نواصل مع المفكر العربى الكبير جواد على قراءة تاريخ العرب وما حدث لهم من مواقع والتعرف على علاقاتهم الداخلية والخارجية، وذلك من خلال كتابه المهم "المفصل فى تاريخ العرب قبل الإسلام" ونتابع اليوم قصة أبرهة الحبشى وهجومه على الكعبة المشرفة فى مكة.
يقول جواد على:
وقد أمر "أبرهة" ببناء كنيسة فى "مأرب" أشار إلى بنائها فى نصه الشهير، أقامها فى سنة "542م"، ورتب لخدمتها جماعة من منتصرة سبأ، واحتفل هو نفسه بافتتاحها، ولعله استعان ببنائها بحجارة قصور مأرب ومعبدها الكبير، وذلك لأن حجارتها منحوتة نحتًا جيدًا، يجعل من السهل استعمالها فى البناء على حين يتطلب الحجر الجديد وقتًا طويلًا وأموالًا باهظة، ولهذا السبب ذهب أهل الأخبار إلى أنه أمر بنقل حجارة قصر مأرب إلى صنعاء.
ولقد أصيب مشروع أبرهة الرامى إلى هدم الكعبة والاستيلاء على مكة بإخفاق ذريع، يذكرنا بذلك الإخفاق الذى مُنى به مشروع "أوليوس غالوس"، لقد كان فى الواقع مشروعًا خطيرًا، لو تم إذن لاتصل ملك الروم بملك حلفائهم وأنصارهم الحبش فى اليمن، ولتحقق حلم الإسكندر الأكبر وأغسطس ومن فكر فى الاستيلاء على هذا الجزء الخطير من العالم من بعدها، ولتغير الوضع السياسى فى الجزيرة من غير شك، لكن حدث ما لم يكن فى الحسبان، حدث أن مكة التى أريد هدمها هى التى هدمت ملك الحبشة فى اليمن، وملك من جاء بعدهم لنجدة أهل اليمن، وملك البيزنطيين فى بلاد الشأم وملك الفرس فى العراق وفى كل مكان.
ويظهر من الرواية العربية أن نهاية "أبرهة" كانت بعد عودته من مكة بقليل إذ لازمه الوباء الذي نزل برجال حملته أثناء محاصرتهم لها، ولم يتركه حتى بلغ صنعاء وهو مريض متعب، فهلك بها عند وصوله، ويجب أن يكون ذلك سنة "570" أو "571" للميلاد. أما المصادر اليونانية، فلم تشر إلى سنة وفاته.
ويذكر الأخباريون أن الذي حكم بعد "أبرهة"، هو ابنه "يكسوم"، وبه كان أبرهة يكنى، فذلت حمير وقبائل اليمن ووطئتهم الحبشة، وعم أذاهم وقتلوا خلقًا من رجالهم، وأخذوا نساءهم، واتخذوا أبناءهم تراجمة بينهم وبين العرب، ويذكر "المسعودي" أن "يكسوم" كان سيئ السيرة في أهل اليمن فعم أذاه سائر الناس، إلى أن هلك بعد عشرين سنة من الحكم.
وذكر "أبو حنيفة الدينوري"، أن "النجاشي" أقر "أبرهة" على سلطان اليمن، فمكث على ذلك أربعين عامًا، أما ابنه "يكسوم"، فمكث على اليمن تسع عشرة سنة، وصير "حمزة" مدة حكم أبرهة ثلاثًا وعشرين سنة، مذ قتل "أرياطًا"، الذي حكم على زعمه عشرين سنة. جعل حكم "يكسوم" سبع عشرة سنة، وملك مسروق اثنتي عشرة سنة، ومدة حكم الحبشة، اثنتين وسبعين سنة.