالي، يلقى "اليوم السابع" الضوء على إشكالية في غاية الأهمية تهم الأسر المصرية وتوضح مدى سماحة الدين الإسلامي، والمتمثلة فى السؤال هل تثبت حضانة الصغير للأم ولو كانت غير مسلمة؟ ورأى الفقه الإسلامي فى هذا الأمر وكيف تصدت محكمة النقض المصرية لمثل هذه الخلافات والأمور – بحسب الخبير القانوني والمحامى بالنقض عماد الوزير.
فى البداية - تعرض فقهاؤنا رحمهم الله لهذه المسألة من وجهتي نظر مختلفتين ففي مذهب الإمام أبي حنيفة أهل الذمة في الحضانة بمنزلة أهل الإسلام، لأن هذا الحق إنما يثبت نظرا للصغير وأنه لا يختلف بالإسلام وغيره من الديانات، وكذا اتحاد الدين ليس بشرط لثبوت هذا الحق حتى لو كانت الحاضنة كتابية والولد مسلم كانت في الحضانة كالمسلمة، والحجة في ذلك أن الأصلح للصغير أن يكون عند أمه وذلك لقوة شفقتها عليه وزيادة قدرتها على التبتل بملاحظته ومصالحه وما فيه من احتمال الضرر الديني يرتفع بما ذكر وليس ثمة فرق في حضانة الأم غير المسلمة سواء كانت كتابية أو مجوسية – وفقا لـ"الوزير".
شروط إسقاط حضانة الأم الكتابية
ويستثنى من حق الحضانة الأم المرتدة أو الفاجرة فجورا يضيع به الولد سواء كانت مسلمة أو غير مسلمة، كما يستثنى من هذا الحق إذا خيف على الولد أن يألف ملة أمه، وفي المشهور من مذهب الإمام مالك لا يشترط في حضانة الأم أن تكون مسلمة لخبر : لا توله والدة عن ولدها وخبر : من فرق بين والدة وولدها فرق الله بينه وبين أحبته يوم القيامة، وعن إسقاط الحضانة عن الأم الكتابية فإن شرطه تكون لدى الولد المحضون القدرة على إعمال العقل فى التمييز بين الأديان المختلفة ببلوغ الصغير سن معينة يعول عليها بمدى إدراك الصغير لما يعد إلفاً لغير دين الإسلام وأن يصدر عن الحاضنة أقوال أو أفعال مع الصغير ينجم عنها ألفه لغير دين الإسلام، ويجب على المحكمة استظهار هذين الأمرين قبل القضاء بإسقاط الحضانة عن الأم الكتابية – الكلام لـ"الوزير" .
رأى محكمة النقض فى الأزمة
هذا وقد سبق لمحكمة النقض المصرية التصدي لمثل هذه الإشكالية فى الطعن المقيد برقم 15277 لسنة 74 القضائية "أحوال شخصية" فى جلسة 15 يونيه سنة 2009، برئاسة المستشار حسن حسن منصور، حيث قالت أن المقرر فى الفقه الحنفى - وعلى ما جرى به قضاء محكمة النقض - أن أولى الناس بحضانة الصغير أمه بالإجماع ولو كانت غير مسلمة، لأنها أشفق وأقدر على الحضانة، فكان دفع الصغير اليها أنظر له، والشفقة لا تختلف باختلاف الدين، وإن الأم الكتابية أحق بولدها المسلم، لأن أهل الكتاب فى الحضانة بمنزلة أهل الإسلام .
محكمة النقض
ووفقا لـ"المحكمة": حضانة الصغير، ثبوتها للأم ولو كانت غير مسلمة، أما علة ذلك أن الأم الكتابية أحق بحضانة ولدها المسلم، وأن أهل الكتاب فى الحضانة بمنزلة أهل الإسلام، كما أن الولد يتبع أحد أبويه فى الإسلام هذه التبعية لا تنقطع إلا بالعقل والبلوغ ولا يكفى سن التمييز، والأصل فى البلوغ ظهوره بإماراته المعهودة أو بتجاوز الخمس عشرة سنة هجرية، كما أن الأم الكتابية تستوى مع الأم المسلمة فى استحقاق حضانة الولد المسلم، وعلة ذلك استوائهما فيما يوجب هذا الحق وهو الشفقة على الصغير التى مردها فطرة النفس البشرية أياً كان دين صاحبها .
فى الفقه الحنفى - بحسب محكمة "النقض" - أنه فيما يتعلق بإسقاط الحق فى الحضانة فإن الحاضنة الكتابية تختص بأحد أوجه هذا الإسقاط وهو أن يعقل الولد الأديان، وذلك بأن يبلغ سبع سنين، أو يخشى عليه أن يألف غير دين الإسلام قبل هذه السن، ومفاد ذلك أن الأخذ بهذا الوجه من إسقاط الحضانة عن الأم الكتابية يتطلب توفر أمرين، هما أن تكون لدى الولد المحضون القدرة على إعمال العقل فى التمييز بين الأديان المختلفة ولو لم تكن له القدرة على اختيار أحدها، وقد يكون ذلك ببلوغ الصغير سن معينة، كالسابعة أو قبلها أو بعدها، إذ المعول عليه فى تحديد ذلك هو مدى إدراك الصغير لما يعد إلفاً لغير دين الإسلام، وهو ما لا يكون فى السابعة وحدها أن يصدر عن الحاضنة الكتابية أقوال أو أفعال مع الصغير ينجم عنها أنه يألف غير دين الإسلام.
ويجب على المحكمة أن تستظهر هذين الأمرين قبل القضاء بإسقاط الحضانة عن الأم الكتابية، ولا سيما أن الشريعة الغراء لا تتعجل هذا الإسقاط، طالما وجدت إلى توقيه سبيلاً على نحو ما هو مقرر فى فقه هذه الشريعة من أنه إذا خِيف على المحضون من حاضنته الكتابية فساد، كأن تغذيه بلحم الخنزير، أو تسقيه خمراً، ضُمت إلى مسلمين ليكونوا رقباء عليها، ولا ينزع منها .