"محافظة الشرقية .. مدرستى بحر البقر الابتدائية.. كراستى مكتوب عليها تاريخ اليوم .. مكتوب على الكراس اسمى .. سايل عليه عَرَقى ودمى .. من الجراح اللى فى جسمى .. ومن شفايف بتنادى .. يا بلادى يا بلادى ..أنا بحبك يا بلادي".. ما زالت كلمات فؤاد حداد والتى لحنها بليغ حمدي، فى فيلم العمر لحظة، محفورة فى الأذهان، تذكر العالم بمذبحة تلاميذ مدرسة "بحر البقر" بمركز الحسينية بمحافظة الشرقية.
تحل اليوم الأربعاء الذكرى الـ50 على مذبحة بحر البقر بمحافظة الشرقية، التى راح ضحيتها 19 تلميذا، وكل عام من يوم المذبحة كانت الدولة تحيى ذكرى استشهاد التلاميذ باحتفالية كبرى بالقرية يحضرها كبار شخصيات الدولة والفنانين ورجال السياسية، لكى لا تمحى هذه الذكرى من وجدان أهالى وأطفال القرية، لكن للمرة الأولى لم يتم إقامة الاحتفالية، بسبب فيروس كورونا المستجد، وإلغاء كافة الاحتفالات والأنشطة.
محافظ الشرقية الدكتور ممدوح غراب، أناب عنه على الصناديلي، رئيس مجلس ومدينة الحسينية، الذى قام صباح اليوم، بوضع إكليل من الزهور على النصب التذكارى لشهداء المذبحة.
وبالرغم من مرور نصف قرن على المذبحة البشعة، إلا أنها ذاكرة هذه السيدة المسنة لم تمحى منها صوت التدمير، فقالت الحاجة "نبيلة حسن" والدة الشهيد "ممدوح" ل" اليوم السابع" صوت التدمير بتاع طائرات الفانتوم لن أنساه أبدا ولن يروح من ذكرتى، وسردت قصتها قائلة: فزوجى توفى قبل المذبحة بأربعة سنوات، وترك لى 4 أطفال، ويوم المذبحة، جهزت الساندوتشات لأطفالى، لأنهم يذهبون لمدرسة بعيدة عن القرية، وقمت للقيام بأعمال الخبيز فى الصباح، و نجلى "مدوح "قالى "ياماما عايز ساندوتش أخده المدرسة" قولت له هخبز عيش وأجهز لك ساندوتش تعالى فى الفسحة خده، قالى مش راجع فى الفسحة، ومرجعش للأبد".
وتابعت الحاجة "نبيلة": فجأة سمعت صوت غارة قوية،أسفرت عن تهشم نوافذ المنزل،من صوت الانفجار،وخرجت مسرعة لكى أبحث عن أطفالى،وعندما شاهدتهم حضنتهم، وحمدت الله أنهم بخير،ولكنها سرعان ما تذكرت، أن "ممدوح" كان بالمدرسة، فهرعت حافية إليه وجدته جثة وأحد الأهالى يحتضنه وسلمه لي، وأسرعت بيه على أمل أن الروح فيه، وفى الطريق حاول أحد الأهالى ايقاف سيارة سائق كان يعمل مع المروحوم زوجى، لكى تركب معه أضافت الحاجة نبيلة،: أخذت مع أطفالى الثلاثة الأيتام بالعربية، وبعد ما صعدت العربية "ربع نقل "شاهدت على الكرسى أطفال مصابين وأشلاء المجزرة، والسيارة بيها لحم ميت، بيقول "أه أه " وينازع ويتألم، فخفت ونزلت من هول المنظر مع أبنائى، وأخذت إلى قرية المناجاة مسقط رأس والده ودفنته.
فيما إسترج الحاج "محمد محجوب" 65 سنة، الذى شهد المجزرة الإسرئيلية، وسالت دماء الأطفال على ملابسه،إن يوم 8 أبريل لن يمحى من وجدانه، بالرغم من مرور 46 سنة على هذا اليوم، لكنه ما زال يتذكر دماء التلاميذ الطاهرة التى سالت على ملابسه وأغرقتها، وأنه كان من أوائل الأهالى الذين ذهبوا إلى المدرسة، وشاهد آثار التدمير بها، وأشلاء التلاميذ وقد تبعثرت فى الشوارع المجاورة للمدرسة من شدة الصواريخ التى تم تدمير المدرسة بها، وأن الأهالى قاموا بوضع التلاميذ فى جرار زراعى لنقلهم إلى مستشفى الحسينية العام، وفى الطريق توفى مايقرب من 19 تلميذا قبل وصولهم إلى المستشفى وتم نقل المصابين منهم إلى المستشفى.
فى صباح يوم الأربعاء 8 أبريل 1970م فى الساعة التاسعة وعشرين دقيقة، كانت مدرسة بحر البقر على موعد لتدخل التاريخ من باب الكوارث، حيث قامت 5 طائرات إسرائيلية من طراز إف-4 فانتوم، تزن " 1000 رطل "بقصف المدرسة وتدميرها على أجسام التلاميذ الصغار، وأسفرت الهجمات عن استشهاد 30 طفلا وقتها وبلغ عدد المصابين أكثر من 50 فيهم حالات خطيرة، وأصيب مدرس و11 شخصًا من العاملين بالمدرسة.
وقامت الحكومة المصرية بعد الحادث بصرف تعويضات لأسر الضحايا بلغت 100 جنيه للشهيد و10 جنيهات للمصاب، وتم جمع بعض متعلقات الأطفال وما تبقى من ملفات، فضلًا عن بقايا لأجزاء من القنابل، التى قصفت المدرسة، والتى تم وضعها جميعًا فى متحف، يحمل اسم المدرسة.
وكان عدد من أهالى الشهداء والمصابين قاموا فى عام 2013 بعد مرور 43 عاما على المذبحة، برفع دعوى قضائية مطالبة إسرائيل بتعويض أسر شهداء ومصابى المجزرة مادياً ومعنوياً، ولم يحصلوا على شىء حتى الآن.
ومن أسماء التلاميذ الشهداء "حسن محمد السيد الشرقاوى"، و"محسن سالم عبدالجليل محمد"، و"بركات سلامة حماد"، و"إيمان الشبراوى طاهر" و"فاروق إبراهيم الدسوقى هلال"، و" محمود محمد عطية عبدالله"، و"جبر عبدالمجيد فايد نايل"، و" عوض محمد متولى الجوهرى"، و" محمد أحمد محرم"، و" نجاة محمد حسن خليل"، و" صلاح محمد إمام قاسم"، و" أحمد عبدالعال السيد"، و" محمد حسن محمد إمام"، و" زينب السيد إبراهيم عوض"، و"محمد السيد إبراهيم عوض" و"محمد صبرى محمد الباهى"، و"عادل جودة رياض كراوية"، و"ممدوح حسنى الصادق محمد".
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة