منذ ظهور فيروس كورونا المستجد فى مصر، والجيش الأبيض من أطباء وممرضين ومسعفين على خط النار، ويقفون بجانب المصابين دون خوف ولا تراجع عن المهمة الوطنية التى وضعها لهم القدر فى صراع لإنقاذ المرضى من الفيروس اللعين الذى لا يرى بالعين المجردة، ولكنه قادر على تدمير الجميع وعلى الرغم من طرق التعقيم والوقاية تحول صراعهم مع الفيروس بشكل مباشر وأصاب العديد من الجيش الأبيض بل وطال أسرهم وهم يحاولون إنقاذ المصابين.
زينب ملاك الرحمة
زينب علام ملاك الرحمة لم تكن تعلم أن مهنة التمريض التى أحبتها منذ الطفولة سوف تكون فى يوم من الأيام سببا لتنمر الأهل والأحباب، فقالت زينب: أنا من مدينة مرسى مطروح وفكرة العرب عن مهنة التمريض للبنات فكرة سيئة حيث يعتبرونها من المهن التى تجلب العار وعلى الرغم من ذلك والدى صمم أن يتحدى الكثير لأنها مهنة إنسانية وشجعنى على دخول معهد التمريض فى الإسكندرية، ومن هنا بدأت المشاكل مرة أخرى حيث إن المعهد فى مدينة بعيدة عن بلدى وأشقائى الأولاد كانوا معترضين، ولكن والدى كان بجانبى وساندنى حتى أكمل دراستى وأعمل فى مهنة التمريض وبعد أن أكملت دراستى تزوجت وانتقلت إلى المنصورة وعملت فى مستشفى الصدر هناك.
وأضافت زينب: بعد ظهور فيروس كورونا فى مصر أصبنا بالصدمة والخوف، ولكننا كنا على خط المواجهة وتعاملنا مع الحالات المصابة فى مستشفى الصدر بالمنصورة وعلى الرغم من التزامى بالتعليمات والوقاية وخصوصا أننى منتقبة إلا أننى شعرت فجأة بألم شديد فى الجسم مع ظهور احتقان فى الحنجرة وعندما ذهبت للمستشفى طلبت منهم عمل مسحة وذهبت للمنزل وبعد يومين قاموا بالاتصال على هاتفى وبلغونى أنني مصابة بكورونا، وتم نقلى للحجر الصحى بمستشفى تمى الإمديد بسيارة الإسعاف وكان شعورا غريبا هو أن أتحول من ممرضة أقوم برعاية المصابين إلى حالة مصابة بسيارة الإسعاف، وبعد نقلى وعمل مسحة للمخالطين من أهل بيتى كانت الصدمة أن ابنتى ذات الخمس سنوات إيجابية المسحة أيضا وتم نقلها تانى يوم برفقتى بالحجر الصحى فى نفس الغرفة.
وتضيف زينب: بعد شفائنا تم نقلنا إلى المدينة الجامعية للحجر الصحى وذلك بعد سلبية المسحة ثم تم عمل مسحة مرة أخرى بعد 48 ساعة وكانت النتيجة سلبية أيضا وذهبنا إلى المنزل، وأنا حاليا فى فترة العزل المنزلى ولكن نعانى من التنمر من أعز الأقارب والجيران فيتعاملون معى ومع حماتى وحتى أختى التى تسكن فى قرية بعيدة على أساس أننا «وباء» ويبتعدون عننا بمسافات كبيرة وأصبح البعض منهم يتجاهلنا نهائيا، فلا ذنب لى أن أكون ممرضة أواجه المرض، كما أن بعض الجرائد والصحف بالقرية تحذر الناس للابتعاد عنا وعدم التعامل معنا.
وعن عودتها مرة أخرى للعمل، قالت زينب بعد التأكد من سلامتى سوف أذهب للعمل مرة أخرى لمواجهة كورونا، فعلى الرغم من خوف أهلى الشديد ونصيحتهم أن أقدم استقالتى لأتفادى الإصابة إلا أننى مقتنعة بأن «اللى عايزه ربنا هيكون.. وممكن أتصاب وأنا فى البيت»
رسالة الشافعى بعد إصابته
«الرجاء يا أهل بلدى الكرام.. أنا اتأذيت وأنا أؤدى واجبى تجاه وطنى فى مكان عملي.. فاستوصوا بأهلى خيرا ولا تجرحوهم ولو بكلمة» هكذا كانت كلمات الطبيب عبد الرحمن الشافعى على صفحة فيسبوك بعد نقله للحجر الصحى.
الدكتور عبد الرحمن، شاب فى مقتبل العمر تخرج من كلية طب الزقازيق عام 2014 ويعمل أخصائى بالعناية المركزة ونائب مدير مستشفى الأحرار فى الزقازيق وعلى الرغم من صغر سنه، إلا أن فى فترة قصيرة من عمله أصبح نائبا للمدير بسبب تفوقه وحبه لمهنة الطب.
وقال الدكتور عبد الرحمن: بصفتى نائب المدير أتابع كل شىء فى المستشفى ومنذ بداية ظهور كورونا أتابع بنفسى كل الحالات التى تصل إلى الطوارئ مع الطبيب المختص ويتم عزل أى حالة مشتبه فيها فى غرفة منفصلة بالمستشفى وبعد ذلك يتم عرضها على كل التخصصات مثل الصدر والقلب والباطنة وبعد التأكد من عدم وجود أى مرض من الأمراض التى تتشابه أعراضها مع فيروس كورونا تكون الحالة مشتبه إصابتها بفيروس كورونا، وقبل قدوم شهر رمضان بأيام قليلة جاءت حالة مريضة إلى الطوارىء تعانى من أعراض مشابهة لمرض الكورونا وتم عرضها على طبيبة الصدر وبعدما تأكدنا من إصابتها تم الاتصال على رقم 105 وبعدها تم التواصل مباشرة مع الدكتور أحمد حسين مدير مستشفى الصدر بالزقازيق وتم نقلها وقمت بنفسى بتعقيم جهاز الأشعة الذى تعاملت معه الحالة وتحسبا لانتقال العدوى لنا اتخذنا قرار عزل نفسنا ذاتيا فى منازلنا.
وتابع الدكتور عبد الرحمن، بعد العزل بحوالى ثلاثة أيام بدأت أشعر بأعراض فيروس كورونا منها الإسهال والصداع الشديد وارتفاع فى درجة الحرارة وألم فى الحلق وتحدثت مع المسؤولين بالمستشفى التى أعمل بها ونصحونى بأن أذهب سريعا لعمل أول مسحة والتى كانت نتيجتها سلبية، وبعد يومين قمت بعمل المسحة الثانية والتى كانت نتيجتها إيجابية ومن هنا كانت الصدمة وتم حجزى فى الحجر الصحى بمستشفى تمى الأمديد بالمنصورة، واتصلت بوالدتى التى استقبلت الخبر بصدمة كبيرة وبكاء.
وأضاف الشافعى: كان كل خوفى على عائلتى أن يكون المرض قد تسلل إليهم، إلا أن هناك فريقا متخصصا من المستشفى قام بالكشف على والدتى وزوجتى وأطفالى حتى أطمأن قلبى عليهم، المرض صعب جدا وتفاصيله كثيرة ولكنى كنت مؤمنا بأننى سوف أتخطى الخطر وأعود مرة أخرى حتى أكون على خط مواجهة كورونا مع فريق الجيش الأبيض
وتابع: أطباء ومسؤولو مستشفى الحجر الصحى فى مستشفى تمى الأمديد لهم فضل كبير فى شفائى فاستيقظت فى إحدى المرات ووجدت 3 أطباء بجوارى، رعايتهم وضميرهم فى العمل كانت سببا رئيسيا لعودتى مرة أخرى إلى الحياة، ففى اليوم يقدم لنا ثلاثة وجبات، بالإضافة إلى شرب السوائل كل ساعتين، كما يتم الكشف علينا بشكل يومى وإعطاؤنا الدواء بمواعيد محددة وعمل مسحة كل خمس أيام ولو النتيجة كانت سلبية يتم عمل المسحة الثانية بعد 48 ساعة للتأكد.
ويروى الطبيب، بعد إتمام شفائى وعمل آخر مسحة التى أكدت شفائى من فيروس كورونا فوجئت بحفلة من فريق الأطباء بالحجر الصحى حيث أحضروا «تورتة» واستقبل الطاقم الطبى إعلان خروجى بالفرحة والزغاريد وقاموا بتوصيلى حتى باب السيارة.
أصغر ممرض من داخل العزل
مصطفى عادل مرتضى أصغر ممرض مصاب بكورونا حيث يبلغ من العمر 20 عاما، فكان يحلم طوال حياته أن يكون من ملائكة الرحمة ومع بداية رحلته المهنية أصبح على خط النار فى مواجهة فيروس ملعون يصيب أعز وأقرب المحيطين فبعد تخرجه من معهد ساينس للدراسات العليا عمل ممرضا فى العناية المركزة بإحدى مستشفيات مدينة بلبيس بمحافظة الشرقية.
وقال مصطفى لـ«اليوم السابع» من داخل العزل المنزلى جميع أقاربى يعملون فى مهنة التمريض فنحن عائلة تحترم هذه المهنة وتقدسها لأنها مهنة إنسانية وتخفف آلام المرضى وتقدم لهم يد العون، فكان حلمى منذ الطفولة أن أكون طبيبا أو ممرضا وبعد ظهور مرض كورونا تطوعنا جميعا دون أى تردد حتى نواجه المرض ونكون على جبهة الدفاع ضد فيروس كورونا من أجل مساعدة المواطنين ولم أجد من أهلى إلا كل تشجيع على هذه المواجهة الصعبة بل كانوا يدعموننى ويشجعوننى على هذه المهمة الصعبة.
وأكمل مصطفى: بعد مخالطتى بحالة مصابة بفيروس كورونا بعدة أيام شعرت بأعراض الفيروس وكان أولها ألم شديد فى الحلق وارتفاع فى درجة الحرارة، وعندما ذهبت إلى مستشفى الأحرار التعليمى بالزقازيق كان التشخيص التهاب شعبى حاد واشتباه بسيط وبعد عمل أول مسحة ظهرت النتيجة إيجابية وتم التأكد من إصابتى بفيروس كورونا وبعدها تم نقلى إلى الحجر الصحى بمستشفى حميات الزقازيق وأبلغت والدتى وأشقائى فى التليفون، فعلى الرغم من خوفهم الشديد وبكائهم إلا أنهم كانوا يشجعوننى على مقاومة المرض وتخطى الأزمة والتعافى.
وأضاف مصطفى: التجربة كانت صعبة ومكثت عدة أيام حتى تعافيت تماما، وبعدها تحسنت حالتى وأنا الآن فى عزل منزلى لمدة 14 يوما أخرى فى مكان بعيد عن أسرتى أيضا من أجل حمايتهم من العدوى وانتقال الفيروس لهم مع الالتزام بتعاطى الأدوية المصروفة من الحميات ومنها تاميفلو وبعض الفيتامينات التى تقوى المناعة، وبعد استكمال شفائى من فيروس كورنا «سوف أعود مرة أخرى لعملى لأكون فى صفوف الجيش الأبيض بجوار زملائى حتى نكمل واجبنا الوطنى ونتخطى هذه الأزمة الصعبة والوباء اللعين».
الكومى ممرض لم يخش الإصابة
«لم أخش الإصابة فلا أستطيع أن أنظر إلى إنسان يتألم دون مساعدته» هكذا بدأ أحمد الكومى حديثه لـ «اليوم السابع» من داخل الحجر الصحى بحميات طوخ بعد إصابته بفيروس كورونا المستجد، وقال أحمد كان حلمى أن أكون طبيبا أو ممرضا فهى مهنة شرفية وتخدم المواطنين وتخفف آلامهم ولذلك قررت أن أدرس فى كلية التمريض وبعد تخرجى عملت فى أكثر من مكان حيث كنت أخصائى تمريض نفسى وإدمان فى مستشفى الخانكة بالقليوبية، وبعدها عملت أخصائي تمريض قلب مفتوح وزرع كبد ورعاية مركزة ورعاية قلب أيضا بأحد المستشفيات فى القاهرة ثم أخصائى تمريض فى مستشفى شبين القناطر بالعناية المركزة ومنذ ظهور فيروس كورنا فى مصر ونحن نقف أيدى واحدة فلا نخشى العدوى ولا نستطيع أن نقف عاجزين أمام أي مريض يتألم دون تقديم يدى العون له حتى فى حالة عدم توفير طرق الوقاية لنا».
وأضاف أحمد: منذ فترة قصيرة كنت أرعى مريضا مصابا بغيبوبة كبد وكان مصابا بفيروس كورونا وبعدها بأيام قليلة شعرت بأعراض المرض وكان أولها عدم التوازن وألم فى الحلق وكثرة البول واتصلت ببعض زملائى من فريق التمريض وكانت المفاجأة أن لديهم نفس الأعراض فقمنا بإبلاغ المستشفى وبعدها طلبوا من فريق التمريض الذهاب إلى مستشفى طوخ من أجل عمل المسحة والتى أثبتت إصابة 7 أشخاص من طاقم التمريض بفيروس كورونا وأنا كنت من النتائج الإيجابية.
ويوضح أحمد: إصابتى لم تكن مفاجأة فكنت متوقعا أن ينتقل لى الفيروس فى أى وقت وخصوصا لأننى أعيش فى بيت عائلة وبه ثلاثة أشخاص يعملون فى مجال التمريض أنا وأخى وزوجته ونتعامل مع حالات مصابة يوميا، فبعد إجراء التحاليل والأشعة «رضيت بنصيبى وكنت مؤمن جدا بالمكتوب» وأبلغتهم فى المنزل بإصابتى وتم نقلى بعدها إلى الحجر الصحى فعلى الرغم من توقع أسرتى بالخبر إلا أنهم استقبلوه بالبكاء والانهيار».
وأضاف: تحولت من ممرض إلى مصاب على الرغم من أنني كنت دائما أرتدى البدلة وكنت أهتم بتعقيم نفسى، وبعد إتمام شفائى من فيروس كورونا سوف أعود سريعا إلى عملى لأستكمل مشوار الجيش الأبيض فى مواجهة فيروس كورونا».