"لكن تلك العزلة، كانت البداية التى لا بد منها، البداية التى لو لم يمتلكها المرء لما استطاع الوصول إلى ما تلاها: تركب البحر! قد تصل جزيرة تعبر الصحراء! قد تبلغ واحة، تسكن العزلة! قد تبلغ نفسك" لم يكن يعلم الشاعر والروائى الفلسطينى الكبير إبراهيم نصرالله أن كلماته السابقة التى جاءت فى كتابه "السيرة الطائرة: أقل من عدو أكثر من صديق" ستتحول إلى واقع وربما تكون بداية لأسلوب آخر يخرج الشعر والشعراء من عزلتهم، وينزل من عليائه إلى جمهوره ومحبيه.
فى الأسابيع الماضية، أصبح الجلوس فى المنزل واجبا للوقاية من عدوى الإصابة بفيروس كورونا: كوفيد 19، فاختفت الندوات والأمسيات وأصبحت اللقاءات الشعرية منعدمة فى ظل تعليق للأنشطة، لكن الشعراء كان لهم رأى آخر، وبدأوا من هذه العزلة وسيلة جديدة تقرب الشعر أكثر وتعيد ديوان العرب إلى صدارة المشهد مرة أخرى.
فى زمن كورونا أصبح الشعر هو الأسرع والأقرب للدخول إلى قلب الجماهير، فتسارع الشعراء من أجل تقديم أمسيات وندوات شعرية "لايف" على صفحاتهم على "فيس بوك"، ونظم "بيت الشعر المصرى" أمسيات شعرية على صفحته الرسمية، شارك فيها العديد من الشعراء، كما قرر "بيت الشعر" إذاعة تسجيلات نادرة ونشر عدد من قصائد كبار الشعراء المصريين والعرب منهم الشاعر الكبير أحمد عبد المعطى حجازى، والشاعر الكبير الراحل صلاح عبد الصبور.
وقال الشاعر الكبير السماح عبدالله، مدير بيت الشعر المصرى، على صفحته الرسمية بموقع التواصل الاجتماعى "فيس بوك"، "إذا كانت الظروف التي تمر بها البلاد تحول بيننا وبين إقامة أمسياتنا الشعرية الأسبوعية في بيت الشعر، مركز إبداع الست وسيلة - التابع لقطاع صندوق التنمية الثقافية - فإننا يمكننا أن ننقل هذه الأمسيات الشعرية إلى هنا، وسننشر عددا من القصائد لمجموعة من الشعراء".
عدد من الشعراء أيضا أطلقوا ما عرف بـ "تحدى الشعر" على غرار تحدى الخير الذى اطلقه عدد من لاعبى كرة القدم، وبعض رجال وسيدات المجتمع، حيث قام عدد من الشعراء خاصة من الشباب، بدعوة شعراء آخرين لمشاركتهم فى تحديً بحيث يقول كلا منهم قصيدة "لايف" ويدعوا آخر لمشاركته التحدى.
كما دعا الناقد والشاعر طه سيف، المدير التنفيذي لملتقى ابن النيل الأدبي، الشعراء لمسابقة شعرية للتآخي بين العامية والفصحي، لمحاولة إخراج الشعراء من اكتئابهم في ظل الظروف الراهنة التي يمر بها العالم بسبب فيروس كورونا المستجد.
قال طه عبر صفحته بموقع التواصل الاجتماعي"فيسبوك"، إن المسابقة بين شعراء العامية بأن يعارضوا بضعة أبيات للمتنبي بأبيات من إبداعهم، لافتًا إلى أن جائزة الفائز الأول هي 100 جنيه مصري ونسخة مجانية من كتابه "100 عام من الحكمة" المنتمي لأدب اللامعقول.
الشاعر الكبير جمال القصاص، قرر أن يستغل عزلته بسبب الإجراءات الصحية للحد من انتشار "كوفيد 19" وقام بتأليف قصيدة جديدة عن فيروس كورونا، يقول فيها:
إلى " كورونا"
-------------
أنا خائفٌ...
هل سيظل في الأسبوع سبعةُ أيام
في السنة أربعة فصول
في كفي خمسة أصابع
هل سيظل هذا الوجه وجهي
أيهما أجمل في الحبّ: الكلمات التي قلتها لكِ
أم التي لم أقلها
الأمر لا يتعلق بالعزلة
شربناها في طبق الحساء
نسينا كراريسها في المعبد.
أنا خائفٌ
من يدي
من أصابعي
من ملمس النور.
خائفٌ من التاريخ
من الشعر
من الرسم
من اللغة
من الكتابة.
خائفٌ من البحر
من النهر
من زرقة السماء
ثمة شيء مجنون اندلق على وجه الأرض
لا نحسه
لا نراه
لا يبالي بهشاشتنا
بغبارنا
وأننا نخطئ كثيرا في تدوين أحلامنا
لا نعرف أين نضعها:
قربَ الروح
أو فوق الرّف
أو في قفص الجسد.
أيها الوباء الهمجي اللعين
أيها اللص المجنون
اكشف غطاءك
قل لي: ماذا تريد
سوف أعطيك إياه
صدقني
أنا أكثر جنونا منك
اطمئن ..
سأحافظ على سمعتك الطيبة القذرة
لن أسخر من تواريخ موتك أو ميلادك
سأدونها بكل الدقة والشفافية
سيكون من العدل أن أهبك اسما جديدا
ربما يصلح لأغنية سنكتبها معا
لرواية لا أبطال فيها
لقصيدة تأخرتْ كثيرا في الذهاب إلى الحقل
أشياء كثيرة من الممكن أن نلعبها معا
لكن أرجوك ابتسم بحبّ
وأنت تجرجر قدميك كسلحفاة عجوز
خرجت للتو من المصح