مدينة الإسكندرية تعد العاصمة الثانية لمصر وقد كانت عاصمتها قديمًا، تقع على ساحل البحر الأبيض، وتضم بين طياتها الكثير من المعالم المميزة، واليوم تمر ذكرى تأسيس مدينة الإسكندرية، حيث تم التأسيس فى مثل هذا اليوم من عام 332 قبل الميلاد، حيث لم يكن أمام فاتح آسيا والهند، إلا أن يستولى على مصر، لكى يحكم سيطرته على هذه المنطقة، وأن ينشئ فيها المدينة الجديدة التى حملت اسمه، والتى علت وتدعمت بعظمة لمدة 300 عام فى عهد الحكام البطالمة، ولكن هل بالفعل الأسكندر الأكبر هو المؤسس الفعلى لها، وما هو تاريخ تلك المدينة قبله؟.
فى كتاب "مدينة الإسكندرية" تأليف جراتيان لوبير، بنيت المدينة التى أسسها فى مصر، فاتح آسيا وأسماها باسمه، مكان قرية كانت موجودة قبل ذلك بوقت طويل، وكانت تقع على الشواطئ البحر المتوسط تجاه وبالقرب من جزيرة فاروس، وكان بهذه القرية التى تسمى راكوتيس، معبد صغير لعبادة إيزيس وسيرابيس، وكان يقطنها الصيادون والرعاة الذين كانوا يشغلون هذه النقطة من لسان ضيق، تحيد به مياه المتوسط أو بحر الإغريق من الشمال، ومياه بحيرة ماريا من الجنوب، وقد قام الفرس، ومن قبلهم فراعنة مصر، بتحصين هذه القرية، وكذلك جزيرة فاروس، حتى يكونوا فى مأمن من إغارات الإغريق.
وأوضح كتاب "ميدنة الإسكندرية"، هكذا كان سكان هذه الضاحية والذين يطلق عليهم اسم أبناء راكوتيس، فى حالة تمكنهم من صد اعتداءات هؤلاء القراصنة، الذين كانوا يروعون سواحلهم، يقول سترابون فى هذا الخصوص: "وحيث كان ملوك مصر الأوائل يشعرون بالكفاية بما لديهم، فإنهم لم يستشعروا كبير حاجة إلى استيراد أشياء من الخارج، ومن جهة أخرى فقد أقام هؤلاء الملوكـ حتى يرصدوا حركات البحارة "المغيرين" وبخاصة الإغريق منهم، أولئك الذين تدفعهم محولة أراضيهم إلى الذهاب إلى مكان آخر للحصول على، ـو لسلب مالا يجدونه عندهمـ حامية مهمتها الدفاع عن سواحل هذه المدينة ضد الأجانب".
وأضاف الكتاب أنه لم تكن راكوتيس بالضرورة كبيرة فى الوقت الذى ظهر فيه الإسكندر، إذ إن هيرودت، الذى زار مصر عام 460 قبل الميلاد بقرن، لم يشر إلى هذه القرية فى كتابه، فى الوقت الذى يذكر فيه مدن كانوب إلى الشمال الشرقى، وماريا وأبيس إلى الجنوب باعتبارها مدنًا كبيرة.
ويشير الكتاب إلى أن المؤلفين العرب يرجعون تأسيس هذه القرية إلى عصر مصراييم لبن حفيد نوح، ويرجعه آخرون إلى أمير اسمه شداد، وهو سابق على مجئ الفاتح المقدونى بزمن طويل، وحيث كانت هذه المدينة مزودة بثلاثة أسوار حصينة، فلابد أنها قد دمرت، وأعيد بناؤها فى فترات مختلفة، على يد الأراميين، وأن شداد هذا لم يفعل سولا أن رممها، ثم على يد الفرس بقيادة بختنصر، وهو نفسه ملك الآشوريين الذى خرب ممفيس، والذى يسميه سفر الكتابة نابوخوذنصر.
ويقول المقريزى : إنه فى عام 2356 بعد الطوفان، العام 1684 قبل تحطيم معبد أورشليم، فى السنة 110 شمسية بعد هذا الحادث، أنشأ الإسكندرية بن فيليب، وهو نفسه الذى هزم داريوس وسيطر على فارس، هذه المدينة "الأسكندرية" ومنحها اسمه، ونقل إليها مقر إمبراطوريته الذى كان قبل ذلك فى ممفيس، ويتفق كل المؤرخين لحد كبير على الحادث، فمن المعروف أن مصر كانت تئن منذ مائتى عام، تحت سيطرة الفرس عندما تقدم الإسكندر بعد أن أطاح بالكبرياء المستبد، نحو مصر التى استقبلته كمنقذ محرر، وفتحت بيلوز "تل الفرما كما يسميها العرب، وبالوظة الآن" مفتاح مصر، وممفيس التى كانت عاصمة لها، أبوابهما للفاتح، وبعد أن قدم الفرابين إلى العجل أبيس فى مدينة ممفيس، ركب الإسكندر النهر حتى كانوب "أبى قير"، والتف حول ماريوتيس "مريوط" إلى الشمال، وتوقف عند راكوتيس التى أعجبه موقعها، لكى يفيد من المميزات الطبيعية التى يقدمها هذه الموقع، وقرر أن يؤسس هنا مدينة، وعهد بتنفيذ هذا المشروع إلى دينوكراتوس، المعمارى المقدونى الشهير، وفى نفس انتصاره دون شك، أى فى السنة 422 من تأسيس روما، السنة 332 ق.م.
ويؤكد كتاب "مدينة الإسكندرية" بعد ما كل ما ذكر آنفا لا ينبغى أن ينظر لفاتح آسيا باعتباره مؤسس الأسكندرية، وإنما باعتباره فقد قد قام بتوسيعها وتحصينها وتجميلها ليتخذ منها مقرًا لامبراطوريته الجديدة.