سعيد الشحات يكتب: ذكريات صحفية..رواية «الحب فى المنفى» تفتح لى باب التعرف على مؤلفها «بهاء طاهر» ولقاءاته فى منزله بالزمالك وعلى مقهى «الحرية» فى باب اللوق.. ويعبر عن دهشته من مقارنتى لها بروايته «واحة الغروب»

الثلاثاء، 19 مايو 2020 06:06 م
سعيد الشحات يكتب: ذكريات صحفية..رواية «الحب فى المنفى» تفتح لى باب التعرف على مؤلفها «بهاء طاهر» ولقاءاته فى منزله بالزمالك وعلى مقهى «الحرية» فى باب اللوق.. ويعبر عن دهشته من مقارنتى لها بروايته «واحة الغروب» بهاء طاهر

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
تلقيت اتصالا على التليفون الأرضى فى جريدة «العربي» من الكاتب الروائى الكبير بهاء طاهر، كان يوم ثلاثاء، وهو اليوم التالى لصدور العدد الجديد من الجريدة الأسبوعية، وكان رئيس تحريرها أستاذنا محمود المراغى.
 
كنا فى عام 1995، وكان العدد الجديد من الجريدة يحتوى على مقال لى على مساحة نصف صفحة عن روايته الجديدة الرائعة «الحب فى المنفى»، ووجدت حفاوة نقدية وجماهيرية كبيرة، وكتب عنها ناقد بحجم وقيمة الدكتور على الراعى مقالا فى الأهرام بعنوان «الحب فى المنفى رواية كاملة الأوصاف».. كنت فى هذه الفترة أبحث كثيرا عن الروايات التى تعكس حالة الانكسار للأجيال التى عاصرت أحلام ثورة 23 يوليو 1952، وكنت أعتبر رواية «انكسار الروح» للكاتب الروائى محمد المنسى قنديل نموذجا فى ذلك، بالإضافة إلى أعمال علاء الديب» و«رضوى عاشور»، حتى قرأت «الحب فى المنفى» فى يومين فوجدتها نموذجا روائيا فريدا لهذه الحالة التى أبحث عنها، ومن شدة انبهارى بها كتبت على الفور مقالى عنها، وحملته إلى أستاذنا القدير الروائى صبرى موسى، وكان يتولى رئاسة القسم الثقافى بجريدة «العربى»، وأثنى عليه لكنه ظل حبيس الأدراج ثلاثة أسابيع، حتى غادر الجريدة، وتولى بعده لفترة قصيرة الصديق الكبير الأستاذ محمد حماد رئاسة القسم الثقافى، فدفع بالمقال فى أول أسبوع له.
 
شكرنى بهاء طاهر فى اتصاله على المقال، وسألنى: أين ولدت؟.. أين تعيش؟.. عندك كم سنة؟.. أجبته.. فعلق: «يعنى كان عندك عشر سنوات وقت وفاة جمال عبد الناصر «28 سبتمبر 1970»..أضاف: «أنا مهموم جدا بشريحة العمر لجمهور هذه الرواية، وأتفاءل كلما وجدت الإقبال عليها من صغار السن الذين لم يعاصروا أحداثها».. سألته: «كيف تستطيع التوصل إلى هذا الفرز؟»..أجاب: «أحاول عن طريق سؤال باعة الصحف كلما مررت عليهم فى وسط القاهرة، بالإضافة إلى الاتصالات التى أتلقاها، وجميعها تبشر بأن شريحة واسعة من أجيال فى العشرينيات من العمر أقبلت على قراءتها، والله البلد دى فيها حاجات تحير، فى الوقت اللى تحس فيه بالإحباط تلاقى بشائر بالأمل».
 
طلبت منه أن يتيح لى فرصة اللقاء، فأبلغنى أنه سيغادر القاهرة إلى جنيف لمدة أسبوع لإنهاء متعلقاته فى سويسرا بعد وصوله إلى سن المعاش، حيث كان يعمل فيها منذ عام 1981 مترجما فى المقر الأوربى للأمم المتحدة، وزودنى برقم تليفونه للاتصال به بعد عودته  واستعدادا منى للقائه بعد عودته، ذهبت إلى «دار الهلال» واشتريت أعماله الكاملة وقرأتها لأكتشف سحره الروائى ولغته الشاعرية فى «بالأمس حلمت بك» و«أنا الملك جئت» و«شرق النخيل» و«قالت ضحى» و«خالتى صفية والدير».
 
عاد بهاء من جنيف ليعاود الاتصال بى ليدعونى إلى مشاهدة فيلم وثائقيا عنه يتم عرضه فى «أتيليه القاهرة» من إنتاج التليفزيون السويسرى، وإعداد صديقه الكاتب الروائى جميل عطية إبراهيم الذى كان يقيم فى جنيف أيضا.. شدد على حضورى وحفزنى قائلا: «فيه مفاجأة لك فى الفيلم»، وكانت المفاجأة أن افتتاح الفيلم كان بعرض صورة لمقالى عن «الحب فى المنفى» فى «العربى» وقراءة فقرات منه، وبعدها بدأت لقاءاتى به فى مسكنه بالزمالك وعلى مقهى «الحرية» فى «باب اللوق» وحضر إحداها صديقى الكاتب الصحفى الراحل فتحى عامر الذى كان دائم الإلحاح عليِ بالتخصص فى الصحافة الثقافية والفنية. 
 
فى لقائى الأول به عرف أننى قرأت كل أعماله، فنبهنى إلى مجموعته الأولى «الخطوبة» التى لم أقرأها وأهداها لى، وبدأت معه فى الحديث عن فترات تكوينه، وقصة اضطراره إلى الهجرة بعد أن ضيقت عليه سلطة السادات العمل فى الإذاعة بعد أحداث 15 مايو 1971، وكذلك حضور التاريخ فى إبداعه، وفى لقاء آخر كان أثناء إذاعة التليفزيون مسلسله «خالتى صفية والدير» عام 1996 والذى لاقى نجاحا هائلا، وأخرجه إسماعيل عبدالحافظ، ولعب بطولته، ممدوح عبدالعليم وبوسى وسيد عبدالكريم وحمدى غيث وسناء جميل، وذهبنا إليه فى شقته بالزمالك أنا والصديقان ماهر زهدى وسعيد شعيب، وكان على مكتبه مذكرات الدكتور ثروت عكاشة وزير الثقافة التاريخى فى عهد عبدالناصر.
 
فى حديثه عن بدايته الأولي، تذكر: «ولدت عام 1935 فى أسرة متوسطة الحال انتقلت إلى الفقر بخروج والدى إلى المعاش وموجة الغلاء التى عمت مع الحرب العالمية الثانية.. لم أعرف فى طفولتى أى نوع من الترف، كان الترف الأساسى لى ولأخوتى فى الجلوس حول موقد النار لمقاومة برد الشتاء، والاستمتاع بحكايات الأم بلهجتها الصعيدية التى لم تتخل عنها أبدا منذ خروجها مع والدى من قرية الكرنك بالصعيد للاستقرار فى الجيزة.. رغم ظروفنا المالية التعيسة إلا أن الإصرار على التعليم كان الملمح الرئيس الأصيل لهذا الجيل.. لا أنسى أبدا والدى وهو يجلس أول كل شهر لعمل ميزانية الأسرة، وضغط المصاريف من أجل تعليمى أنا وإخوتى..كان شعور الآباء آنذاك أن التعليم هو السلاح الحقيقى لنا».
 
يضيف: «ساهمت مكتبة والدى العامرة فى تكوينى.. كانت تشغل حجرتين فى المنزل.. وشغلت حجرتين فى المنزل.. أنفق أبى كل أمواله عليها، وضمت كنوز الكتب من تفاسير القرآن الكريم إلى البخارى ومقدمة ابن خلدون، وألف ليلة وليلة، وكليلة ودمنة، ولم تتضمن كتبا أدبية معاصرة، لكن وجدت فيها لسبب لا أدريه مسرحيات شوقى، وكل مجموعات الشوقيات، وكانت مسرحية «مصرع كليوباترا» لشوقى أول كتاب أقرأه فيها».
 
حول تأثره بالتاريخ فى كتاباته الروائية قال: «من المؤكد أن اطلاعى المبكر على كتب التاريخ أفادنى فى كتاباتى، لكنها لم تكن أبدا المحور الرئيسى فى التقاط رواياتى، هناك عوامل عديدة أخرى كذكريات أمى عن قريتها والتى التقطت منها مثلا حكاية الابن الذى احتضن أباه وقتلا الاثنان برصاص الثأر.. ظلت هذه الحكاية بداخلى حتى كتبتها فى رواية «شرق النخيل».. فالمشاهدة والمعايشة وعوامل أخرى تساهم فى التقاط مصادر الراوية عندى، والتاريخ هو الخلفية الرئيسية، هو عندى لحظة معاصرة نعيشها لأن مكوناتها فى الماضى.. مازلنا نعيش صراع إخناتون مع الكهنة، ويهيأ لى أن مصر هى الدولة الأنسب فى العالم التى لا يموت فيها التاريخ، فشواهده حية وباقية حتى الآن منذ أقدم العصور».
 
يضيف: «دائما يدور فى ذهنى حوار حول لحظات معينة فى التاريخ، كما لو كانت لحظة حاضرة بكل تفاصيلها.. كثيرا ما أفكر متسائلا فى أحداث الثورة العرابية: ماذا لولم يعمل أحمد عرابى سهرة ليلة معركة التل الكبير؟.. ماذا لو سمع نصيحة محمد عبيد بقتل الخديو توفيق وحده، وسوف يتحمل المسؤولية؟.. ماذا عن الشيخ حسن العدوى الذى قال أثناء محاكمته بتهمة التوقيع على وثيقة خيانة الخديو توفيق: أنا لم أوقع على الوثيقة، لكنها لو عرضت على الآن سوف أوقع عليها؟..لماذا ترك جمال عبدالناصر، عبد الحكيم عامر وكانت النتيجة نكسة 5 يونيو 1967؟
 
بعد نحو 13 عاما من أسئلة بهاء، وماذكره فيها حول الثورة العرابية، جاءت روايته «واحة الغروب» عام 2008 التى اتخذت من انكسار الثورة خلفية للأحداث، مثلما اتخذ انكسار ثورة 23 يوليو 1952 خلفية لروايته «الحب فى المنفى»، وتميز فى الراويتين بلغته الشاعرية الحزينة التى تعبر بصدق عن حالات الانكسار، وكتبت عنها مقالى «بهاء طاهر إن حكى» ونشرته فى «المصرى اليوم»، فاتصل بى شاكرا وكان فى صحبة الصديق الكبير الكاتب الصحفى عبدالله السناوى.. قلت له فى هذا اليوم: «الحب فى المنفى» كانت حاضرة فى ذهنى وأنا أقرأ «واحة الغروب» رغم اختلاف الأزمنة، وأفكر فى عقد مقارنة بينهما، فعبر عن اندهاشه قائلا: «دى فكرة جديدة خالص».. أنجزت الدراسة ونشرتها فى كتابى «ذكريات عشناها وأحلام مشيناها». 






مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة