- أيمن الظواهرى يستعير مفهوم الولاء والبراء لإعلان الحرب على المجتمع.. ويعتبر مسلحى "تورا بورا" تطبيقا عمليا لفقه الدم والإرهاب
- رفاعى سرور يُمرّر أفكار التكفير والجاهلية ومُحاربة الجميع تحت لافتة إبليس.. ويُبرِّر الإرهاب طالما ظل الإسلاميون خارج الحكم
- زعيم جبهة النصرة يعترف بمرجعيّته الإخوانية وأنهم منبثقون من فكر البنا.. وكتاب "المصرى" يقرّ بروابط القاعدة مع سيد قطب
- إرهابيّو القاعدة وداعش يستعيرون أفكار مُقتحم البيت الحرام.. و"جهيمان" يعبر للعراق والشام من خلال المقدسى والزرقاوى و"رفع الالتباس"
- الأردنى عاصم البرقاوى يُكفِّر الحجاز ويُبرّر جريمة 11 سبتمبر.. ويشوّه اسم النبى إبراهيم باستخدامه فى خطاب إثارة البغضاء
- المهاجر يستعرض 20 مسألة من فقه القتل والدم ويفتى بمشروعية الذبح والحرق وقطع الرؤوس والإغراق والإلقاء من المرتفعات
- "إدارة التوحُّش" يفضح استراتيجية داعش فى استنزاف الدولة ثم إثارة الفوضى وأخيرًا السلب والنهب والسيطرة على الثروات لإقامة الخلافة
- أبو قتادة يصيغ منهجًا دمويًّا من أفكار الأُصوليِّين الجزائريين وحقبتهم الدموية.. ويؤسِّس لقمع العوام تحت لافتة الحكم باسم الله
- الشنقيطى يُطوِّع مفاهيم الإمامة والبيعة لتسويق تطلُّعات تنظيم داعش.. ويجعل الاختلاف مع تلك الرؤية مُبرِّرًا للصدام والقتل
- شاكر نعم الله يتوسَّع فى تكفير المجتمع وعموم المواطنين لمجرَّد انخراطهم فى المجتمع.. ونيران الكفر تمتدّ للمُمتنعين عن التكفير
- "حليمة" يُحدِّد للجهاديين قواعد تكفير الآخر واستحلال دمه.. ويتدرَّج من الحُكَّام والمسؤولين إلى العوام ومن يحترمون القانون
شهد القرن الأخير تحوّلات جذرية فى بنية الجماعات الأصولية، ربما تتجاوز مثيلتها طوال القرون السابقة منذ اندلاع صراعات السلطة، مرورا بتبدّل الممالك تحت لافتة الخلافة، إلى مرحلة تحلّل آخر تلك الدول المركزية فى الأستانة "اسطنبول"، ودخول عصر الدول ذات الهويات الوطنية. وإذا كانت "الإخوان" وطيف مجاور من الجماعات السنّية مثَّلت معًا الجيل الأول من تلك الطفرات، فإن تبلوّر خطاب العنف الصريح على أرضية سلفية جهادية منذ ستينيات القرن الماضى كان موجةً ثانية، بينما شكَّلت مرحلة الهجرات الجهادية للخارج، مثل أفغانستان وألبانيا وكوسوفو وغيرها الجيل الثالث من تلك الموجات، وصولاً إلى رابع أجيالها مع عودة فلول المقاتلين، وتدشين تيارات حركية عابرة للحدود الجغرافية، وخارجة على المجتمع بكل أطيافه، سعيًا إلى استعادة ماضى الخطابات الأصوليَّة من خلال صيغة الدولة الجامعة، أو الخلافة الإسلامية!
