تاريخ مصر حافل بالغرائب والطرائف، من يقرأه، خاصة التاريخ الشعبى، يكتشف حكايات كبرى، خلف كل شيء، فكثير من الممنوعات لم تكن كذلك فى وقت من الأوقات، ومن ذلك الأفيون، وهذا ما يكشفه كتاب "حرافيش القاهرة" لـ عبد المنعم شميس.
يقول "شميس" فى الكتاب عندما طالت قامتى رأيت فى دكان عبد الله ميزانا صغيرا له غطاء زجاجى وكفتان من النحاس اللامع ودعانى عبث الطفولة إلى سؤاله عن هذا الميزان الصغير الذى أعجبنى، فقال لى عبد الله:
- هذا ميزان الأفيون
ولم أفهم ولكننى كنت أشترى من عبد الله فى بعض الأحيان ثمرتان من ثمار الخشخاش بمليم وأتلذذ بأكل حباتها التى فى داخل الثمرة وكانوا يطلقون على هذه الثمرة اسم (أبو النوم) وكان الأطفال فى جيلنا يشترونها ويأكلونها مثل الحمص وبراغيت الست وعلى لوز والتفاح المصبوغ بالحلوى الحمراء وفى كل تفاحة عصا وغيرها من الحلوى والمسليات التى تعجب الأطفال.
كان عبد الله يبيع لنا (أبو النوم) كل اثنتين بمليم وكان طه يبيع لنا الحمص والفول السودانى فى قراطيس ورقية القرطاس بمليم أيضا. كما يبيع لنا قرطاس براغيت الست وهى حلوى صغيرة في قرطاس صغير أو (على لوز) وهو ملعقة واحدة من الحلوة بها لوزة واحدة فى طبق من الصينى أو التفاح المغلف بالحلوى الحمراء بمليم واحد لكل هذه الأشياء.
وذات يوم مرض أحد أفراد أسرتنا ورقد فى السرير وقالت لى جدتى:
- خذ هذا القرش واشتر به أفيونا من عبد الله.
وذهبت إلى عبد الله وقلت له إن جدتى تطلب أفيونا بقرش صاغ، فدخل فى الدكان وأحضر ورقة مفضضة صغيرة ووضع فيها شيئا داكن اللون ووزنها في ميزانه الصغير ثم طواها وأعطاها لى بعد أن أوصانى بالمحافظة عليها وقال لى:
قل للست عبد الله بيسلم عليكى.
وعدت إلى البيت وأعطيت الورقة المفضضة لجدتى بعد أن أبلغتها سلام عبد الله فضحكت وقالت:
- الله يخيبه
ثم أحضرت ليمونة شقتها نصفين ووضعت على كل نصف منها قطعة من الأفيون ثم وضعتها على نار هادئة فوق وابور السبرتو الذى كانوا يصنعون عليه القهوة، وذهبت إلى غرفة المريض أو المريضة لا أذكر ووضعت كل نصف ليمونة فوق صدغه وربطتها بمنديل فوق رأسه وهى تقول:
بالشفا إن شاء الله.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة