نقرأ معا كتاب "الوعى: مقدمة قصيرة جدًّا" تأليف سوزان بلاكمور، ترجمة مصطفى محمد فؤاد، ةالصادر عن مؤسسة هنداوى للنشر، وينطلق الكتاب من أسئلة منها: ما الوعى وما وظيفته؟ كيف يمكن لإطلاق النبضات الكهربائية من ملايين من خلايا الدماغ المتناهية الصغر أن تخلق خبرتنا بالعالم؟
ويقول الكتاب:
أصبح الوعى الآن موضوعًا مثيرًا، وقد فتحت التطورات الحديثة المثيرة فى علم النفس هذا الميدان لعلماء البيولوجيا والأعصاب وعلماء النفس والفلاسفة.
ويناقش الكتاب إن كنا نمتلك بالفعل إرادةً حرة، وما الذى يخلق إحساسنا بالذات، كما يتناول بعض النظريات المهمة، بما فيها التجارب الحديثة حول الفعل والوعى، والرؤية والانتباه، وحالات الوعى المتغيرة، وتأثيرات تلف الدماغ والعقاقير.
وتتساءل "سوزان بلاكمور" إن كان الوعى نفسه وهمًا، ومن خلال ذلك توضح الصعوبة الشديدة التي يواجهها العلماء والفلاسفة فى صراعهم من أجل عبور الهوة السحيقة بين العالم المادى وتجربتنا الخاصة فيه.
ما الوعى؟ قد يبدو هذا سؤالًا بسيطًا، لكنه ليس كذلك، فالوعى هو أكثر الأشياء التي يمكننا بحْثُها وضوحًا، وأكثرها غموضًا فى الوقت نفسه، يبدو أنه يلزمنا إما استخدام الوعى لدراسته هو نفسه! وهي فكرة غريبة نوعًا ما، وإما أن نحرِّرَ أنفسَنا من الوعى الذى نودُّ دراستَه، ولا عجب أن الفلاسفة والعلماء قد بذلوا جهودًا مضنيةً على مدى قرنين من الزمان من أجل الوصول إلى مفهوم الوعى، ولا عجب أيضًا أن العلماء رفضوا الفكرةَ برمَّتها لفترات طويلة، بل رفضوا أيضًا دراستَها، النقطة الإيجابية أن "الدراسات الخاصة بالوعى" أخذَتْ فى الازدهار بدءًا من القرن الحادى والعشرين.
وصل علم النفس وعلم الأحياء وعلم الأعصاب إلى نقطةٍ يمكن عندها مواجَهةُ بعضِ الأسئلة المحيِّرة على غرار: ما الذى يفعله الوعى؟ وهل كان لنا أن نتطوَّر من دونه؟ وهل يمكن أن يكون الوعى وَهْمًا؟ وما الوعى على أى حال؟
لا يعنى ذلك أن الغموض قد اختفى تمامًا، فالواقع أنه لا يزال متغلغِلًا فى هذا الأمر كما كان دائمًا، الفرق الآن أننا نعرف عن الدماغ ما يكفينا للاستعداد لمواجَهةِ المشكلة على نحوٍ مباشِرٍ، كيف يمكن لإطلاق النبضات الكهربية من ملايين الخلايا الدماغية أن يُنتج تجربةً واعية ذاتية شخصية؟
إذا أردنا إحرازَ أى تقدُّم فيما يتعلَّق بفهم مسألة الوعى، فعلينا التعامُل مع هذا الأمر بجدية تامة، هناك الكثير من الأشخاص الذين يدَّعُون أنهم قد وجدوا حلًّا للغز الوعى، فهم يقترحون نظرياتٍ موحِّدةً عظمى ونظرياتٍ ميكانيكيةً كميَّة، ونظرياتٍ روحانيةً حول "قوة الوعى"، وغيرها الكثير، لكن أغلبهم يتجاهلون الفجوةَ العميقة أو "الهوَّةَ السحيقة" بين العالمين المادي والعقلى، وما دام هؤلاء الأشخاص يتجاهلون تلك المشكلة، فإنهم لن يتعاملوا بفاعلية مع الوعي بأي حالٍ من الأحوال.