"شقيقتى استأجرت شقة فى غضون يناير 1980، وتوفيت شقيقتي في أغسطس 2016 وتركت ابنة وحيدة عمرها 20 سنة، لازالت فى سنوات الدراسة وكانت تعيش بالطبع مع أمها منذ استئجارها الشقة، وانتقلت أنا لكي أقيم مع ابنة شقيقتي لكي أرعاها واحميها من جهة، ولكي أحرس الشقة أثناء غيابها من جهة أخرى بسبب الدراسة، وذلك لأن أصحاب المنزل سبق وأن ألقوا العفش خارج الشقة بزعم أنها لا تدفع الإيجار، ما استلزم منا التحوط مخافة أن يتكرر الأمر مع ابنة شقيقتي".. بهذه الكلمات بدأ "أحمد.ع" سرد مأساته لـ"اليوم السابع" فى محاولة لإيجاد حل قانوني له ولابنة شقيقته.
مأساة أسرة
وتابع "أحمد": "بعد حوالي 6 أشهر اضطرت ابنة شقيقتي لإجراء عملية جراحية عبارة عن "الحصوة"، ما اضطرها للإقامة طرف شقيقتى الأخرى لرعايتها وتمريضها وأصبحت لا تأتى للشقة إلا قليلاَ، وقد سألنى أحد الورثة، فأخبرته أنها طرف خالتها لإجراء العملية وبعض الفحوصات الطبية الأخرى، فجن جنونه بعد أن طالت مدة غيابها، فقام الوريث برفع دعوى طرد للغصب على شخصي أنا، وادعى فيها أن الشقة كانت خالية لوفاة المستأجرة الأصلية وانتقال ابنتها للإقامة لدى أقاربها وأنه حرر محضر شرطة إداري بهذا المعنى، وتداولت القضية دون أن أعلم إلى أن صدر قرار بتحويلها إلى خبراء وزارة العدل وهم يقومون بإجراءات المعاينة فى الوقت الراهن ومناظرة الشقة وسؤال الجيران، فما رأيكم فى موقفي من الدعوى حالياَ، وكيف أدفعها عنى؟".
ا
وللإجابة على هذه الإشكالية – يقول الخبير القانوني والمحامى محمد محمود- تنص الفقرة الأولى من المادة 29 من القانون رقم 49 لسنة 1977 فى شأن تأجير وبيع الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر على أن: "لا ينتهى عقد الإيجار بين المؤجر والمستأجر أو تركه العين، إذا بقى فيها زوجته أو أولاده أو أي من والديه الذين يقيمون معه حتى الوفاة أو الترك"، ويبين من النص أنه يشترط لامتداد الإيجار لصالح زوج وأقارب المستأجر إذا توفى أو ترك العين خلال فترة الامتداد القانوني للإيجار توافر الشروط الآتية:
1-وفاة المستأجر الأصلي أو تركة العين المؤجرة.
2-أن يكون المستفيد من الامتداد الزوج والأولاد والوالدان.
3-إقامة الزوج والأولاد في العين المؤجرة حتى الوفاة أو الترك.
ومفاد ذلك – وفقا لـ"محمود" فى تصريح لـ"اليوم السابع" - أن شرط الاستفادة من الامتداد القانوني لعقد الإيجار هو "الإقامة" وليس "الإرث"، فمن المقرر فى قضاء محكمة النقض أن: "النص فى الفقرة الأولى من المادة 29 من القانون رقم 49 لسنة 1977 يدل على أن المشرع عدد حالات استمرار إيجار المسكن الخاضع لتشريعات إيجار الأماكن بعد وفاة المستأجر الأصلي أو تركه العين حصراَ، جاعلاَ القاعدة فيمن يستمر العقد لصالحه من ذويه الذين أوردهم تحديداَ – هى الإقامة مع المستأجر الأصلي ولم يجعل ركيزة هذه القاعدة علاقة "الإرث" بين المستأجر الأصلي وورثته، وذلك طبقا للطعن المقيد برقم 3025 لسنة 59 قضائية – جلسة 27 مارس 1994.
ما هو المقصود بالإقامة؟
ويقصد بالإقامة التي تبيح وتتيح للمستفيد من الامتداد القانوني التمتع بهذه الميزة، أن تكون – كما عرفتها محكمة النقض بأنها: "الإقامة المُستقرة المعتادة وانصراف نية المقيم إلى أن يجعل من هذا المسكن مراحه ومغداه بحيث لا يعول على مأوى دائم وثابت سواه، فتخرج الإقامة العارضة والعابرة والموقوتة مهما استطالت وآيا كان مبعثها ودواعيها، وكان الفصل في كون الإقامة مستقرة أم لا مطلق سلطة قاضي الموضوع دون معقب عليه متى أقام قضاءه على أسباب سائغة"، وذلك طبقا للطعن المقيد برقم 146 لسنة 43 قضائية – جلسة 28 ديسمبر 1977.
-وقت الاعتداد بالإقامة:
ووقت الاعتداد بالإقامة هو وقت وفاة المستأجر الأصلي، فلا يعتد بالإقامة اللاحقة، حيث أنه من المُقرر في قضاء النقض أن: "الإقامة التي يترتب عليها امتداد عقد الإيجار لصالح المستفيدين من حكم المادة 29/1 ق 49 لسنة 1977، بعد وفاة المستأجر أو تركه العين، المقصود بها، الإقامة المستقرة حتى الوفاة أو الترك دون الإقامة اللاحقة"، الطعن رقم 3246 لسنة 60 قضائية – جلسة 30 فبراير 1994.
- الإقامة اللاحقة حق وليس واجب:
علماً بأنه لا يُشترط الإقامة اللاحقة للوفاة للمُستفيدين من حكم المادة 29/1 لأن الانتفاع بالعين المؤجرة حق لهم وليس واجباً عليهم حيث أنه من المُقرر في قضاء النقض أن: "مفاد نص المادة 29/1 من القانون 49 لسنة 1977 يدل على أن الإقامة التي يُعتد بها لامتداد العقد لصالح المذكورين من أقارب المُستأجر هي الإقامة المُستقرة مع المُستأجر والممتدة لحين وفاته أو تركه السكن دون اشتراط إقامة لاحقة، فإذا ما توافرت الإقامة بشروطها على النحو المُتقدم أضحى من امتد إليه العقد مستأجراً أصلياً بحكم القانون الذي أوجب على المُؤجر في الفقرة الأخيرة من المادة المذكورة تحرير عقد إيجار له ولا إلزام عليه من بعد أن يُقيم بالعين المُؤجرة إذ أن انتفاعه بها حق له وليس واجباً عليه"، وفقا للطعن رقم 473 لسنة 52 قضائية – جلسة 30 يناير1989.
كما أضطرد قضاء النقض على أنه: «من المُقرر – في قضاء هذه المحكمة – أن النص في المادة 29 من القانون رقم 49 لسنة 1977 على أنه: "لا ينتهي عقد إيجار المسكن بوفاة المستأجر أو تركه العين إذا بقى فيها زوجه أو أولاده أو أي من والديه الذين كانوا يقيمون معه حتى الوفاة أو الترك"، يدل على أن عقد إيجار المسكن لا ينتهي بالنسبة لهؤلاء بوفاة المستأجر الأصلي أو تركه العين وتستمر العلاقة الايجارية قائمة مع أي من المُستفيدين المُشار إليهم متى كانت إقامتهم مستقرة حتى الوفاة أو الترك، دون اشتراط لإقامة لاحقه، فإذا توافرت الإقامة بشروطها على النحو المتقدم أضحى من أمتد إليه العقد مُستأجراً أصلياً بحكم القانون الذي أوجب على المُؤجر تحرير عقد إيجار له - ما دام أنه لم يكشف عن إرادته في التخلي عن العين بعد وفاة المستأجر الأصلي - ولا إلزام عليه من بعد أن يقيم بالعين المؤجرة، إذ أن انتفاعه بها حق له وليس واجباً عليه، طبقا للطعن المقيد برقم 2902 لسنة 67 قضائية – جلسة 21 أبريل 1999.
- إثبات الإقامة:
لما كانت "الإقامة" هي واقعة مادية، وبالتالي يجوز إثباتها بكافة طرق الإثبات بما فيها البينة "شهادة الشهود" وقرائن الأحوال، ومن أهم تلك القرائن أن الأصل في الزوجة أنها مع زوجها "المستأجر"، وإن كان ليس هناك ما يمنع من حدوث العكس، حيث يقيم الزوج في منزل أسرة زوجته، لأنه ليس في ذلك ما يتنافى مع أحكام قوانين الأحوال الشخصية، وكذلك فالأصل في أبناء المستأجر الأصلي أنهم يُقيمون مع والديهم، فإن ادعى المؤجر العكس كان عليه إثبات ذلك، لكونه يدعي خلاف الثابت أصلاً ويدعي على خلاف الوضع الظاهر، وقد اعتبرت محكمة النقض تمسك الابنة المتزوجة باستمرار إقامتها بمنزل أسرتها قبل الزواج وبعده وبعدم تخليها عن الإقامة فيه، تمسكاً منها بالثابت أصلاً، فلا تكلف بإثباته، وذلك طبقا للطعن المقيد برقم 13 لسنة 48 قضائية – جلسة 23 ديسمبر 1978.
وجود سند قانوني للمدعى عليه في شغل عين التداعي كاف لرفض دعوى الطرد للغصب:
لما كان ما تقدم - وكان الثابت بالأوراق، وبتقرير الخبرة الفنية المودع بملف الدعوى، وبشهادة الشهود في الخبرة، وبإقرار المدعين أنفسهم، أن - أبنه المستأجرة الأصلية - كانت تقيم مع والدتها - المستأجرة الأصلية - قبل وفاتها، ومن ثم فهي تستفيد من ميزة الامتداد القانوني لعقد إيجار مورثتها، وتعتبر مستأجرة أصلية، ومن ثم فإن إقامتها في عين التداعي – بعد الاستفادة من الامتداد القانوني لعقد إيجارها – هو حق خالص لها وليس واجب ولا إلزام عليها، وطالما ثبت السند القانوني لشغل أبنه المستأجرة الأصلي لعين التداعي، فلها أن تستضيف في شقتها من تشاء من أقاربها لرعايتها وحراستها، وعليه تضحى دعوى الطرد للغصب الماثلة قد جاءت على غير سند صحيح من القانون خليقة بالرفض.
لا سيما وإنه من المقرر في قضاء محكمة النقض: "خلوص المكان لمالكه، فيكفي المُدعي إثباتاً لواقعة الغصب التي يُقيم عليها دعواه أن يُقيم الدليل على وجود المُدعى عليه في العين محل النزاع المملوكة له، لينتقل بذلك عبء إثبات العكس على عاتق المُدعى عليه بوصفه مُدعين خلاف الأصل وليثبت أن وجوده بالعين يستند إلى سبب قانوني يبرر ذلك"، وذلك طبقا للطعن رقم 133 لسنة 55 قضائية - جلسة 14 ديسمبر 1989 .
وعليه، فإذا نجحت – كما هو متوقع وثابت بأوراق الدعوى وشهادة الشهود في الخبرة كما فهمت من حديثكم – في إثبات وجود عقد الإيجار مع المستأجرة الأصلية، ووفاتها وامتداد عقد الإيجار لابنتها التي كانت تقيم معها قبل الوفاة، ومن ثم فإن الإقامة الدائمة في العين المؤجرة للمستفيدة هو حق لها وليس واجب عليها، وإن قيام المستفيدة من الامتداد القانوني باستضافة أقاربها في العين المؤجرة هو حق مطلق لها ولا يكون للمؤجر في هذه الحالة اللجوء للقضاء لطلب طرد الضيف من عين التداعي، حيث إنه من المقرر قانوناً، وعلى ما جرى عليه قضاء محكمة النقص، أن:
"المقصود بالإيواء أو الاستضافة أن يستنزل المستأجر ضيوفاً تربطهم به صلة قرابة أو صداقة متينة، لمدة قصيرة أو طويلة، وذلك بصفة عارضة واستجابة لظروف طارئة، فإن ما يتذرع به الطاعن من نفي لصلة الخؤولة التي تربط بين المطعون عليها وبين الشخص الذي شغل الشقة – أياً كان وجه الحق فيها – لا غناء فيه لجواز إيواء من تربطه بالمستأجر صداقة وثيقة"، وذلك وفقا للطعن المقيد برقم 52 لسنة 43 قضائية – جلسة 29 فبراير 1984.