جلس الدكتور يوسف إدريس ليستمع خطاب الرئيس مبارك فى مناسبة عيد العمال، الأول من مايو، مثل هذا اليوم، 1983، ولديه الثقة بأن الرئيس سوف يوقف الحملة فى الصحف المصرية ضده، حسبما يذكر فى كتابه «فقر الفكر وفكر الفقر»، مضيفا: «كنت متأكدا أنه سيوقف هذه الحملة الظالمة، وسيزجر من تسببوا فيها من كتاب وصحفيى الحزب الوطنى الحاكم، لكن هذا للأسف لم يحدث».
جاء هجوم مبارك، ضد إدريس فى سياق حملة عنيفة ضده بسبب كتابه «البحث عن السادات»، وضد الكاتب الصحفى محمد حسنين هيكل بسبب كتابه «خريف الغضب»، وكانت صحف عربية بدأت فى نشر الكتابين الجديدين خلال إبريل 1983، ونشرت جريدة «الأهالى» لسان حال حزب التجمع اليسارى، الحلقة الأولى من «خريف الغضب» ثم توقفت «راجع، ذات يوم، 27 و28 و29 و30 إبريل 2020».
اختص الرئيس مبارك الدكتور يوسف إدريس بالهجوم فى خطابه، وهو الهجوم الذى علق عليه الدكتور محمد حلمى مراد فى جريدة «الشعب» لسان حال حزب العمل قائلا: اتهم الرئيس حسنى مبارك فى خطابه يوم عيد العمال كاتبا معروفا هو الأستاذ يوسف إدريس اتهاما خطيرا يعتبر طعنة فى صميم وطنيته وذمته وكبريائه، ومجمل هذا الاتهام أنه تقاضى خمسة آلاف دولار من الرئيس الليبى معمر القذافى، ليكتب مقالاته التى نشرها فى جريدة القبس الكويتية والتى أثير حولها الصخب والضجيج دون أن يطلع أحد عليها، ودون أن يسمح لكاتبها ببيان وجهة نظره»، كانت العلاقات بين مصر وليبيا تواصل انقطاعها وقتئذ منذ فترة حكم السادات.
وتذكر صحيفة الوفد يوم 30 إبريل 2017، أن مبارك بكى أثناء إلقاء خطابه 1 مايو 1983، نتيجة وصف حرب أكتوبر بالتمثيلية، وقال: «يعنى أنا أبعت ولادى الطيارين ليموتوا، وأكون بأمثل».. كان مبارك قائد لسلاح الطيران خلال هذه الحرب
رد «إدريس» بمقال فى صورة خطاب مفتوح إلى مبارك بعنوان «إننى أتظلم منك إليك»، يفند فيه الاتهامات ضده، ونشرته جريدة «الأحرار» لسان حال حزب الأحرار، كما نشرت حوارا معه، قال إدريس فى خطابه: «إن طعنى فى شرفى وعلى الملأ هكذا، مسألة أهون منها عندى حكم الإعدام.. إذ إن طعن الكاتب فى شرفه من رئيس الدولة، إعدام، إنه حكم بالإعدام، وإعدام غير مشرف».. وأضاف: «كنت مؤمنا أن رئيس الدولة بكل مالديه من وسائل لمعرفة الحقيقة سوف يطلع على ما كتبته، وأنه سيعيد هؤلاء الناس إلى رشدهم، وسيضع النقط فوق الحروف، ويوضح تماما أن مسألة لقائى بالقذافى التى تمت فى أواخر عام 1982، كتبت بشأنها تقريرا على هيئة خطاب أودعته مكتب الرئيس بعد عجزى عن لقائه».
وكشف حقيقة اتهامه بأنه قال إن «حرب أكتوبر تمثيلية»، قائلا: إن صلاح منتصر مدير تحرير الأهرام هو الذى اختلقه، وذلك بقيامه بفرد نصف صفحة داخلية فى الأهرام «بريد القراء» لإعلان بطريقة مثيرة ومحرضة، وأضاف: «أنهى الإعلان بخطاب مزور وخطاب آخر على لسان قارئ يقول فيه، إنى قلت عن حرب أكتوبر أنها كانت «مسرحية»، ولو كنا فى جو صحفى آخر لكانت الدنيا قد قامت وقعدت ليس ضدى، وإنما ضد المسؤول عن هذا العمل ضد مدير تحرير يستغل إمكانياته وسلطاته فى تلفيق اتهام لكاتب زميله يعمل معه فى نفس الجريدة».
أكد «إدريس» أنه كتب بيانا، للرد ودار به على الصحف الرسمية، وكشف: «رفض الأهرام نشر بيانى، وأرسلت للجمهورية بيانا لم ينشر، أو ربما لم يصل، وذهبت بنفسى إلى «أخبار اليوم» وكتبت توضيحا عاجلا آخر، ولكن الأستاذ إبراهيم سعدة «رئيس التحرير» زاغ من مقابلتى، وحين تركت البيان لينشر، فوجئت بعدد «أخبار اليوم» التالى، وكأنه منشور موجه ضدى، فقد احتوى على كاريكاتير للصديق الكبير الذى أحبه «رخا» وفيه حذاء وهو يشجعنى، وأنا فى حجم النملة، والحذاء ضخم جدا، ورهيب، وفيه خطابات لقراء أعرف من كتبها ولفقها».
أضاف «إدريس»: كل ما عرضوه إشاعة كاذبة أطلقها صلاح منتصر على صفحات الأهرام، وتلقفها الجميع بالتصديق حتى من غير أن يقرؤوها، بالسماع حاكموا، وبالسماع أدانوا، وصغارا الأدباء والانتهازيون منهم، وجدوها فرصة لاغتيال كاتب يرونه عقبة فى طريقهم، فشاركوا فى الزفة هم الآخرون، وما أروع منظر ذبح هيكل ويوسف إدريس ليهدأ الانتهازيون، وما أكثرهم، صحفيون وأدباء وكتاب.