فقيه مالكى وإمام أشعرى من علماء أمازيغ الأندلس ، وأحد رجال الحديث وصاحب التصانيف ، ولد في مدينة بطليوس جنوبي غرب الأندلس، نشأ في بيت عرف بالورع والصلاح والتقوى والتدين.
بعد مجيء الإسلام، وبعد أن مكن الله لهذا الدين، كان لازما وحتما أن يكون لهذا الدين نظام اجتماعى عادل يحتكم إليه المجتمع، ويحتمى به من بطش الظالمين والمعتدين، فكان ثمرة الإسلام غلغل العدل فى نفوسهم فأظهروه فى أحكامهم، وفقهوا واقع الناس وملابسات الحوادث فأسهموا فى إعادة الحقوق إلى أصحابها فى أقرب وقت، فهم نماذج مضيئة لقضاة اليوم من أبناء الإسلام فى أى مكان، وعليهم الأخذ بسننهم والاقتداء بأحكامهم، ليتحقق العدل على أيديهم، ويسود الأمن والأمان للناس فى وجودهم، وتسعد الدنيا بهم. من بين هؤلاء القاضى الجليل والإمام " أبو الوليد الباجي".
هو القاضي أبو الوليد سليمان بن خلف بن سعد بن أيوب بن وارث التجيبي الأندلسي القرطبي الباجي المالكي، ولد أبو الوليد الباجي في سنة 403 هجريا بمدينة بطليوس جنوبي غرب الأندلس، لأسرة عربية أصيلة يرجع نسبها إلى قبيلة " نجيب " التي أثنى عليها رسول ألله صلى ألله عليه وسلم، ثم انتقل بعد ذلك مع أسرته إلى مدينة باجة، جنوبي البرتغال، ثم أستقر مع أسرته في مدينة قرطبة، وكان من أهل بيت عرف بالورع والتقوى والتدين والإلتزام، حيث كان والده تاجراً في قيروان باجة، التي أرتحل إليها من بلده طلبا للرزق.
بدأ أبو الوليد الباجي طلب العلم بشكل كبير، حيث حرص على تحصيل العلم بشتى الوسائل والطرق بالتدريج، حيث بدء تلقى دروس العلم على يد علماء بلده بالأندلس غربًا، ومن علماء الحجاز والعراق شرقًا، فبعد أن استوعب أبو الوليد الباجي علوم الأندلس، ونبغ في فنون متعدِّدة في سِنِّ الفتوة وهو ابن الثالثة والعشرين من عمره ـ فإنه بالرغم من الفوضى السياسية التي عمَّت ربوع الأندلس وانتشرت في عهد ملوك الطوائف ـ فقد وجد في نفسه عزمًا قويًا، ورغبة ملحة في المزيد من طلب العلوم، فقرَّر الرحيل صوب المشرق الإسلامي سنة (426ﻫ).
وفي أثناء سفره تعرَّف على أحوال الأدب، في الأقطار الإسلامية التي مر بها، ومدى ميول الناس إلى الأدب وكثرة اشتغالهم به نظما ونثرا، فعقد العزم على الانقطاع لطلب العلوم الشرعية لقلة من يجيدها من العلماء.
المناظرات العلمية التي أجراها أبو الوليد الباجي بالأندلس، وظهور مؤلفاته الأصولية والفقهية، وانتشار علمه وبزوغ صيته، فضلًا عن اتصافه بالتدين والتقوى، ما دفع عمر بن محمَّد المتوكل بالله بن الأفطس إلى توليته منصب القضاء بأماكن كثيرة منها " أريولة "، وما شابها من الأماكن التي تليق بمنزلته، لنظر مشاكل الناس، وفض المنازعات بينهم، وإنصاف المظلوم وإعلاء كلمة الحق.
توفى القاضي " أبو الوليد الباجى " في شهر رجب من عام 474 هجريا، وذلك بعد أن قضى حياته في التعلم والفقه، ودعوة حكام الأندلس التكاتف مع المرابطين لنصرة دين ألله، وتنحية خلافاتهم جانبا ووضع مصلحة الإسلام صوب أعينهم، ضد الملك " الفنسو السادس " الذى كان يتربص بالإسلام ودولة ويكيد لهم المكائد .