فى التاريخ الإسلامى نساء استطعن أن يحفرن أسماءهن بحروف من نور ونار، تمردن على أوضاعهن، فاستجاب لهن التاريخ، وتحول على أيديهن إلى دراما حية لا تموت ولا تُنسى، تظل أحداثها تتردد عبر العصور، ما بين المجد والملهاة والمأساة، ومن بين أبرز الأسماء النسائية فى التاريخ، السلطانة كوسيم أشهر نساء التاريخ العثمانى، حكمت البلاد ما يقرب من نصف قرن كاملًا، فكانت زوجة السلطان ومن بعده أم السلاطين، وصفها المؤرخون بـ" ذكية إلى درجة عالية وماكرة ومراوغة، صانعة للخطط السياسية والمؤامرات بمنتهى الدقة، مؤثرة ومقنعة لدرجة كبيرة".
"أناستاسيا" تلك الطفلة الصغيرة التي ولدت في جزيرة تينوس في اليونان لأب "أسقفًيا"، وقعت في الآسر على يد سيد أسياد البوسنة وكانت حينها لم تتعدى الـ16 عامًا، ثم أرسلها إلى الباب العالى في اسطنبول كهدية إلى حرم السلطان أحمد الأول، دخلت "اناستاسيا" الإسلام وغير اسمها إلى "كوسيم" .
السلطانة كوسيم
كانت الفتاة ذكية لدرجة كبيرة، استغلت اعجاب السلطان أحمد الأول بها ووصلت به إلى درجة العشق بجنون حتى تزوجها، وأصبحت السلطانة "كوسيم" سيدة قصر"توبكابي" العثمانى، وأنجبت السلطانة خمسة أبناء "شاه زاده محمد ومراد الرابع، وشاه زاده قاسم، وشاه زاده سليمان، وإبراهيم، ومن البنات خمس"وهن عائشة وفاطمة وجوهر خان وهانزاده وبورناز عاتكة".
السلطان أحمد الأول
"وجه القمر" تلك المرأة ذات الجمال الأخاذ، وصف جمالها أحد المؤرخين العثمانين في كتاب السلطانات الوالدات في البلاط العثمانى أن" لون شعرها بنى، ذات بشرة بيضاء وردية، لها هيبة وجلال لمن رأه، عيناها رمادية تشبه عين الغزال".
لم تهتم "كوسيم" بالتدخل السياسيى في بداية حياتها داخل القصر بعد زواجها من السلطان أحمد الأول، ولكن بعد وفاته تغير الأمر، لعبت أدوار سياسية معقدة، فقد ظهر حبها للسلطة، فأبعدت بخططها الأمير "عثمان" ابن ضرتها السلطانة الكبرى "خديجة ماه فيروز" عن السلطنة، حيث اتفقت مع الأمير"مصطفى" عم أولادها على تعليه حكم السلطة لحين أن يكبر ابنها الذى كان طفلًا في ذلك الوقت، على أن تكون السلطانة "كوسيم" هي سيدة الحرملك الأولى بلا منازع.
لم يدم السلطان مصطفى أكثر من ثلاثة أشهر في الحكم، بعد أن انتصرت السلطانة "خديجة ماه فيروز" واعتلى ابنها أسدة الحكم السلطان "عثمان الثانى"، ولكن لم تستسلم "كوسيم" ودبرت لاغتياله واغتيال أمه التي ساعدته للوصول للسلطة، وبعدة فترة وجيزة، ظهر ابنها "السلطان مراد " وكان يبلغ من العمر 11 عامًا، وأخيرًا تحقق حلم "كوسيم" وأصبحت السلطانة الأم، كانت فرصتها إدارة شؤون البلاد وإدارة جلسات الديوان السياسى، حينها كانت لم تتعدى الـ 30 عامًا.
ظلت السلطانة "كوسيم" ما يقرب من 9 سنوات هي الحاكمة للبلاد إلى حين أن كبر السلطان "مراد" وسرعان ما نحاها عن الحكم وأمرها أن تقطع اتصالاتها بكافة رجال الحكم وإلا ستنفى بعيدًا، ولكنها لم تستجب له.
ورث السلطان "مراد" من أمه حبه للسلطة وحكم البلاد فحاول التخلص من أخيه إبراهيم طمعًا في العرش والثروة، ولكنه توفى في سن الـ27 عامًا وكان لم ينجب أولادًا، ثم تولى السلطان "إبراهيم" الحكم، ولأمه كان سلطان ضعيف الشخصية، فمنحها الفرصة للظهور مرة أخرى على الساحة السياسية؛ فتحالفت مع قادة الجيش "آغوات أوجاق أغالري" لتقاسم إدارة الدولة في ظل حكم ابنها الضعيف.
السلطان مراد
شعر "إبراهيم" بمكايد أمه وتدخلها في الحكم؛ فهددها بالنفي خارج البلاد، ما اشتد غضبها وآلاعيبها وقررت آلا تتنازل مهما كلفها الأمر، فحاكت المكائد ضد ابنها فعزلها وحكم عليه بالإعدام، وتولى ابنه ولى العهد الأمير"محمد شاه زاده" الذى لم يتعدى الـ6 سنوات، وأصبحت هي نائبة السلطان، عادت مرة أخرى لعرش السلطة العثمانية من جديد .
السلطانة خديجة
في ذلك الوقت ظهرت على الساحة "خديجة تارخان" أن السلطان "محمد الرابع" والتي لقبت بـ" السلطانة الأم، حيث اشتد العداء بينها وبين السلطانة "كوسيم" التي قررت التخلص من حفيدى السلطان طمعًا في الحكم وكيدًا في "خديجة تارخان"، ليتولى الحكم أخوه "سليمان" والذى كان من أمِ أخرى.
لم تنتهى المكايد بعد داخل القصر العثمانى، حيث دبرت السلطانة"خديجة تارخان" قتل السلطانة "كوسيم" بمساعدة رئيس الحرملك، فقتلوها خنقًا داخل غرفتها وكان عمرها 62 عامًا، ودفنت بجوار زوجها السلطان "أحمد".
اغتيال السلطانة كوسيم
ورغم هذا الجانب المظلم لها فى السياسة كانت "كوسيم " تشتهر في حياتها بأعمال خيرية كثيرة، فكانت ساعد الفقراء وتسدد ديونهم، وتساعد في زواج الفتيات، كما اهتمت ببناء المساجد والأسبلة والمدارس داخل أنحاء السلطة العثمانية .