نقرأ معًا كتاب "الكساد الكبير والصفقة الجديدة: مقدمة قصيرة جدًّا" تأليف إريك راشواى، ترجمة ضياء ورَّاد مراجعة هانى فتحى سليمان، والصادر عن مؤسسة "هنداوى"، وينطلق الكتاب من فكرة أن إخفاق جيل فى التعامل مع التغيرات الحادة التى ساقتها الحرب العالمية الأولى أدى إلى اشتعال فتيل الكساد الكبير الذى يعد كارثة ذات أبعاد عالمية كان من الممكن التنبُّؤُ بها، بل كانت متوقعة بالفعل.
وفى هذا الكتاب، يبين المؤلف كيف أن الدور المحورى الجديد الذى لعبته الولايات المتحدة فى سنوات ما بين الحربين العالميتين قد جعل من الأخطاء التى وقعت فيها القيادة الأمريكية أحداثًا هزَّتْ أركان العالم، وقد أفسح نطاق الأزمة المجال أمام قيادة فرانكلين روزفلت المثيرة للاهتمام وللجدل، لتضع صفقته الجديدة الولايات المتحدة على مسار سياسى جديد تمامًا.
يستعرض المؤلف بين دفتى هذا الكتاب النجاحات الرئيسية التى حققتها الصفقة الجديدة والإخفاقات التى مُنيَت بها، موضحًا أسباب نجاح بعض برامجها وإخفاق البعض الآخر، وفى نهاية الكتاب، يوضح كيف تمكنت إدارة الرئيس الأمريكى روزفلت بعد الحرب العالمية الثانية من تقديم استراتيجيات الصفقة الجديدة إلى الساحة العالمية.
يقول الكتاب:
مرت الولايات المتحدة بفترات كساد قبل ثلاثينيات القرن العشرين، إلا أن الكساد الكبير، من حيث النطاق الذى شمله والفترة التى استغرقها وحداثة تسجيل وقائعه، أدَّى أيضًا إلى انضغاط عظيم فى الأجور، فالدولة المترابطة حديثًا (كان بمقدور الأمريكيين فى العشرينيات من أعمارهم أن يتذكَّروا الوقتَ الذى كانت لا تزال توجد فيه أقاليم غربية، بدلًا من الولايات الكاملة) أصبح لديها المذياع والأفلام الإخبارية فى جميع المدن كى تعرف منها بنفسها كيف كان شعبها يعانى، ومع استمرار الكساد، أخذ يضع الطبقة الوسطى أكثر فأكثر فى ظروف الفقراء، وشجَّع على المشاركة الوجدانية بين الطبقات.
كان بإمكان الأمريكيين فى الأربعينيات من أعمارهم تذكر آخر كساد عظيم مر بهم، عندما أدى الاضطراب العالمى فى منتصف تسعينيات القرن التاسع عشر إلى إضرابات مخيفة، ودفع جحافل العاطلين عن العمل إلى أن يضربوا الأرض إلى الريف بحثًا عن العمل الذى لم يجدوه، وفى غمرة الكساد، أدلى أغلب المصوتين بأصواتهم ضد ويليام جنينجز براين، الديمقراطى الذى ادعى أنه يتحدث بلسان المقهورين، ولكن بوسع الأمريكيين الذين ينتمون إلى هذا الجيل أيضًا أن يتذكَّروا أن تسعينيات القرن التاسع عشر وقعَتْ إبان عصر من العولمة، وأن يتذكروا كذلك كيف كان عدد كبير جدًّا من العمال بالدولة من المهاجرين، أى من شعب آخَر، وقُبيل الكساد الكبير، لم يَعُدْ ذلك هو الواقع حينها، فالحرب العالمية الأولى أبطأت من الهجرة حتى كادَتْ تتوقَّف تمامًا، كما أوصد تشريعُ عشرينيات القرن العشرين المقيِّد للهجرة الباب الذهبى لأمريكا على نحو شبه كامل، وبدا أن المصانع لم تَعُدْ تعجُّ بالعمال الأجانب القادمين حديثا؛ وبذلك سدت إحدى الفجوات التى كانت تفصل، منذ جيل مضى، بين الطبقة الوسطى والطبقة العاملة.
كما عملت شدة نائبة الكساد على تقليص المسافة بين الأثرياء والمعوزين، فانتقل الكثيرون من فئة إلى أخرى سريعًا، حتى إن العاملين أخذوا على نحوٍ متزايد يشعرون بالمشاعر نفسها لبنى جلدتهم من العاطلين عن العمل، تضاءلت الفجوة بين شرائح الدخل، ومع أن الأمريكيين من الطبقة الوسطى كانوا فيما مضى — ولم يكن ذلك من وقت بعيد — يعتبرون دون تفكيرٍ أى شخصٍ دون عمل شخصًا كسولًا، ولربما كانوا يعتبرون أيضًا أى شخص يدَّعِى أن الحكومة عليها تقديمُ العون له شخصًا ذا أفكار راديكالية، ازدادت نظرتهم فى ثلاثينيات القرن العشرين إلى الملايين الذين يعانون بينهم على أنهم أناس لا يختلفون عنهم كثيرًا، عملوا لبناء الدولة التى بدا آنذاك أنها تنهار.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة