فى عالم الجريمة كل شىء مباح، فجرائم "القتل، السرقة، والنصب"، وغيرها التى اعتدنا على سماعها، يصاحبها أشياء أخرى لا يكشف عنها إلا نادرًا، وهذا ما يجعل بعضها من أغرب القصص والأحاديث، التى قد لا يصدقها عقل ولا تستوعبها النفس.
"اليوم السابع" يقدم فى سلسلة "أغرب القضايا" قصص ليست دربًا من الخيال ولا فكراً مجردا لمبدع، ولا صورة خيالية لفنان عن الواقع، وإنما هى قصص إنسانية صادقة وعميقة من داخل المحاكم خلال سنوات طويلة من الزمن.
الحلقة الثامنة عشر.. "الخيانة قتلت في الفجر"..الجزء الثالث ..
يروى هذه الحلقة المستشار بهاء الدين أبو شقة فى كتابه "أغرب القضايا..
انتهى الجزء الثانى من القضية بعدما أقر المجنى عليه أن صديق عمره كان ينظف سلاحه الشخصى وإنطلقت منه رصاصتين أصابته بغير قصد، ورفض إدانته، وهو ما تم على إثره حفظ القضية.
مرت الأيام..ترك الصديق الفقير"الجمل بما حمل".. غادر البلدة وبحث عن عمل جديد فى بلدة نائية ليبدأ حياة جديدة تاركاً وراء ظهره كل ذكريات الماضى بحلوها ومرها..
كانت أضواء الصباح فى طريقها إلى أجواء القرية الهادئة عندما قطع الصمت أصوات سيارات الشرطة والإسعاف تحيط بمسكن الصديق الثرى.. تم نقله بسرعة إلى المستشفى لإجراء إسعافات عاجلة والقبض على زوجته وسائقه الخاص.
بدأ اتصال الشرطة بالواقعة عندما تقدمت خادمة الزوجة ببلاغ إلى الشرطة طلبت فيه أن يتسم إبلاغها بالسرية خوفاً على حياتها من الزوجة.
تضمن بلاغها أن الزوجة طلبت منها معونة زوجها الذى خرج حديثاً من السجن متهماً فى قضية إحداث عاهة مستديمة بأحد الأشخاص.. أن يقتل زوجها مقابل مبلغ كبير من المال.. وقادها شيطانها إلى تدبير وسيلة وكيفية القتل فى أن يصدمه بسيارته وهو فى طريقه إلى البندر لشراء مستلزمات عمله.. وتصور الحادثة على أنها قتل خطاء.
استرابت الخادمة وخشيت على حياة زوجها وسايرتها فى خطتها الآثمة وقامت بإبلاغ الشرطة التى استأذنت النيابة لمراقبة التليفونات الخاصة بها.
كانت المفاجأة عندما أسفرت المراقبة التليفونية عن علاقة آثمة تجمعها مع السائق الخاص بزوجها.. كان على علاقة حب به قبل زواجها.. كانا يعدان للزواج عندما إلتقت به فى أحد مصانعه عاملة فقيرة، بانت ملامح الفقر والعوذ على شكلها ومظهرها.. أعجب بها.. وأحب فيها البساطة.. كان رأيه أن الحب كفيل بأن يذيب الفوارق الشاسعة بينهما.
تزوجها ..أوهمته بحبها.. بأنه أول رجل يغزو قلبها.. أكبرت فيه هذا التواع الجم.. وخصوصاً بعد أن علمت بصداقة العمر وكيف أمه محا الفوارق وشطبها من قاموس فكره.
لكن قلبها وفكرها وعشقها كان لهذا الميكانيكى الذى ارتبط قلبها به.
قدمته إلى زوجها كسائق أمين.. وثق به.. عامله أحسن معاملة.. هيأ له غرفة فى بدروم الفيلا التى يقطن بها.
وأسفرت المراقبات التليفونية عن تبادلها الحديث التليفونى مع السائق.. تخطيطهما لقتل الزوج والاستيلاء على أمواله.. سجلت المحاثات رفض الخادمة تنفيذ مخططهما.. هداهما تفكيرهما إلى وسيلة لقتله لا تترك أثراً أو دليلاً..
كان زوجها يتناول قبل نومه كوباً من اللبن يبتلع معه قرصاً من الأقراص المنومة كى ينام نوماً عميقاً هادئاً يعوضه ما يبذله من جهد فى عمله.
كان تناوله هذا المنوم بناء على روشتة طبية كتبها طبيبه المعالج كى ينام هادئاً طارداً من فكره كابوس الماضى.
