56 عاماً مضت على ذكرى تحويل مجرى النيل إيذاناً بانتهاء المرحلة الأولى من بناء السد العالى وبدء تحول جديد فى مستقبل مصر، فمنذ ذلك التاريخ 16 مايو 1964، يحتفل المصريون فى كل عام بهذه المناسبة التى وقف فيها الرئيس الراحل جمال عبد الناصر وبجواره رئيس وزراء الاتحاد السوفيتى نيكيتا خروشوف، لإعطاء إشارة البدء فى تحويل مجرى النيل للسد العالى بعد إزالة السد الترابى وسط فرحة كبيرة من العاملين فى هذا المشروع الأكبر خلال تلك الفترة.
ولا يزال فى تاريخنا هذا يعيش عدداً من العاملين الذين عاصروا بناء السد العالى وكانوا شاهدين على معجزة هذا القرن آنذاك، والتقى "اليوم السابع" بعددٍ منهم يروون قصة كفاح ونضال عاشوها حتى يخرج إلينا السد العالى حامياً مصر من مخاطر كثيرة عبر تلك الفترة ولفترات أطول مستقبلا.
محمد إبراهيم، أحد المشاركين فى بناء السد العالى، والذى تجاوز عمره الـ 70 عاماً، ولكنه لا يزال يتذكر تلك المشاهد التى عاصرها خلال فترة بناء السد العالى، ووصف هذه الفترة، قائلاً: "كانت أيام كفاح وصبر، آلاف العاملين كانوا مستعدين لتقديم أرواحهم فداء لإتمام هذا المشروع الذى أحسوا أنه سيكون مستقبل هذا البلد على مدى أجيالاً وأجيال.
وتابع "إبراهيم" الحديث، قائلاً: كنتُ قد التحقت بالعمل فى منتصف عام 1962 وعاصرت لحظات الكفاح والعرق فكان العمل فى السد العالى لا يتوقف، ورديات تسلم ورديات لإتمام هذا المشروع خاصة بعد الدعم الكبير الذى سخرته الدولة فى ذلك الوقت لإنهاء هذا المشروع بعرق وجهد المصريين وراح ضحيته الآلاف من العاملين الذى كانوا يمرضون ويتعبون وقد يفنوا جراء أعمال التفجير التى تحدث فى الأنفاق، وبعد عامين فترة عملى بالمشروع استعد الجميع لافتتاح المرحلة الأولى.
وأوضح محمد إبراهيم، أن المرحلة الأولى لافتتاح السد العالى كانت عبارة عن تحويل مجرى النيل إلى جسم السد العالى بحضور الرئيس الراحل جمال عبد الناصر ورئيس وزراء الاتحاد السوفيتى نيكتا خرشوف، بعد أن حضروا إلى أسوان وضغطوا على زر التفجير لإزالة الساتر الترابى عن المياه التى بدأت تتدفق وتندفع نحو السد، وسط فرحة كبيرة من العاملين فى المشروع، وغنى واحتفل الجميع فى ذلك الوقت.
عبد الغنى حامد محمود ، 72 سنة، أحد بُناة السد العالى، أشار إلى أن يوم تحويل مجرى النيل كان بمثابة يوم تاريخى لا يمكن أن يزول من ذاكرته لأنه من أجمل الأيام التى مرت عليه فى حياته، وأن السد العالى كان بمثابة تحدٍ كبير ورحلة كفاح مصيرها الحياة أو الموت فى سبيل الانتهاء من بناء السد، وهذه الروح العالية استمدوها من زعيم الأمة وقتها الرئيس الراحل جمال عبد الناصر والذى رفض الانصياع لأوامر الغرب واتخذ قراراه التاريخى بتأميم قناة السويس وبناء السد بإرادة الشعب وتضحياته، بعد قرار البنك الدولى بـ"توصيات أمريكية" رفض تمويل السد العالى.
وأوضح "عبد الغنى"، بأن الدولة المصرية نظمت احتفالاً بهذه المناسبة، فأقامت حفلاً كبيراً حضره العمال من حفلات أضواء المدينة التى أحياها نخبة من الفنانين منهم عبد الحليم حافظ وفريد الأطرش وشادية وغيرهم.
محمد يوسف، أحد العاملين المشاركين فى بناء السد العالى، والذى يبلغ من العمر 68 عاماً ويقيم فى منطقة السد العالى شرق بمدينة أسوان، تلك المنطقة الشاهدة على مسكن العاملين فى مشروع بناء السد العالى، ولا يزال العم "محمد" يتذكر تلك الفترة التى تمت فيها بناء السد، قائلاً: التحقت بالعمل فى السد العالى عن طريق خطاب وزارة القوى العاملة قادماً من محافظة سوهاج، وانتقلت من مركز البلينا إلى أسوان للعمل فى السد العالى، وبعد فترة من عملى تزوجت وأتيت بزوجتى إلى أسوان وأنجبت 5 أولاد "بنتان و3 ذكور"، وكنت أحصل على 21 جنيهاً مرتباً شهرياً وكان راتباً جيداً يلبى الاحتياجات، بالإضافة إلى البدلات التى كانت تصرفها الهيئة والمميزات التى توفرها أيضاً للعاملين فى السد ولأسرهم أيضاً.
وقال "يوسف"، إنه التحق بالعمل فى السد فى مراحل إنشائه الأخيرة، وكان قد أدى الخدمة العسكرية وشارك فى حرب أكتوبر 1973، وهكذا انتقل من انتصار لانتصار، خاصة أن فكرة تفجير الساتر الترابى لتحويل مجرى النيل، أوحت للمقدم باقى يوسف حنا بفكرة تفجير خط بارليف بالماء خلال حرب أكتوبر عام 1973.
فى المقابل، أكد المهندس حسين جلال، رئيس الهيئة العامة للسد العالى وخزان أسوان، أن السد العالى من أعظم المشروعات الهندسية التى أنشأت فى القرن العشرين ولا يضاهيه أى عمل هندسى سواء أكان خاص بالمياه أو غير ذلك، لافتاً إلى أن بناء السد العالى سبقه دراسات وأبحاث للاستفادة من ترويض نهر النيل من خلال الفيضانات التى تتردد على النهر بنسب متفاوتة حسب كل عام.
وأضاف "جلال"، فى تصريحات خاصة لـ"اليوم السابع"، أن السد العالى جاء لتلبية احتياجات مصر وقتها من المياه والكهرباء والزراعة وغير ذلك، موضحاً بأن السد العالى تم وضع حجر الأساس له فى يناير 1960 وتم تحويل مجرى النيل فى مايو 1964 ، واستمر الإنشاء حتى تم الافتتاح والتشغيل الكامل للسد العالى فى عام 1971 ، وبدء توليد الكهرباء من أول توربينات السد العالى فى عام فى أكتوبر 1967 ، ودخولها الخدمة لإنارة كل النجوع والقرى فى مصر، بجانب الاستفادة من تحويل أراضى الحياض إلى الرى الدائم لنحو مليون فدان، علاوة على ظهور مساحات زراعة الأرز ، بخلاف مظاهر التنمية التى بدأت فى المجتمعات الجديدة لصحراء مصر.
وأشار إلى أن السد العالى صنع أمامه أكبر بحيرة وهى بحيرة ناصر بطول 500 كيلو متر منها بالحدود المصرية 350 كيلو متر، و150 كيلو متر بالحدود السودانية، مؤكداً أن مهمة العاملين فى السد العالى هى الحفاظ على جودة ونوعية المياه فى البحيرة من التلوث، لأنها تعد "البنك المركزى المائى المصرى" – على حد وصفه – وبعد السد العالى بدأ إنشاء نقاط فى نهر النيل بداية من خزان أسوان وقناطر إسنا ونجع حمادى وأسيوط والدلتا نهاية بفرع دمياط ورشيد، كل هذه النقاط تبدأ بعد إمرار المياه من السد العالى بغرض تلبية احتياجات مصر من مياه الشرب والزراعة والأغراض الصناعية وغير ذلك.
واستكمل رئيس هيئة السد العالى، بأن السد أصبح أيضاً مزاراً سياحياً للأجانب والمصريين وهناك السائحون الكثير من جنسيات روسيا الذين يزورون السد ويسترجعون ذكريات الشراكة مع مصر فى بناء هذا الصرح العظيم، ويلتقطون الصور التذكارية بالسد وأمام رمز الصداقة المصرية السوفيتية والتى يجسد على جدرانه ملحمة الآخاء التى أخرجت السد العالى للنور.
جسم-السد