رغم انفلات كثير من الخطابات الماضويَّة، خاصَّة لدى الأصوليِّين من الحنابلة ومن سار معهم، إلا أنّ كثيرًا من تلك المُدوّنات ظلَّت مُنضبطةً نسبيًّا بضوابط قيمية، على الأقل فى مسائل الاعتقاد والتوحيد ومُوجبات الطعن فى الدين، لذا كان على تلك الموجة الجديدة من الحركيِّين ابتكار مسارات بديلة، أو توظيف الخطاب الموروث بآليات مُغايرة، بما يضمن لهم التحلُّل من القيود المؤطَّرة بمُحدِّدات شرعية، وتسييل معايير الكُفر والإيمان، بصورة تُعيد فرز المجتمعات وتصنيفها على وجه أسرع وأكثر حدِّية، حتى يكون بمقدور الساعين إلى استعادة الدولة الدينية المركزية تحييد الخصوم، أو إخراجهم من ساحة الصراع أفرادًا وجماعات، بسُلطة الدين وقُدسيّة النصوص، بدلاً عن الاشتباك النسبى على أرضية السياسة أو تنوُّعات المسالك الفقهية. كثير من أدبيات القاعدة وتنظيم داعش وجماعة النصرة وغيرها من تلك الحركات الناشئة، وظفت النص فى ابتكار آلية حركية جديدة، وفى شرعنة صيغة أكثر دموية تحتفى بالقتل والذبح والحرق والعمليات الانتحارية وقطع الرؤوس والتمثيل بالجثث، سواء عبر العودة لمرويات غير شائعة بشأن حوادث شبيهة فى الماضى، أو اعتماد مفهوم "الإرهاب" المُنتزَع من سياقه المعنوى بالنص القرآنى وإلباسه طابعا ماديا، بالإغراق فى التوحُّش والدموية، وإطلاق مفهوم الجهاد من التقيّد بالمصلحة العامة ورؤية ولى الأمر، إلى حرية الأفراد فى إدارة الصراع واستهداف المجتمع وفق رؤية فردية. وهكذا خرجت تلك التيارات من اتّساع الفقه إلى ضيق العقيدة، ومن تنوُّع الآراء إلى الرأى الواحد المعصوم، ومن تجلِّيات الكتاب والسنّة المُتعدِّدة وفق أفهام الشُّرّاح والمُفسِّرين، إلى فهم وحيد مُغلق، لا أحد سواهم يُجيد مفرداته أو يملك شفرته!
حضرت مُدوّنة الحنابلة فى القلب من طفرات تلك الموجة، ورؤى العمائم المهيمنة لدى قاعدة ابن لادن والزرقاوى، وداعش البغدادى والجولانى، فضلا عن أنصار بيت المقدس والفرقان والمرابطين وغيرها من التنظيمات الإرهابية. إذ استند الجيل الجديد من الحركيِّين والجماعات المُسلَّحة "فوق الوطنية" إلى رؤى ابن حنبل بشأن العقيدة والفقه والنصوص المركزية، واتَّخذ من ابن تميمية وابن القيِّم مرجعيةً فقهية لمسائل الاعتقاد وتقسيم التوحيد وأحكام الديار وجهاد الكفار الأصليين والمُرتدّين، كما تراهم تلك التيارات، وإلى ذلك طعمّت أفكارها بلمحةٍ وهّابية، فضلاً عن استعارة تقنيات الإخوان فى التنظيم والتربية، مع ركائز سلفية مُستجلَبة من مُدوّنات الجماعة الإسلامية والتيارات الجهادية فى مصر، لكنهم إلى جانب ذلك دشّنوا معمارًا خاصًّا بهم من مجموع تلك الخطابات، ومن حصيلة استدعاء النصوص مُباشرةً، وتكييفها مع واقع التنظيمات الناشئة وتطلُّعاتها، وقد أنتج هذا المسار نصوصًا اعتُبرت بمثابة المرجعيّة والتأصيل المُحدَث لتلك المجموعات، لكنها فى واقع الأمر كانت استقراء واستنطاقًا وإعادة بلورة للموروث الفقهى والعقائدى، عبر تلبيس النصوص القديمة عمائم اللصوص الجُدد، لتُفارق صورتها الأولى إلى مساحة جديدة من التبرير المُلفَّق، ومن اختطاف الدين وتشويه الوجه الحقيقى والصافى للقرآن والسنة وأغلب مُدوّنات الأوَّلين، وتوظيفها جميعًا لإنجاز مُخطَّط سرقة الحياة ومُصادرة الإيمان من الناس!
ولاء الظواهرى
انخرط أيمن الظواهرى فى أول موجة جهادية بمصر منذ العام 1966، ثمّ تدرَّج بين مصر والسودان وأفغانستان وغيرها، بعدها التحق بأسامة بن لادن وتنظيم قاعدة الجهاد، وصولاً إلى قيادة التنظيم بعد مقتل المؤسِّس. ومنذ الثمانينيات أصبح واحدًا من مُنظِّرى التيار الجهادى، وبعدها اتُّخذ مرجعيّة فقهيّة للحركيِّين من القاعدة إلى داعش والنُّصرة وأنصار بيت المقدس وغيرها من أطياف الأصوليّة المُسلَّحة.
يرى بلدان الإسلام دار كُفر وحرب، وأن تجريدها من الدين ثابتٌ بالواقع والنصّ والإجماع. وفى كتابه "الولاء والبراء" يعود إلى قاعدة ابن تيمية، مُنطلقًا من تعميم الكُفر إلى وُجوب البراءة منه وموالاة التنظيم فقط، لكنه لا يجعل من تلك الصيغة الحنبليّة قاعدة مُستقرّة أو قيمة مبدئيّة، إذ يُجيز المراوغة والانتهازية لتحقيق الغاية، وبحسب قوله يجوز للمسلم "أن يتلفَّظ ببعض الكلمات ليردّ أذى الكافرين". وفى كتابه "فرسان حول راية النبى" يحتفى بمنتوج سيد قطب فى كتابى الظلال والمعالم، ويستدعى حكايات المقاتلين فى أفغانستان ليُلبسها هيئة فقهية، بما يحوّل تلك المُمارسات إلى نموذج عملى لخطابات الجهاد والفقه.
تتوجَّه كثير من أُطروحات الظواهرى إلى ما اعتبره الجهاديون "فقه الضرورة"، الذى سوّغ لهم إعادة صياغة مفهوم الجهاد من كونه حربًا للدفاع عن الدين والدولة، إلى صيغة اقتتال داخلية؛ بغرض ترقية فكرة على حساب غيرها، وتقديم العدو القريب على البعيد فى أولوية الاحتراب والقتل. وفى كتاب "مصر المُسلمة" يُوظِّف النقد السياسى أرضيَّةً يتأسَّس عليها الخطاب الفقهى، إذ يُعدِّد ما يراه آيات للفساد وخروج الدولة من دائرة الدين، ثم يُصدر حُكمَه بأنها لا تُحكَم بالشريعة، بل تُحاربها، وتُعادى الإسلام، وتعمل على تحطيم المقاومة والمجاهدين، ثم يدعو الأصوليّين إلى مواجهة نُظم الحُكم وتحرير ديار الإسلام.
أما فى "شفاء صدور المؤمنين" فإنه يتّخذ عملية تفجير السفارة المصرية فى باكستان مرجعية لتمرير فقه التكفير واستحلال الدم، استنادًا إلى رؤى الحنابلة وفتاوى ابن تيمية عن ديار الكُفر وقتال المُشركين والنَّيل من دماء المعصومين بدعوى التترّس، ويتناول الكتاب ما أسماه الأُسس الشرعية للتفجير والعمليات الشبيهة، ثمّ يُؤصِّل فقهيًّا للعمليات الانتحارية، ويُبرِّر قتل الأبرياء فى تلك التفجيرات. أما فى كتاب "التبرئة" فإنه يردّ على مُراجعات الأصوليين ووثيقة "ترشيد الجهاد" لمُنظِّر التيار السابق سيد إمام، أو الدكتور فضل، إذ يُبرِّر التترُّس واستحلال الأموال بالسطو والخطف، والغدر ونقض العهد، فضلاً عن اللجوء والتجنُّس بجنسيات الكفار، مع استعارة الظلال الحنبلية بشأن أحكام الديار واستئذان الوالدين للجهاد، وأخيرًا لا يعتبر تأشيرة دخول الدول عهد أمان، فيُجيز التفجير والقتل والتخريب فى بلدان الكفر حتى لو دُخلت بشكل شرعى وتحت مظلَّة قانونية.
دعوة الذئاب
فى فبراير 2012 أصدر الظواهرى مقطعًا ينعى فيه رفاعى سرور، قائلاً إنه استفاد منه كثيرا. الخلفية التاريخية أنهما انخرطا فى التيار الجهادى وتزاملا بالسجن، ولاحقًا أصبح "سرور" المُدان فى قضية تنظيم الجهاد 1981 واحدًا من مرجعيات القاعدة، واعتُمدت كُتبه ضمن أدبيات داعش، وبشعبيته انتقل ابنه "عمر" بين جماعات أنصار بيت المقدس والفرقان والمرابطين، مفتيا بأفكار والده، قبل أن يُقتل فى ليبيا.
فى كتابه "عندما ترعى الذئاب الغنم" يتّخذ الشيطان مُرتكزًا عقائديًّا لتطوير فكرة الفرقة الناجية، إذ يرى أن الحياة بكاملها تدور حول صراعنا مع الشيطان، وهذا الصراع قتال لن ينجو منه سوى واحد من كل ألف، ليُمثّل الباقون كل المناقص، الشرك والكفر والسلطة والحزبية والجاهلية، ثمّ يُسقط أوصاف الشيطان على الجميع خارج التيار الدينى، ويُشرعن مفاهيم العنف والاغتيال والتحصُّن والتترُّس، وهو ما يُحيل إلى سياق تكفيرى ناعم ومُتّسع وأكثر حجّية لدى الأصوليين؛ بارتكازه لخطاب قرآنى عقائدى وليس لفقه الجهاد. وفى كتاب "حكمة الدعوة" يُركّز على ثلاثة مستويات: التبليغ، ثم استخدام القوة، وأخيرًا التمكين وحيازة السلطة. أما فى "التصوُّر السياسى للحركة الإسلامية" فينطلق من جُملة محورية: "وحدة الدعوة ووحدة العدو ووحدة المواجهة"، ويعتبر أن كل حُكم خارج الإسلاميين جاهلية محضة تُوجب الجهاد، ويحتفى بسيد قطب وأفكاره، ويفخر بقتل السادات وأحداث 11 سبتمبر، ويتهم ثورة 23 يوليو بأنها صنيعة أمريكية لإزاحة الإخوان، لكن أخطر ما فيه أنه يُؤسِّس لأولوية اختطاف الأصوليين للسلطة على امتلاك برنامج، مُبرّرًا الأمر بأن عليهم امتلاك الواقع قبل بحث آليات إدارته!
ملة إبراهيم
يلتقى أبومحمد المقدسى، أو عاصم البرقاوى، مع أفكار الحنابلة والتيميّة وامتداداتها، وبشكل مباشر فإن كتابه "ملّة إبراهيم" أقرب إلى إعادة إنتاج "معالم فى الطريق" لسيد قطب، إذ يقضى بجاهلية المجتمع وكُفر الدولة، ويُحرّم الانخراط فى الوظائف الأمنية والعسكرية ويُكفِّر العاملين بها. وتدور فكرة الكتاب حول اعتماد عقيدة إبراهيم مرجعًا للعلاقة، استشهادًا ببراءته من قومه وتصريحه: "وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء". ويعتبر المقدسى أن كل من يتجاوز حكم الله أو يقبل التجاوز كافر، لذا فإن كل الحكومات كافرة ويتعيَّن التبرّؤ منها أسوة بإبراهيم. وفى كتابه "الكواشف الجلية" يُطبق رؤاه على السعودية مُكفّرًا الدولة والمجتمع، ثمّ ينطلق إلى تبرير الاستهداف وإراقة الدم. وفى رسالته "هذا ما أدين الله به" يُؤصِّل لمشروعية قتل الآمنين فى عملية 11 سبتمبر، ويدافع عن مُنفِّذى الهجوم ويعتبرهم شهداء!
فقه الدماء
اتَّخذ الزرقاوى من أبى عبدالله المهاجر "عبدالرحمن العلى" وكتابه "مسائل فى فقه الجهاد"، المعروف باسم فقه الدماء، مرجعيّة فقهية لقاعدة العراق، وأرضية تأسَّست عليها مفاهيم داعش. ويُعدِّد الكتاب نحو 20 مسألة تُبرّر استباحة الدم بكل الصور الوحشية. فاعتبر العالم بكامله دار حرب، والدول الإسلامية مرتدَّة يجب قتالها. كما يُخصِّص فصلاً لإثبات مشروعية قطع رؤوس المحاربين واعتبار ذلك فعلاً مُحبّبًا لله، ويُبرِّر التعذيب والحرق والذبح والإيهام بالغرق، ويتوسّع ليُشرعن القتل بالأفاعى والعقارب وهدم البيوت والإلقاء من المرتفعات، ويُبيح دماء المعصومين بدعاوى الكفر أو التترُّس أو النيل من الكافرين، كما يدعو لامتلاك أسلحة دمار شامل، وخوض حروب شاملة ضد العالم لإعلاء خطاب الفرقة الناجية.
إدارة التوحّش
يرى أبوبكر ناجى "محمد خليل الحكايمة" أن دولة الإسلام تبدأ بالفوضى، وبالتوحُّش وإثارة الرعب وإرهاب المجتمع. إذ يتعيّن على المجاهدين تحويل مناطق عملهم إلى جحيم مُلتهب، وتغذية التناحر بين الجميع، ليُصبح مُمكنًا للجهاديّين التوسُّع فى العنف وإرهاب المجتمع، ثم استمالة الناس وتقديم نموذج المُنقذ. ويدور كتاب "إدارة التوحش" المرجعى لدى داعش حول آليات توظيف القوة لانتزاع السلطة، من خلال ثلاث محطات: جهاد النكاية، ثمّ عموم الفوضى، وأخيرًا التمكين وتأسيس الدولة. الأولى تشمل قتال الجيوش وإنهاكها بما يزيد قدرة الجهاديين على الانتشار والحركة، والثانى إدارة التوحُّش الفوضوى عبر استغلال الغياب الأمنى فى تعزيز قبضة التنظيم والحلول محلّ الدولة، وأخيرًا إقامة الخلافة بامتلاك أبنية سلطوية واقتصادية، ومهاجمة الأعداء، والتوسُّع فى السلب لتوفير مداخيل، وصولاً للسيطرة على الثروات الطبيعية وممتلكات الدولة وشعبها الكافر!
الجهاد والاجتهاد
واكب أبوقتادة الفلسطينى "عمر محمود عثمان" جرائم الأصوليين فى الجزائر بمقالات "بين منهجين"، أصدرها لاحقًا فى كتاب "الجهاد والاجتهاد"، وينطلق فيه من مفاهيم الحاكمية والجاهلية لتكفير المجتمع، فيُكفر الحُكام والعلماء، ويؤصِّل للعنف والقتل والتمثيل بالجثث وذبح الأطفال، كما يُشرعن السرقة والخطف، ويُساوى الكفار الأصليين بالمرتدِّين الذين يُحدّدهم فى ضوء قائمة طويلة من نواقض التوحيد. ويوجّه رؤيته لمستويين: شوكة النكاية ثمّ شوكة التمكين. يستهدف الأول الصدام المُسلَّح وحرب العصابات وإثارة الفوضى، بغرض إراقة الدم وزيادة الخسائر وصولا للانقلاب على السلطة، ويُمثّل الثانى منطلق الدولة الدينية التى يبدأ معها الحُكم بالقوة، إذ لا يجب أن يهتمّ الجهاديّون برضاء الناس، أو ينشغلوا بإعالتهم وإطعامهم، خاصة أنهم سيحكمون بإرادة الله ولا حاجة لهم بقبول المحكومين.
دعوة المقاومة
أخطر ما استند إليه "داعش" من تنظيرات يحملها كتاب "دعوة المقاومة الإسلامية العالمية" 2004، إذ يُحرِّر مؤلّفه مصطفى عبدالقادر ست مريم، أو أبومصعب السورى، مفهوم الجهاد من سُلطة الجماعة ورأى الإمام، ويجعله تكليفًا فرديًّا يُقاس بالدم، ولا يرتبط بغاية إقامة الدولة، ومنه خرجت فكرة الذئاب المنفردة التى توسَّع فيها التنظيم. ويُمثّل كتاباه "التجربة الجهادية" و"فى مواجهة النصيرية"، مرجعًا لدمج التصوّر الحنبلى بالرؤى الحركية لإخوان وسلفيى الشام، فضلاً عن إعادة بلورة مفاهيم الجاهلية والحاكمية وأحكام الديار، وفى "شهادة قادة المجاهدين" يشنّ حربًا على شيوخ السعودية، مُنتقلاً لتكفير المجتمع من بوابة احتكار مفهوم الفرقة الناجية ونفى الجميع خارجها، وفى "باكستان مُشرّف" يعتبر الدولة الحديثة خروجًا على الدين، وأن مُشكلة عدم تقدُّم أهل الشرع لا تُحَلّ إلا بالعودة للفريضة المُتعيّنة، وفرض الأمر بالجهاد واستباحة الكفار!
إعلام الأنام
ينطلق كتاب "إعلام الأنام بميلاد دولة الإسلام" لكاتبه عثمان بن عبدالرحمن التميمى، المسؤول الشرعى لتنظيم داعش، من مركزية فكرة الخلافة باعتبارها "وسيلة للقضاء على جاهلية المجتمع والرجوع إلى عصر النبى"، وهو يعتبر التنظيم أرضية الدولة، والمسلمين فى أنحاء العالم مواطنين لديه ولو لم يختاروا، ثم يُؤسِّس لأن الخلاف ليس على الأحكام وإنما على التفسير، ومنه ينتقل لمفهوم الشريعة وآليات تطبيقه، ويُعزِّز مُفردات التوحُّش والردع، عبر التوسُّع فى التكفير، ثم التأصيل للقتل، وتبرير الصور المُتوحِّشة للإرهاب والتمثيل بالأعداء.
الإمامة والبيعة
الانتقال من مرحلة الجماعات المقاربة لصيغة الميليشيات، إلى مستوى التنظيم المستقر أو الدولة المتماسكة، كما فى تجربتى القاعدة وداعش، كان يستلزم تأسيسًا فقهيًّا لإنجاز تلك القفزة، وهو ما يُحقّقه أبوالمنذر الشنقيطى فى كتابه "فصول فى الإمامة والبيعة"، الذى يُعدّ أحد أهم أدبيات الدواعش، إذ يُشدِّد على أن "تنصيب الإمام واجب شرعى فى كل مكان وزمان، ومن زعم أنه غير واجب فقد افترى على الله، لأنه عارض الائتلاف وزعم أن الشرع أقرّ التفرُّق والاختلاف". ومن تلك الرؤية يتَّجه إلى أنه لا يجوز تأجيل الإمامة، وبالتبعية تُصبح فكرة الخلافة واجبًا، وتكتسب الأدوات والمسارات المُحقِّقة لها حُكم الوجوب نفسه، سواء بتكفير المخالفين أو قتالهم أو الجهاد لانتزاع السلطة واستكمال هيكل الدولة!
الطائفة المنصورة
يعتبر "معالم الطائفة المنصورة فى بلاد الرافدين"، لعضو اللجنة الشرعية لقاعدة العراق ومسؤول إعلامها، عبدالله المهاجر، أو ميسرة الغريب، أن الإقرار بصيغة الدولة الحديثة، والديمقراطية، وقبول القانون الوضعى، أسباب كافية للكفر والخروج من الملَّة، كما تُبيح الدم. وتشمل تلك الرؤية الأحزاب السياسية، والجمعيات الأهلية، والتيارات الإسلامية المنخرطة بالانتخابات، والعوام الذين يقرّون ذلك، ومن تلك الموجة التكفيرية الواسعة يُبرّر توسيع رقعة القتل، وانتهاج أساليب رادعة أو مُحقِّقة للإرهاب الذى يهزّ المجتمع ويضمن النصر!
الشك واليقين
يتوسَّع عبدالرحمن شاكر نعم الله، أو حلمى هاشم، فى انتهاج التكفير قاعدة يتأسَّس عليها التأصيل الدينى للعنف، باعتباره مواجهة مع الباطل وجهادا لإقامة الدين. ويُخصّص كتابه "أهل التوقف بين الشك واليقين" لشرعنة الفكرة، والردّ على المتردِّدين فى تكفير الدول ومواطنيها، فيجعل ذلك أصلاً يمتدّ للممتنعين عن تكفير الآخر، إذ البلاد جميعًا دار كُفر، ومن توقَّف فى التكفير فهو كافر أيضًا، بما يبيح دماء كلّ المُخالفين. وتنسجم تلك الرؤية مع أدبيات داعش، بالرسائل أو المواد المصوَّرة والتوسُّع فى الذبح والحرق وقطع الرؤوس والتمثيل بالجثث. فيقول فى أحد إصداراته: "الشعب هو الذى اختار شركاء لله فى التشريع"، وبحسب موقف مسؤول إعلامه أبوحكيم الأردنى، الذى نشره معارضون له عبر تليجرام منتصف 2019، فقد بات الأصل لدى التنظيم تكفير الجميع، بما يترتب على ذلك من استباحة الدماء والتمادى فى إزهاق الأرواح بأبشع الصور المرسِّخة لخطاب التوحُّش والردع بالإرهاب!
قواعد التكفير
كان عبدالمنعم حليمة، أو أبوبصير الطرطوسى، واحدًا من إخوان سوريا، ولعب دورًا فى تحويل الصراع السياسى مع نظام الأسد إلى صراع عقائدى ضد العلويّين، مُستعينًا بتكفير ابن تيمية لهم. التقى عبدالله عزام بأفغانستان وكان مُقرّبًا من الزرقاوى، واعتمده "داعش" ضمن مرجعيّاته. وكتب "قواعد فى التكفير" مؤصِّلا للمُمارسات العنيفة بالأدوات الحنبلية والتيميّة، كما توسَّع فى تعميم الكفر وتضييق حيِّز الفرقة الناجية، وفى "هذه عقيدتنا" يُقدّم تصوُّرًا مُغلقًا للإسلام، يُمهّد لمُخاصمة المجتمع والصدام معه، بغرض تهيئة القاعدة المُلائمة لانتزاع السلطة. وينطلق فى تعميم التكفير من الحكام، ثم المسؤولين، ثم العلماء، وأخيرا العوام الذين يُقرّون الحكم أو يقبلون صيغته الاجتماعية، ويقول فى كتاب الطاغوت: "إن كان العبد يتحاكم إلى شرع غير الله ولو فى جزئية من حياته فهو عبد لهذا الغير... إذ الحكم والتشريع من خصوصيات الإلهية، فمن ادعاه لنفسه فقد ادعى الإلهية، ومن أقر له بهذا داخل فى عبادته"، وينفى العذر بالجهل ويعتبر المُنخرطين فى المجتمع عبيدًا للطاغوت يجوز استهدافهم، ثمّ يُغذى النزعة الدموية بالقول: "أكثر من نصف القرآن ومئات من أقوال النبى تدعو للجهاد ومحاربة الطغاة الظالمين".
نقاط الارتكاز
كان سيد قطب المعبر الذى انتقلت منه أفكار المودودى وابن تيمية للتيارات الحركيّة، ويبدو ذلك واضحًا فى احتفاء جهاديى القاعدة وداعش وغيرها بأفكاره، ومنهم أبوأحمد المصرى الذى وضع كتابه "نقاط الارتكاز بين سيد قطب وأسامة بن لادن"، دامجًا الأُسس المرجعية للحاكمية وتكفير المجتمع، بالأبعاد الحركيَّة وما رسَّخته القاعدة من مُمارسات دمويّة. ويُقدِّم المقدسى للكتاب، مُشدِّدًا على ضرورة التزام منهجيّته فى الجمع بين خطاب الدعوة وممارسات الجهاد. وتلتقى تلك الرؤية مع تقعيد داعشى مُماثل على لسان الجولانى، الذى كان نائبا للبغدادى وقائدا لجبهة النصرة، اعترف فيه بتدريس كتب الإخوان وقطب لأنهم يدعمون الجهاد وقتل الكافرين، وبحسب كلامه: "الإخوان جماعة جهادية، والنصرة مُنبثقة من فكر حسن البنا".
رفع الالتباس
رغم إعدام جهيمان العتيبى فى يناير 1980، بعد شهر من اقتحامه المسجد الحرام، إلا أن أفكاره امتدّت زمنيًّا إلى أن وصلت للجهاديين. بدأ الأمر بتدشين تيار "أهل الثوريين" الذى انخرط فيه المقدسى والزرقاوى وآخرون ممّن أصبحوا مُنظِّرين للقاعدة وداعش، تبعه انتقال أفكاره مباشرة ومن خلال الوسطاء للجهاديين. وفى كتابه "رفع الالتباس عن ملّة من جعله الله إمامًا للناس" يُقارب مفهوم الجاهلية وما ينبثق عنه من تكفير عام، ويحضّ على مواجهة الدولة والانفصال عن بنائها ووظائفها، ثم يُطوّر العداء إلى مواجهة مُسلَّحة مع السلطة ومن يقبلون بها، بغرض فرض التحاكم للشريعة. واكتسبت أفكاره أهمية من امتلاكها تجربة عملية، برهن فيها على أنه لا حدَّ للتكفير والقتل، إذ استحل دماء المعصومين فى قلب الحرم!
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة