لا صوت يعلو على مستوى العالم خلال هذه الأيام – حتى يقضى الله أمراَ كان مفعولا – على صوت أزمة فيروس كورونا – كوفيد 19 – الذي ظهر لأول مرة في ووهان، الصين، فى ديسمبر من العام الماضي، حيث سعت دول في جميع أنحاء العالم فى بداية الأزمة إلى فرض حظر السفر وحجر المواطنين وعزل المصابين في محاولة لوقف انتشار الفيروس الجديد.
وتطور المرض إلى تهديد عالمي صريح، وفي 30 يناير 2020، أعلنت منظمة الصحة العالمية أن أعداد الإصابات شكلت حالة طوارئ صحية عامة تثير القلق الدولي في جميع أنحاء العالم، وأصبحت الدول فى حاجة إلى اتخاذ تدابير الطوارئ الناتجة على اضطرابات كبيرة فى التجارة الدولية، وبدا ذلك يظهر بوضوح في تأثر الأعمال والتشغيل، بما في ذلك إغلاق أماكن العمل والموانئ، وتعطل قنوات الإمداد والتوزيع، ونقص العمالة وضعف الطلب على مستوى العالم.
بين القوة القاهرة والظروف الطارئة يدور كورونا الآن
ومع انتشار جانحة كورونا، اختلط الأمر على البعض حول ما إذا كان من قبيل الظروف الطارئة أو من قبيل القوة القاهرة، خاصة أن وباء كورونا – كوفيد 19 - أثر بلا شك على كثير من العقود التجارية تأثيراً مباشراً، لذلك وجب بيان الفارق بين نظرية الظروف الطارئة وبين نظرية القوة القاهرة باعتبار آن كل منهما تمثل سبباً أجنبياً يؤثر على تنفيذ العقد.
في التقرير التالي، يلقى "اليوم السابع" الضوء على إشكالية تشغل بال الملايين حول الوضع الراهن الذي يعيشه العالم حالياَ ومن ضمنهم الدولة المصرية، هل ما نمر به الآن قوة قاهرة أم أنها ظرف طارئ أم أن فيروس كورونا يدور بينهما وما هو الفرق بينهما والآثار المترتبة عليهما من ناحية الالتزام العقدى – بحسب الخبير القانونى والمحامى محمد الشهير.
فيروس كورونا يعتبر سبباً أجنبياً عن العقد لأنه أمر خارج عن إرادة المتعاقدين
لا جدال في أن فيروس كورونا يعتبر سبباً أجنبياً عن العقد، لأنه أمر خارج عن إرادة المتعاقدين وحدث فجأة عنهم دون أن يتوقعه أي منهم، فوباء كورونا يشبه في أثره الحروب والكوارث الطبيعية التي تمنع من تنفيذ العقد بالصورة المتفق عليها، وقد يصل تأثيرها إلى استحالة تنفيذ العقد، لذلك توجد حالات عقدية يعتبر فيها فيروس كورونا من قبيل الظروف الطارئة التي تؤدي إلى تعديل العقد، وحالات أخرى يعتبر فيها فيروس كورونا من قبيل القوة القاهرة، وحتى نتعرف على دور كورونا في تنفيذ الالتزامات العقدية فيجب أن تعرف أولاً على كل نظرية من النظريتين – وفقا لـ"الشهير".
نظرية الظروف الطارئة لا تؤدي لانقضاء الالتزام
وبالنسبة لنظرية الظروف الطارئة فهي لا تؤدي لانقضاء الالتزام، وإنما يرد القاضي الالتزام إلى الحد المعقول حتى يطيق المدين تنفيذه بغير إرهاق، وهي تظهر في الالتزامات متراخية التنفيذ التي يكون فيها الزمن عنصراً جوهرياً، سواء كانت من العقود ذات التنفيذ المستمر كعقد الإيجار أو من العقود ذات التنفيذ الفوري مثل عقد التوريد أو عقد العمل.
وتتمثل أحكام هذه النظرية في وجود حوادث أو ظروف طبيعية أو اقتصادية، أو أي عمل من أعمال السلطة أو من الغير، ولم تكن في الحسبان وليس لها دفعاً، ويكون من شأنها أن تنزل بالمدين خسائر فادحة، وهي تقوم على فكرة العدالة المجردة في مشاركة الدائن للمدين في الخسارة الناشئة عن الأحداث التي يستحيل معها تنفيذ الإلتزام بذات بنوده.
شروط تطبيق نظرية الظروف الطارئة
وقد اعتد بها المشرع المصري في الفقرة الثانية من المادة "147" من القانون المدني بما نصه "ومع ذلك إذا طرأت حوادث استثنائية عامة لم يكن في الوسع توقعها، وترتب على حدوثها أن تنفيذ الإلتزام التعاقدي وإن لم يصبح مستحيلاً، صار مرهقاً للمدين بحيث يهدده بخسارة فادحة، جاز للقاضي، تبعاً للظروف وبعد الموازنة بين مصلحة الطرفين، أن يرد الالتزام المرهق إلى الحد المعقول، ويقع باطلاً كا اتفاق على خلاف ذلك".
ويشترط لتطبيق نظرية الظروف الطارئة ثلاثة شروط هي حصول الظرف الطارئ العام بعد نشأة الالتزام، وعدم إمكانية توقع الظرف الطارئ، وأن يصبح تنفيذ الالتزام مرهقاً وليس مستحيلاً، والإرهاق المشار إليه هو الإرهاق الشديد الذي يجاوز الخسارة المألوفة في التعامل، بمعيار مادي وموضوعي دون الاعتداد بالظروف الشخصية للمدين، وهو الذي يميز نظرية الظروف الطارئة عن نظرية القوة القاهرة التي يستحيل تنفيذ الالتزام في وجودها – الحديث لـ"الشهير".
نظرية القوة القاهرة تؤدى لعدم تنفيذ الالتزام
أما القوة القاهرة فتتحقق بوقوع حادث لا يمكن توقعه ولا يمكن دفعه، وتعرف بأنها سبب أجنبي يخرج عن إرادة الطرفين يجعل تنفيذ الالتزام مستحيلاً، وتعني الاستحالة أنه ليس بمقدور الأطراف دفع هذا السبب أو التغلب عليه، ويشترط لتحقق القوة القاهرة عدة شروط هي: استحالة تنفيذ الالتزام، ويجب أن يكون الالتزام الذي استحال تنفيذه التزاما أساسياً وليس تبعياً، مثال :
التزام المحامي باستئناف الحكم الصادر ضد موكله تنفيذاً لعقد الوكالة، وأن تكون الاستحالة كاملة غير جزئية تحتوي كامل العقد، وأن تنشأ الاستحالة في تاريخ لاحق للالتزام، فإذا ما توافرت هذه الشروط الثلاثة كنا بصدد قوة قاهرة مانعة من تنفيذ الالتزام الوارد بالعقد، وإذا تبين للقاضي أن الاستحالة مؤقتة جاز وقف الالتزام إلى أن تزول أما إذا كانت الاستحالة مطلقة فإن الالتزام ينقضي لعدم مُكنة التنفيذ.
ويخضع وباء كورونا إلى كل من النظريتين، ويكون معيار خضوعه هو مدى تأثيره في العقد المطلوب تنفيذه، فإذا كان التأثير هو إرهاق أحد طرفي العقد إرهاقاً شديداً بأن يتسبب وباء كورونا في ارتفاع كلفة الإنتاج أو زيادة أسعار الشحن لصورة مرهقة، فإن الوباء يعتبر هنا من قبيل الظروف الطارئة، أما إذا تسبب وباء كورونا في استحالة تنفيذ العقد كأن يصبح نقل الخامات مستحيلاً بسبب غلق حدود بلد ما فإن الوباء يصبح من قبيل القوة القاهرة.