كلما اقتربت من الداخل التركى كلما أدركت مدى المعاناة التى يُلاقيها عدد كبير من الأتراك حيث مصادرة حرية الرأى والتعبير والضرب بقوانين حقوق الإنسان عرض الحائط دون أى مراعاة وتفرقة بين كبير وصغير أو صحيح ومريض.
وخلال الآونة الأخيرة ازدادت وتيرة الحديث حول ما يُمارسه النظام التركي بقيادة الرئيس طيب أردوغان من انتهاكات لقمع مُعارضيه ورفض الاعفاء عن المُعتقلين والسجناء السياسيين على الرغم من الأوضاع السيئة التي باتوا يُعانون منها داخل السجون التركية وخاصة في ظل انتشار فيروس كورونا بالأراضي التركية ومحاولة التكتُم على ذلك.
الناشط التركي المعارض الدكتور هالوك صواش أحد المُتضررين من السياسات التركية فقد تم سجنة سابقًا وعلى الرغم من مرضه بالسرطان إلا أنه لم يُقدّم له الرعاية المطلوبة لحالته، بل على العكس كان النظام التركي يُحاول الخلاص منه مثله مثل الكثيرين من المعارضين من أتباع وأنصار حركة فتح الله جولن أو غيرها من الجماعات اليسارية والقومية الكردية إضافة إلى عدد من الصحفيين وكتاب الرأي.
وفي حواره مع "اليوم السابع"، روى الدكتور هالوك صواش تفاصيل مُعاناته هو وكثير من أصدقائه وآخرون منذ أحداث الانقلاب التركي المزعوم في 15 يوليو من عام 2016، موضحًا ما آلت إليه الأوضاع في الداخل التركي من تردى فى ظل سيطرة أردوغان ونظامه، مشيرًا إلى أن صفوف المعارضة التركية أصبحت أكثر قوة وتنظيمًا عما قبل، متوقعًا زوال النظام الحالي بحد أقصى عامين. وإلى نص الحوار:
أعلم أنه تم طردك وعدد كبير آخر من الأتراك من وظائفكم بعد الانقلاب المزعوم، من قِبَل الحكومة التركية؛ فهل يُمكنك توضيح الأسباب ؟
الكثير من الأشخاص ذات الصلة بحركة فتح الله جولن تم فصلهم من مناصبهم بالحكومة التركية في ذاك الوقت، وبحسب الأعداد والاحصائيات التي تم نشرها فقد وصلت إلى ما يقرُب من 150,000 إضافة إلى حوالي 100,000 من العاملين في مجال التعليم من مدارس وجامعات كانت تعمل من قِبل حركة جولن على وجه التحديد. لقد كان من الواضح أن حزب العدالة والتنمية الحاكم إتخذ من حركة جولن خصم له، وأن هناك قوائم كانت مُعدة مُسبقًا لطرد وإقالة التابعين لها من المناصب الحكومية بالدولة، ادعاءًا بأنها حركة إرهابية؛ لأن هذا الأمر حدث قبل حتى التوصل لحقيقة ما حدث – الانقلاب
- أو المُتسبب به. كما تم في إطار ذلك تصفية بعض الجماعات اليسارية والقومية الكردية، وفي واقع الأمر لقد تم فصلّ كل من كان له توجهات مُعارضة للحكومة.
ما مدى مُعاناتك أنت وأصدقاءك منذ أحداث 2016 وحتى الآن ؟
هناك من بقى في السجن مدة بين 3 إلى 5 سنوات وهناك من لازال مسجونًا؛ وأنا وعلى الرغم من أنني كنت أعاني من سرطان البنكرياس والقولون إلا أنه تم نقلي من المستشفى إلى السجن والذي بقيت فيه حوالي شهرين، وكان هناك محاولات للتخلُص مني، وهو الحال ذاته بالنسبة لجميع أنصار جولن أو من كان له توجهات مُعارضة للحكومة التركية كما ذكرت سابقًا، ولازال معظمهم يتعرضون لمعاملة سيئة وانتهاكات صريحة وبشكل غير قانوني، وبرغم عدم صدور أي أحكام قضائية تجاه أحد إلا أنه يتم معاملتهم وأسرهم كأنهم خونة. هذا وتم مُصادرة أعمال وأموال أتباع وأنصار جولن من الأثرياء ورجال الأعمال، واضطر الكثير إلى السفر بسبب ما يُواجهونه من ضغوط في الداخل التركي، وهناك من كان يتعرض للكثير من المتاعب وأيضًا الغرق في الأنهار والبحار وهو يُحاول الذهاب إلى ألمانيا أو غيرها من الدول الأوروبية عبر اليونان. واستغل المقربون من الحزب الحاكم - العدالة والتنمية - تلك السياسة وبدأوا في إهانة أنصار وأتباع جولن وغيرهم من المعارضين، واستبعادهم من أعمالهم، وهو التوجه الذي شجعته الحكومة التركية ولازالت. إلى جانب التعرُض لتهديدات جماعية إلى حد الإنتقام منهم في الشوارع إذا لزمّ الأمر، وهو ما يُدركه الشعب التركي جيدًا.
كيف ترى معاملة الحكومة التركية للمعارضين ؟
لقد أظهرت حكومة أردوغان معاملة قاسية وسيئة للغاية ضد جميع المعارضين، وهذا لا يتعلق بالدين أو أنصار وأتباع حركة جولن فقط كما تدعي؛ ولكن من قبل وهي تنتهج ممارسات قمعية وانتهاكات تصل إلى حد الإبادة الجماعية كما شهدنا في المدن الكردية بالمحافظات الشرقية، حيث تم حرق أحياء وتفجيرات وغيرها من السياسات السيئة. ويُمكن القول بأن حزب العدالة والتنمية له سياسات عدائية واضحة تجاه أي من المُعارضين.
ما رأيك حول أوضاع حقوق الإنسان بتركيا ؟
الأداء التركي تجاه ملف حقوق الإنسان سئ جدًا وخاصة خلال الـ5 سنوات الماضية، فالحكومة التركية تركت البعض حتى تعفن في سجونها، ولم تكتف فقط بطرد الأشخاص من أعمالهم بعد الإنقلاب وتركهم عاطلين ولكنها أيضًا حرمت أطفال هؤلاء من حقوق مختلفة. هناك من يحصل قانونًا على حقوقه ولكنه لا يُمكن أن يحصل عليها أمنيًا فيما بعد، فلا يُمكن أن يشغل منصب مدرس أو أستاذ بعد أن كان قد تم طرده. الأمر ذاته كان سيحدث مع الأطباء ولكن بسبب نقصهم وحاجة المستشفيات الحكومية لهم توقف الأمر قليلًا. أيضًا هناك أزمة بالنسبة المغضوب عليهم من قبل الحكومة التركية للحصول على حقوق التقاعد، فأنا على سبيل المثال تأخر تقاعدي لمدة تقرب من 8 أشهر وعلى الرغم من تقديمي لـ16 عريضة إلا أنه لم يتم الرد عليها بأي إجابات مُقنعة أو واضحة. ان أوضاع حقوق الإنسان الآن في تركيا تواجه انهيارًا كاملًا بشكل غير مسبوق، وقد أصبحت البلاد واحدة من أسوًا دول العالم في هذا الملف، وغابت بها حرية التعبير بشكل كلي وامتلأت السجون بالصحفيين والمعارضين. ولهذا فإن تركيا فاشلة في ملف حقوق الإنسان.
هناك عدد من التقاير التي تتحدث حول انتشار فيروس كورونا في تركيا، وأن القطاع الصحي فشل في إدارة الأزمة، هل ممكن نقل صورة الموقف الحالي؟
لقد تسببت الحكومة التركية في إنتشار الفيروس القاتل بسبب عدم التعامل بشفافية مع الأمر منذ البداية حيث عدم توضيح المعلومات والحقائق الصحية أو المدن التي حدثّ بها وفيات جراء الإصابة بكورونا. فقد كان وزير الصحة التركي أعلن عن أول حالة إصابة بالفيروس في 11 من مارس الماضي، ثم سرعان ما اتضح أن هناك حوالي 250 – 300 حالة وفاة، ومن الواضح أن آلاف من الأتراك يعيشون مهددون بالمرض وفي ظل عدد الاختبارات اليومية بمُعدل من 7 – 15 آلف، فهذا يعني أن عملية المسح يُمكن أن تُستكمل بعد 3 سنوات!!
ماذا عن المُعتقلين السياسيين في ظل هذه الأوضاع وكيف يواجهون ممارسات حكومة أردوغان تجاههم؟
هناك الكثير من الوفيات بين المساجين الآن، ولذلك توجد جهود لإخلاء السجون التركية، ولكن المُثير في الأمر هو إعفاء المغتصبون وقتلى الأطفال والنساء وتجار المخدرات بينما لا يشمل العفو معارضين أو معتقلين سياسيين. وفي إطار اجتماعات البرلمان الجارية بهذا الشأن يُلاحظ أن حزب الحركة القومية هذا الشريك القوي لحزب العدالة والتنمية يٌحاول إنقاذ السجون من إنتشار فيروس كورونا من خلال الإعفاء عن المجرمين ولكن كما قلت دون منح الحق نفسه لأصحاب الفكر المُعارض والصحفيين.
هل حاولتم إيصال أصواتكم المُطالبة بالعدالة إلى المجتمع الدولي والمنظمات المُهتمة والمعنية بحقوق الإنسان؟
نعم.. ودشنّا قناة على موقع "يوتيوب" تُدعى KHK TV تهدف إلى إيصال مُعانتنا وأصواتنا إلى العالم؛ أنا مؤسسها ويشمل مجلسها التنفيذي والذي أقوم برئاسته 8 أفراد وهناك حوالي 15 مُراسلًا، وقد بدأنا باللغة الإنجليزية والألمانية والآن تم إنشاء نقاط إتصال مع الاتحاد الأوروبي، ويُمكننا مشاركة بعض من مشاكلنا معهم ربما هي محدودة الآن ولكننا بدأنا. أيضًا تمكنا من الحديث مع بعض الصحفيين الأجانب وتوضيح الموقف بالداخل التركي. بالنسبة لي كمريض سرطان فحركتي محدودة ولدي مخاوفي من المرض، ولكن هناك فريق من عمل القناة ومنصات مختلفة وحوالي 2000 شخص يعملون في 25 مدينة مختلفة من أجل ضحايا أردوغان ونظامه وعلى صلة بقناتنا. وحاليًا دشنّا موقع باسم اتحاد منصات KHK ومن خلاله يتم نشر كل السلبيات التي تحدُث في تركيا. وقد بدأنا في اجراء بعض المقابلات مع مؤسسات ووكالات أجنبية وشرح الحقائق، فأنا على سبيل المثال خرجت من السجن ولكن عندما أُتيحت لي الفرصة للعلاج في أوروبا رفضت حكومة أدروغان إعطائي جواز سفر، ولكن مع تصعيد مشكلتي وحديث بعض المنظمات الدولية والقنوات الإعلامية حولها إضطرت الحكومة التركية لإعطائي تصريح للخروج سافرت به إلى ألمانيا للعلاج حوالي 3 مرات، ويُمكنني الآن الخروج عما قبل. الحكومة التركية تحاول الآن تحسين الأوضاع بالسجون بعد أزمة كورونا واحتواء الغضب، ولكن إذا لم تُعيد حكومة أردوغان الحقوق للناس ومن تعرضوا إلى الظلم فسيستمر الأمر على ما هو عليه، وأعضاء منصتنا الإعلامية في تركيا يتطورون ويتوسعون وبدأت أصواتنا تصل إلى الرأي العام العالمي؛ فمن خلال تويتر مثلًا نُنظم حملات كل مساء تقريبًا ويتم فيها نشر ما بين 500,000 و 1000.000 تغريدة نعرض من خلالها آخر التطورات للعالم وأحيانًا نتحدث فيها بالإنجليزية. ومن المؤكد أن مثل هذه الأنشطة تجمع الضحايا معًا وتُوحدهم من جميع الأطياف. ولهذا بدأ نظام أدروغان في الحديث حول فشلهم في اللحاق بمثل هذه القنوات المختلفة أو مُواجهتها من خلال وسائل قليلة مملوكة له. ومن المتداول أن الحكومة التركية تُمهد لعملية ما تجاه حوالي 1500 – 2000 شخص، وهناك معلومات تُفيد بأن هذه الأنشطة سُتنفذ ضد السوشيال ميديا.
كيف يعيش المعارضون الآن في ظل تلك الظروف القمعية؟
ظروفنا لازالت مُرهقة جدًا، ولكن فكرة أنهم متوحدون ويجتمعون ويُقاتلون ضد حكومة أردوغان يجلب لهم القوة، وخاصة في ظل فوز المعارضين السياسيين بالإنتخابات السابقة في المدن الكبرى مثل إسطنبول وأزمير وأنقرة، وما واجهته الجبهة الحاكمة من خسارة معنوية، ما دفع إلى زيادة الثقة بين المعارضين والمظلومين في بعضهم البعض. وأعتقد أن زيادة مُتابعيني على حسابي الرسمي بتويتر بمعدل 1000 مُتابع في أيام قليلة لأحد الأدلة على ذلك. وبشكل عام فالناس ترى أن التغيير أصبح مُمكنًا وبدأت تتصرف بشكل أكثر انفتاحًا وجرأة.
إذا استمرت تركيا تحت حُكم أردوغان.. فكيف ستكون سياساته في رأيك؟
من المؤكد سيكون الأمر أكثر صعوبة إذا تمكن أردوغان من البقاء في السلطة، ولكنه يعلم أنه فقد الكثير من قوته وأن موقفه أصبح أضعف كثيرًا، وهو ما نراه أيضًا. أردوغان لن يُمكنه البقاء أكثر من عام أو اثنين على الأكثر وأعتقد أنه سيضطر إلى الفرار. وإذا تمت إنتخابات على غرار ما حدث مع الانتخابات البلدية في 31 مارس من العام الماضي، ستتغير الحكومة التركية كُليًا. ان المعارضين الآن أكثر صلابة واتحادًا وتنظيًما وإذا استمر نظام أردوغان فسيخسر خسائر فادحة، أو ربما عليه أن يجد طريقة جيدة للتعامل مع خصومة. في الحالتين أتوقع أن أردوغان لن يتمكن من البقاء في السلطة على المدى الطويل سواء اتبع سياسة الشدة أو اللين.