اتفقت الزوجة مع عشيقها على إحضار المنوم ذاته ودسه فى كوب اللبن بكمية كبيرة لإنهاء حياته فوراً.. وتصور الوفاة على أنها نتيجة طبيعية لتناوله جرعة زائدة تساعده على النوم السريع.
استمعت الشرطة للمكالمات الأخيرة التى تم فيها عقد العزم والتصميم على وضع الأقراص المخدرة فى كوب اللبن للزوج.
وبالفعل تم لهما ما أرادا وغط الزوج فى سبات عميق..وانتظرا حتى الصباح للإعلان عن وفاته.
لكن الشرطة مصحوبة بسيارة إسعاف مجهزة بها طبيب بعد سماع المكالمة سارعوا لإنقاذه وإلقاء القبض عليهما.
تم نقله إلى المستشفى وأجريت له الإسعافات السريعة اللازمة وانتهى التقرير الطبى الشرعى بعد تحليل السوائل التى تم استخراجها من أمعائه أن كمية المنوم كانت كبيرة وكفيلة بقتله لا محالة لولا كوب اللبن الذى دس فيه المنوم، فقد أبطل اللبن مفعول سرعة تعامل المنوم مع جسمه والتعجيل بوفاته.
لم يصدق الزوج بعد إفاقته ووعودة الحياة إليه ما سمع..أحس أنه يحلم حلماً مزعجاً يريد أن يصحو منه ولكن تلك هى الحقيقة المؤلمة التى عليه أن يواجهها.
باستجوال الزوجة .. اعترفت قائلة:" لقد فات الأوان .. لقد ضاعت كل أمالى وأحلامى، أن استولى على أموال زوجى لأعيش بها حياتى الخاصة مع من أحب..لابد من أن أعترف بالحقيقة.. ده ذنب الراجل اللى أنا ظلمته.. كان عنده أخلاق.. أخلاق كبيرة قوى.. كان محترماً بلا حدود.. قابل اتهامى له وظلمى بأخلاق نبيلة..رفض أن يقول الحقيقة.. الحقيقة اللى حا أقول عليها دلوقت علشان أرضى ضميرى".
"إنه صديق زوجى الذى اتهمته زوراً ودبرت خطة الخلاص منه.. أن أدفع زوجى إلى الشك فيه.. أدخلت فى اعتقاده أنه يراودنى عن نفسى.. يريد أن يقتله ليخلوا له الجو ونتزوج سوياً".. وبالفعل صدق زوجى وغلى الدم فى عروقه وطاش فكره وحمل مسدسه بالفعل وتوجه إليه وأطلق عليه الرصاص قاصداً من ذلك قتله.
كان الصديق حافظاً للعهد راعياً للصداقة.. أقسم أنه لم يمسسنى ولو بنظرة واحدة وأن كل ما ألصقته به كان كذباً.. أنا التى روجت لشائعات مطاردته لى.. أنا التى دبرت هذا السيناريو كى يقدم زوجى على قتل صديقه ويدخل السجن واستولى على ظامواله ويخلو لى الجو مع السائق".
وختمت حديثها والكلمات تخرج من فمها بطيئة متثاقلة... "طمع الدنيا ، الجشع ، عدم الرضا والقناعة.. صحيح المثل "الإنسان ميملاش عينه غير التراب"..
وأغمضت عينيها وهى تردد كلماتها الأخيرة.." أنا حاسة إنى بموت.. لقد تناولت جرعة سامة كنت أحتفظ بها خلسة فى طيات ملابسى عند إلقاء القبض على.. إننى أخرج من الدنيا بلا شىء، لا أحمل معى سوى أوزارى وأخطائى.. وكل ما أطلبه أن يصفح عنى من غدرت بهم فى لحظة مات فيها ضميرى... ثم أسلمت روحها إلى بارئها وماتت.
أما زوجها فقد انطلق بعد شفائه يبحث عن صديق العمر.. بحث عنه طويلاً حتى عثر عليه وقص عليه القصة من أولها إلى أخرها.. وأنهما كانا ضحيتين لتلك الزوجة اللعوب، وطلب منه نسيان الماضى وأن يعودا إلى صفجة الماضى قبل أن يلوثها دنايا تلك الزوجة.. حياة ملؤها الحب والثقة والاحترام.. لكن الصديق رفض هذا معللاً أن عهد الصداقة بينهما قد انتهى.. وتعانقا سوياً وذهب كل منهما فى طريق.