كان الوقت عصر 16 مايو، مثل هذا اليوم،1971، حين قام ياسر عرفات «أبو عمار» رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية بزيارة أمين هويدى فى منزله، وبعدها تم القبض على «هويدى»، حسبما يذكر فى كتابه «50 عاما من العواصف»، وكان ذلك ضمن أحداث الصراع بين الرئيس السادات وكبار المسؤولين والوزراء الذى تقدموا باستقالتهم يوم 13 مايو 1971، وقبض عليهم بتهمة التآمر بقلب نظام الحكم، وكان لأمين هويدى قصة درامية فى هذه الأحداث.. راجع «ذات يوم 13 و15 مايو 2020».
يؤكد «هويدى»أن «أبوعمار» كان معه أثناء زيارته له مجموعة من زملائه منهم: أبو إياد، أبو جهاد، أبو اللطف وآخرين.. يضيف: كنا نستعرض الموقف، إذ كنت من أوائل من قدم حركة «فتح» إلى الرئيس عبد الناصر فى وجود مقاومة شديدة من المخابرات الحربية».. يتذكر أن «أبو عمار» قال له وهو يهم بمغادرة المنزل: «أنا ذاهب لمقابلة الرئيس السادات فهل تريد منه شيئا؟»..قلت: «بلغه أن ما أخذ بالقوة لن يسترد إلا بالقوة»، قال لى أحد الحاضرين بعد ذلك: «إن أبا عمار نقل الرسالة، فرد السادات: الله هوه أمين هويدى لسه بره؟»، واعتقلت فى نفس الليلة.
يؤكد «هويدى»: بعد ذلك بأيام فتشوا منزلى، واستولوا على أغلب أوراقى التى ملأت بعض الأجولة، وكلها بها تاريخ مصر فى تلك الفترة، لم ترض السيدة حرمى بأن توضع أوراقى فى زكايب فأعطتهم خمس حقائب ملأوها بالأوراق.. عاتبت أبا عمار فى إحدى زياراتى إلى بيروت بعد ذلك على عدم إنذارى لأهرب الأوراق.. كانت غالية على نفسى، ولم يكن فى مقدورى عمل أى شئ إزاء هذه الخسارة إلا وضعها ضمن كشف أشياء غالية كثيرة خسرتها». يروى «هويدى» وقائع القبض عليه كما دونها فى مذكرة خاصة: «أذكر تلك الليلة جيدا، فتاريخ 16 مايو 1971 لا ينسى.. كنت أمام التليفزيون فى وضع استرخاء، وسمعت رنين جرس الباب الخارجى.. من يدق الجرس الساعة 11 مساء؟.. فتحت الباب فدخل شابان بالقميص والبنطلون وجلسا فى الصالون..قال أحدهما: نحن من المباحث وممدوح سالم وزير الداخلية يطلب سيادتك..طيب لماذا لم يطلبنى فى التليفون؟ فيه اعتقال؟ أبدا يا أفندم استغفر الله..إذا كان فيه اعتقال اسمحوا لى أن أجهز شنطة.. أبدا يا أفندم دى زيارة عادية جدا».
يضيف «هويدى»: ارتديت ملابسى وبمجرد خروجى من باب المنزل عرفت أننى معتقل.. كان بالشارع خمس عربات وبطارية من الجنود، هل أنا كارلوس أو أبو نضال؟ كان كلبى الوولف يبكى على الرصيف.. وجلست فى المقعد الخلفى للسيارة وضابط يمينى وآخر يسارى، وفجأة اندفع الكلب وكله غضب واحتجاج على ما يجرى لصاحبه.. قيل لى إنه ظل راقدا على بطنه دون حركة وتوفى بعد الإفراج عنى، ودفنته فى صحراء مصر الجديدة، ومن يومها لم أقتن كلبا آخر.. محصل الكهرباء كان قد انقطع عن المرور لتحصيل الفاتورة.. لما ذهبت إلى الشركة أسأل، أرونى دفتر التحصيل ووجدت أن المحصل يكتب فى الصفحة الخاصة بى: لا أجرؤ على دخول الفيلا، لأن بها كلبا متوحشا.. وعلقت على نفس الصفحة «الكلب المتوحش مات».
يتذكر هويدى: «تحرك الموكب مخترقا الشوارع الساكنة، ووصلنا إلى ترعة الإسماعيلية ثم إلى أنشاص، وسألت الضابط: هل تقصدون سجن أبو زعبل؟ نعم، كانت الإجابة، فعرفت أنهما ضلا الطريق وتوليت قيادة الموكب بعد تغيير الاتجاه إلى سجن أبو زعبل، لأنى أعرف المنطقة إذ توليت بكتيبتى الرابعة المشاة الدفاع عن طريق الإسماعيلية أيام إلغاء المعاهدة «إلغاء معاهدة 1936، وذلك فى مارس 1950»، وكانت رئاستى فى إحدى فيلات أبوزعبل.
يتذكر: «فتح الباب الرئيسى للسجن وكان مقفولا بمزاليج حديدية ضخمة لها أصوات منكرة، وقيدوا اسمى فى دفتر كبير يدل على كثرة المساجين بالداخل، ثم أمرونى بخلع ملابسى وأصبحت عاريا كما ولدتنى أمى ثم وزنونى: 85 كجم «مشفى»، ثم دخلت فى ملابسى مرة أخرى وفتشونى.. أخذوا محفظة نقودى وكان بها عشرة جنيهات، ونزعوا ساعتى فالوقت فى السجن لا قيمة له، وكذلك قلمى فلا مجال لاستخدامه، ثم دخلت إلى مكان «الزنزانات» وكله حديد فى حديد.. السلالم والترابزين والأسقف والأبواب والنوافذ، كانت الزنزانة رقم 8 التى خصصت لى فى الدور الثالث، وكان الزملاء على الصفين كل فى زنزانته، وهلل البعض لرؤيتى، وصاح على صبرى: «الله وأمين هويدى ماله؟ ده بيحاكم عهد وليس جماعة».