انطلقت قبل أيام اجتماعات "الدورتين السنويتين" لغرفتي البرلمان الصيني الاستشارية السياسية والتشريعية في العاصمة بكين، بتأخير شهرين ونصف عن الموعد الذى كان مقررا فى 5 مارس الماضى، من أجل تنفيذ القرارات والترتيبات التي اتخذتها اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني بشأن تنسيق الاستجابة لفيروس كورونا، وأعلن هذا الحدث السياسي السنوي الكبير انتصار البلاد على فيروس كورونا الذي أصاب حتى اليوم نحو 83 ألف شخص وأودى بحياة 4634 في البر الرئيسي بعد ظهوره أواخر العام الماضي في مدينة ووهان.
ولا شك أن احتضان العاصمة بكين لنحو 3000 نائب للانضمام لاجتماعات الدورة الثالثة للمجلس الوطني الـ13 لنواب الشعب الصيني، أعلى سلطة تشريعية في البلاد، وقرابة 2000 مشرّع للمشاركة في أعمال الدورة السنوية الثالثة للمجلس الوطني الـ13 للمؤتمر الاستشاري السياسي للشعب الصيني، أعلى هيئة استشارية سياسية في البلاد، دليل قوي على تحسّن وضع الوقاية من الوباء والسيطرة عليه في عموم الصين، وسلامة قرار رفع الإغلاق وعودة الحياة الاقتصادية والاجتماعية لطبيعتها تدريجيا.
إحدى جلسات الانعقاد فى البرلمان الصيني بعد كورونا
كما أن رئيس الحكومة الصينية لي كي تشيانج أكد في افتتاح أعمال المجلس الوطني لنواب الشعب الصيني 22 مايو، أن الصين حققت إنجازات استراتيجية كبيرة في مكافحتها تفشي فيروس كورونا، وقال "حققنا انتصارا حاسما في الدفاع عن مقاطعة هوبي وحاضرتها ووهان اللذين فُرض على سكانهما حجر صحي لمدة شهرين ونصف".
وتركّز اجتماعات المستشارين السياسيين ونواب الشعب على تقديم اقتراحات وخطط وتعديل وتحسين قوانين لجملة من القضايا أهمها ترقية الجيل الجديد من تكنولوجيا المعلومات للوقاية من الأوبئة والسيطرة عليها، ومحو الفقر وبناء مجتمع مزدهر بشكل معتدل، ووضع الخطة الخمسية الـرابعة عشرة (2021/2025)، ورفع جودة حماية البيئة، واستقرار التوظيف. إضافة إلى الكشف عن الأهداف الاقتصادية للبلاد وتحدد تقديرات الإنفاق الدفاعي.
البرلمان الصيني بعد العودة من الإغلاق
وعلى عكس تقاليد "الدورتين"، قال رئيس الحكومة: "أوضّح أننا لم نحدّد مستوى مستهدف للنمو الاقتصادي هذا العام، نظرا لحالة عدم اليقين الكبير التي تحيط بالمعركة ضد الوباء والأوضاع الاقتصادية والتجارية في العالم، وما يواجه بلادنا من عوامل تأثير من الصعب توقّعها".
وعلى الجانب الأمريكي صعّد الرئيس دونالد ترامب من لهجته ضد الصين مع تصدّر الولايات المتحدة دول العالم على صعيدي الإصابات والوفيات الناتجة عن الفيروس، حيث سجلت حتى الحين نحو 1.5 مليون إصابة وأزيد من 95 ألف وفاة.
وجاء التصعيد على عدد من الجبهات تحمّل جميعها الصين مسؤولية فقدان الوظائف وانخفاض الأجور وحالة عدم اليقين الاقتصادي في الولايات المتحدة، حيث صرح ترامب مؤخرا بـ"عدم كفاءة الصين" في إدارة أزمة كورونا التي تسببت في قتل عدد كبير من الأشخاص حول العالم. لينتقل بالتوتر إلى التهديد بكسر "الهدنة الهشة" في التجارة بين أكبر اقتصادين في العالم بفرض المزيد من التعريفات الجمركية على الصين كعقاب على نشر الوباء. واشعال حرب تكنولوجيا باردة بمنع شركة هواوي الاتصالات الصينية من تصنيع والحصول على رقائق أشباه الموصلات باستخدام البرامج والتكنولوجيا الأمريكية الصنع، ما قد يتسبب في تعطيل التجارة والاستثمار التكنولوجييْن، مما يسقط ما يعد محرك الانتعاش المهم في عام 2020.
نواب البرلمان الصيني خلال الجلسة
كما ندد مسؤولو إدارة ترامب بإعلان الصين عن التبرّع بملياري دولار لمنظمة الصحة العالمية لمحاربة كورونا وإرسال أطباء وإمدادات طبية إلى إفريقيا ودول العالم النامي، معتبرين أن المساعدة محاولة للتأثير على المنظمة التي تواجه ضغوطا من الدول الأعضاء للتحقيق فيما إذا كانت متواطئة في افتقار بكين للشفافية في الأيام الأولى من تفشي المرض في ووهان.
ويرى مراقبون أن سبب الهجمة الشرسة على الصين يعود بشكل أساسي لأربع نقاط، الأولى أنه في الوقت الذي تدير فيه الولايات المتحدة ظهرها للمنظمات الدولية متعددة الأطراف وعلى رأسها منظمة الصحة العالمية، تعهدت الصين بتقديم ملياري دولار على عامين لتنفيذ برنامج لمساعدة الدول الفقيرة والأقل نموا. والثانية، انشغال الإدارة الأمريكية بالوضع الداخلي للوباء على عكس الصين التي بادرت بتقديم المساعدات الوقائية وخبرات مكافحة الفيروس للدول المحتاجة. والثالثة، استئناف الصين للحياة الطبيعية والإنتاج في وقت تصارع فيه أمريكا لإعادة تنشيط الاقتصاد بالقوة. أما الأخيرة والأهم فهي تعرض إدارة ترامب لانتقادات داخلية حادة بسبب افتقارها إلى القيادة الجيدة في مكافحة الوباء خصوصا مع اقتراب الانتخابات.
وإذا نظرنا إلى الولايات المتحدة، ففي غضون المائة يوما الأولى زادت عدد الحالات المؤكدة من حالة واحدة إلى مليون حالة، وقد طالبت الصين، الولايات المتحدة بالتخلي عن القاء اللوم والتنصل من المسؤولية.
تزامنا مع فرض تقييد حركة المواطنين وإجراءات التباعد الاجتماعي الصارمة وإلزامهم بالبقاء في منازلهم للحد من انتشار كورونا، ظهرت جلينا "ثقافة الحجر الصحي" التي ميّزت أسلوب تعامل الصينيين مع الأزمة الصحية.
ولفهم نجاح الصين في الانتصار على الفيروس يجب القاء الضوء على العنصر الأساسية في هذه المعادلة، ألا وهو "الشعب" حيث ساعدت نشأته على الثقافة الكونفوشيوسية في رفع حس التكافل الاجتماعي وتقديم المجتمع على المصلحة الفردية، فالصينيون يتجاوبون مع تعليمات وارشادات الحكومة دون تململ أو ضيق لضمان تحقيق الاستقرار الاجتماعي وخدمة الصالح العام، وهو العامل الرئيسي الذي ساهم التحكم في حالة الوباء في غضون فترة زمنية قصيرة نسبيا مع تحسّن الوضع الوبائي بشكل عام وتقدم التنمية الاقتصادية والاجتماعية بثبات وعودة حياة الناس تدريجيا إلى طبيعتها.
فقد قررت الصين في الأيام الأولى من تفشي فيروس كورونا اعتماد سياسة وطنية للوقاية والرقابة الصارمتين، واعتبرت تعبئة ومشاركة جميع أبناء الشعب البالغ 1.4 مليار نسمة الضمانة الأساسية الوحيدة لكسب المعركة. كما تم تشكيل شبكة معلومات وتنظيم مؤتمرات صحفية واحاطات علمية لعرض مستجدات الوضع الوبائي ونقل المعرفة عن الوقاية والسيطرة بأكثر الطرق موثوقية والسريعة بشكل دوري ومكثف.
على الرغم من عدم اليقين بشأن أصل كورونا، إلا أن تحديد التسلسل الجينومي للفيروس التاجي الجديد في 8 يناير أظهر إجماعا علميا دوليا على أنه تطوّر في الأصل في الخفافيش، ثم قفز على الأرجح إلى البشر من خلال أنواع وسيطة.
وبحسب خبراء دوليون فإن برامج الإغلاق وممارسات التباعد الاجتماعي التي طُبقت في ووهان وأجزاء أخرى من الصين، أثبتت نجاعتها محليا كما ساعدت دولا أخرى في السيطرة على كورونا، مؤكدين أن هذه التجربة قللت على نحو فعّال من انتقال هذا الفيروس شديد العدوى.
في وقت سابق، ردت الخارجية الصينية في ثلاثين صفحة على الاتهامات التي أطلقتها إدارة ترامب حول مسؤوليتها وتعاملها مع تفشي فيروس كورونا، بداية من "أصل" الفيروس الذي يحتاج إلى البحث من قبل العلماء وخبراء الصحة، ثم "تصنيع" الفيروس التي تشير جميع الأدلة المتوفرة حتى الساعة على ظهوره بصورة طبيعية، ثم فرضية "تسرب" الفيروس التي تفتقر إلى الأدلة، وبعدها "التقصير" في احتواء الفيروس داخل ووهان الذي يتجاهل إجراءات الغلق والمراقبة المطبّقة، وحتى و"تأخير" معلومات الفيروس والتحذير منه التي غضّت الطرف عن كون الفيروس نوعا جديدا من العائلة التاجية ما يتطلب الوقت للتعرف على ماهيته.
وبما أن الأبحاث العلمية لم تقرر كلمتها بعد، فإن التضامن والتعاون الدوليين هما "اللقاحان" الأكثر فعالية التي تحتاج البلدان لمكافحة هذا الوباء.
من جانبه أعلن مات هانكوك وزير الصحة البريطاني أنه لا يوجد دليل على أن فيروس كورونا المستجد من صنع الإنسان أو أنه تم إنشاؤه في مختبر في ووهان الصينية.
ويأتي ذلك بالمخالفة لما يصر عليه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بشأن أدلة تورط الصين في تصنيع الفيروس وإخفائها الحقائق بشأنه
وقال أستاذ علم الأوبئة البيطرية أندور كانينجا إن الفيروس ربما أجرى تعديلات على حمضه النووي قبل أن يستقر داخل أجسام البشر.