أكد الدكتور حسين عبد البصير، مدير متحف آثار مكتبة الإسكندرية، إننا كأثريين وعلماء آثار مصرية، لا نعلم على وجه اليقين من هو الفرعون الذي عاش في عهده سيدنا موسى عليه السلام كي نقول إن فرعون موسى هو الملك رمسيس الثاني على وجه التحديد. ومن الجدير بالذكر أن الله سبحانه وتعالى لم يحدد لنا اسم ذلك الفرعون؛ كي يترك لنا الأمر مفتوحًا من أجل التنفير من كل من تجبر وظلم وطغى فى كل زمان ومكان، كما أننا لا نعلم من هؤلاء الذين قاموا بدراسة مومياء الملك رمسيس الثاني، وأين عثروا على هذه الأعشاب البحرية التي يشير إليها فضيلة الشيخ الدكتور على جمعة، مفتي الديار المصرية الأسبق وعضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، وما الدليل عند فضيلته على أن الملك رمسيس الثانى مات غرقًا.
جاء ذلك ردًا على كلام الشيخ الدكتور علي جمعة في برنامجه الذى يقدمه على قناة مصر الأولى، أمس الثلاثاء، والذي قال فيه إن فرعون وجنوده بعدما لحقوا ببني إسرائيل، وهم في منتصف البحر انطبق عليهم، فقال فرعون أمنت بالذى آمنت به بنو إسرائيل، منوهًا بأن فرعون نجى ببدنه، ورغم غرقه وهلاكه، فإن المياه لفظت جسده إلى الشاطئ، مستدلاً على ذلك بقول الله سبحانه وتعالى:" فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً"، موضحًا أن جسد فرعون تم تحنيطه، منوهًا بأنه عندما تم إجراء اختبارات على جثة رمسيس الثانى وجدوه قد مات بإسفكسيا الخنق الناتج عن الغرق، ووجدوا بعض الأعشاب البحرية بداخله للتأكيد على أن هذا هو فرعون موسى، وأن الله قد أبقى هذه الأعشاب ليقول إن ذلك هو فرعون موسى.
وأضاف الدكتور عبد البصير قائلاً إن حقيقة الأمر إن لدى عددًا كبيرًا من المصريين وغيرهم اعتقاد بأن "الفرعنة" والتجبر والاستبداد والديكتاتورية والطغيان صفات حكام مصر بعصر الفراعنة، ويطلقون عليهم جميعًا لقب "فرعون" وجمعهم "فراعنة" دون أدنى استثناء، وكذلك يطلق المصريون أنفسهم وغيرهم على الشعب المصرى كله لفظ "فراعنة". وجاء هذا الاعتقاد نتيجة لما ورد فى الكتاب المقدس (العهد القديم) والقرآن الكريم عن طغيان وتجبر وتكبر وتأله الملك المصرى القديم الذى أطلق عليه لقب "فرعون"، دون أن يسميه، وعاش فى عهده نبى الله موسى عليه السلام، كما سلف القول.
وتابع عبد البصير، ومع التسليم بما جاء في الكتب السماوية عن فرعون موسى عليه السلام، فإنه لا يجوز اتهام كل حكام مصر الفراعنة بنفس صفات الطغيان، والتأله والتجبر التى كان يتصف بها ذلك الفرعون المذكور في تلك الكتب، فكان من بين حكام مصر الصالح والطالح والمؤمن والكافر والقوى والضعيف والعادل والظالم وغيرهم، ولا يمكن بأى حال من الأحوال إطلاق لقب "فراعنة" -الذي كان يطلق على الحكام الفراعنة فقط- على كل المصريين من أفراد الشعب المصري، لأنه من غير المنطقي أن يطلق لقب "قيصر" -الذي كان يخص الإمبراطور الروماني- على كل أفراد الشعب الرومانى أو الروم، كما أن لقب "فرعون" لم يكن يدل على تجبر كل الحكام المصريين، وكذلك لم يكن يدل على شعب معين أو جنس محدد؛ وإنما هو لقب إدارى بحت يشير إلى حكام مصر القديمة.
وأوضح الدكتور عبد البصير، أن النصوص المصرية القديمة قد أطلقت على الحاكم لفظة ملك "نسو" ولفظة إله "نثر". وقد قُدس الملك في العبادة المصرية القديمة في حياته وبعد مماته وفقًا لهذا المفهوم ولتلك النظرة المقدسة للملك المصري القديم. وعلى الرغم من أن دراسة طبيعة ومفهوم الملكية في مصر القديمة توضح أنه إذا كان ملك مصر ينعت عادة بلفظ «إله»، فإنه فى نصوص أخرى كان يُعامل على أساس غير إلهى مقدس بالمرة. وفي واقع الأمر، فإن أصل الحقيقة يرجع إلى أن الملك في مصر القديمة كان يحوز ويحافظ على الألوهية المقدسة كنتيجة لعدد من الطقوس الملكية المهمة والتي كان من خلال ممارسته لها تتحقق له إلوهيته الرمزية والفعلية على السواء.
وختم عبد البصير رده قائلاً، في النهاية، أقول إن طبيعة الملك الحاكم في مصر القديمة كانت تختلف تبعًا لطبيعة العصر الذي عاش فيه الملك خصوصًا في عصور القوة والثراء وامتداد الحكم وقد أضفت تلك العصور بالضرورة على ملوكها المهابة والقداسة، فمال بعضهم إلى تقديس ذاته في حياته، مثل سنوسرت الثالث ورمسيس الثاني. وكانت طبيعة الملك تختلف وفقًا لطبيعة وشخصية الملك نفسه؛ فكان منهم ملوك مؤلهون في حياتهم، وكان هناك آخرون عاديون في حياتهم ومقدسون بعد وفاتهم. غير أنه في الأغلب الأعم كانت القداسة تحيط بأغلب ملوك مصر القديمة؛ لأنهم كانوا أبناء الآلهة على الأرض الذين يحكمون مصر والعالم نيابة عن آبائهم الآلهة المقدسين!