نواصل مع المفكر العربى الكبير جواد على (1907 – 1987) قراءة التاريخ العربي القديم قبل الإسلام، وذلك من خلال كتابه المهم "المفصل فى تاريخ العرب قبل الإسلام" واليوم نتوقف مع "أهل الوبر".
يقول جواد على:
أما أهل الوبر، وهم الأعراب، فحياتهم حياة تنقل وارتحال، وعماد حياتهم "الإبل"، ولولا هذا الحيوان الصبور لما تمكن الأعرابى أن يقهر البوادى، وأن يوسع تنقله فى أنحائها، وأن يعيش فى هذه الأرضين المقفرة الشحيحة التي يشح فيها سقوط المطر، ويضطر الإنسان فيها إلى ضرب الأرض بأرجل جمله بحثًا عن الكلأ والماء، ولهذا صار "الجمل" "المالَ" الوحيد الذي يملكه الأعرابى، به يقدر الأسعار، وبه يقدر "الصداق" وثراء الإنسان.
وقد سبق لى أن تحدثت عن معنى "عرب"، وعن المراد منها إلى قبيل الإسلام، فلا حاجة لى هنا إلى إعادة الكلام عن شىء سبق أن تكلمت عنه. أما مصطلح "أهل الوبر" فمعناه "عرب"، أى: أعراب بالمعنى الجاهلى القديم، وذلك لأن الأعراب قوم نقل، يتنقلون من مكان إلى مكان، حاملين بيوتهم وما يملكونه معهم، وبيوتهم هي الخيام، وهي مصنوعة من "الوبر" وبر الإبل فى الغالب، ولذلك عرفوا بها.
وعرفوا فى الموارد اليونانية بـ"أهل الخيام" وبـ"سكنة الخيام"، وقد استعمل أعراب العراق وبادية الشام وأعراب بلاد الشام الخيام المصنوعة من شعر الماعز، وهى خيام لونها السواد، وقد أشير إليها فى التوراة وفى موارد تأريخية أخرى.
وذكر علماء اللغة أن العرب: سكان القرى والمدن أى: الحضر، أهل الحاضرة, أما الأعراب، فهم سكان البادية من هذا الجيل. ويقال للرجل أعرابيا إذا كان بدويًّا همه البحث عن الكلأ وتتبع الغيث والرعى، وأما من ينزل الريف ويستوطن القرى والمدن فهو عربى، وإن كان دون الأعراب فى الفصاحة وفى سلامة اللغة، ويقال للأعراب "الأعاريب" وذلك جمع للأعراب، فالأعرابى البدوى، وهو صاحب نجعة وانتواء وارتياد للكلأ، وتتبع لمساقط الغيث، وسواء كان من العرب أو من مواليهم، ومن نزل البادية أو حاور البادين وظعن بظعنهم، وانتوى بانتوائهم: فهم أعراب، ومن نزل بلاد الريف واستوطن المدن والقرى العربية وغيرها مما ينتمي إلى العرب، فهم عرب، وإن لم يكونوا فصحاء.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة