المشكلة لم تكن أبدا فى الأزمة، لكنها تكمن فى طريقة التعامل معها، هذا هو الدرس المستفاد من طريقة وزارة السياحة والآثار فى التعامل مع فيروس كورونا المستجد، والذى أجبر البشر فى العالم أجمع على المكوث فى المنازل خوفا من انتشار المرض وحرصا على عدم تفشى الفيروس، وقد استغلت وزارة الآثار هذا الحدث المفاجئ بالطريقة الأمثل، حيث شرعت عقب توقف حركة السياحة على الفور بتطهير وتعقيم المواقع الأثرية والمتاحف والمقابر والمعابد، ثم بدأت فى استغلال فترات السكون هذه لإحداث حركة ثقافية وعلمية كبيرة بإتاحتها زيارة أهم المقابر الأثرية أون لاين، ليسافر سكان العالم أجمع إلى بريق الحضارة المصرية وهم فى البيوت.
هذه كانت طريقة تعامل وزارة السياحة والآثار مع فيروس كورونا المستجد، والتى أثبتت أنه كما أن الأفكار لها أجنحة فالآثار أيضا يمكن أن يكون لها ذات الأجنة فقد استطاع خالد العنانى وزير السياحة والآثار هزيمة فيروس كورونا بزيارات أون لاين ويحول محنة الوباء المتفشى إلى مناسبة ثقافية جميلة، ليؤكد أن الحضارة التى عاشت آلاف السنين لن يهزمها فيرس "مستجد"، هذه هى مصر التى استطاعت أن تتعافى وتستعيد رونقها مرة أخرى عقب ثورة 30 يوينو، لكن رغم الأزمة الصحية تحت مسمى فيروس كورونا المستجد تعمل وزارة السياحة والآثار على الترويج لمعالمها التاريخية القديمة، فمؤخرًا أتاحت الوزارة تقنية حديثة لزيارة المقابر الأثرية عبر الإنترنت، وكانت البداية بمقبرة مننا (TT69)، وهى من أكثر المقابر النخبة من الأسرة الثامنة عشر الأكثر زيارة وأفضل الحفاظ عليها فى مقبرة طيبة، حيث تتمتع تلك المقبرة بأسلوب معمارى متميز لمقبرة كبار رجال الدولة فى الدولة الحديثة، فهى تتكون من مدخل يوصل إلى صالة عرضية توصل بدورها إلى صالة طويلة تنتهى بفجوة التمثال، خاصة بشخص يدعى "مننا" كان كاتباً للحقول الملكية فى عهد "تحتمس الرابع"، ويظن الناس العامة أن مقبرته هى مقبرة وزير الزراعة لأن معظم مناظر هذه المقبرة تدور حول الزراعة من حرث الأرض وبذر الحبوب، وزراعة الكتان وتمشيطه، ومناظر الحصاد، وبعض مناظر البحر والبر، كل هذا بإشراف "مننا" .
إن ما أتاحته وزارة السياحة والآثار خطوة إيجابية ووعى كامل بضرورة ارتباط المصريين بحضارتهم المصرية، فهم الآن جالسين فى منازلهم ضمن الإجراءات الاحترازية التى دعت لها الحكومة المصرية فى الوقت الحالى لمنع تفشى الفيروس، يستطيع المواطن مشاهدة المعالم السياحة والمقبرة التى لم يستطع زيارتها الآن "أون لاين"، وبالتالى بعد انتهاء تلك الأزمة سيكون لدى الجميع شغف بزيارة تلك المواقع على الطبيعة.
هناك أيضا أمر مهم وهو أن جميع الشعوب حول العالم الذين لديهم ولع بالحضارة المصرية القديمة، ولم يستطيعوا زيارة مصر نظرًا لوقف حركة الطيران، سيتاح لهم زيارة المواقع الأثرية وهم فى بلادهم، والتجول عبر الإنترنت بداخل تلك المواقع وكأنهم فى مصر.
فالخطوة التى اتخذتها وزارة السياحة والآثار من إتاحة مواقعها الأثرية عبر الشبكة العنكبوتية تددل على الذكاء والوعى بكيفية إدارة تلك المرحلة تحت قيادة الدكتور خالد العنانى، الذى استطاع أن يدير حقيبة السياحة والآثار بشكل متميز، دون النظر إلى عواقب التى لا دخل له فيها، وهو انتشار فيروس كورونا، وفى آخر حديث لـ"اليوم السابع" معه أكد أنه بعد الانتهاء من الأزمة التى تمر بها مصر ودول العالم، تسطيع مصر أن تستقبل ضيوفها فى صورة أفضل من الأول، موضحا ثقته بأن مصر ستكون أول الوجهات التى يحرص العالم أجمع بأن يزروها بعد مواجهة فيروس كورونا المستجد.
لا شك أن هناك منهجا جديدا تتبعه وزارة السياحة والآثار وبالتحديد منذ 2016م، وهو العمل على كيفية استغلال ما لدينا من كنوز تاريخية قديمة فى الترويج لمصر، وجذب السياحة إليها، وهو ما حدث بالفعل واستطاعت أن تتخطى أزمة ما بعد أحداث 25 يناير 2011، فطريقتها فى الترويج للاكتشافات الجديدة وكم الافتتاحات الذى شهدته الأربع سنوات الماضية والعمل على صيانة وترميم الآثار بشكل دورى، لا يجعلنا نستغرب أو نندهش بانطلاق منصة إلكترونية تستطيع من خلالها الذهاب للمقابر والمواقع الأثرية دون أن تتحرك من منزلك فى فترة انتشار فيروس كورونا لترفع الوزارة شعار "تحيا مصر".