منذ أن جاء الرسول الكريم بالإسلام -صلوات الله وسلامه عليه- ينشر الخير والسلام والألفة والمحبة، ودشن ذلك في قلوب الصحابة الأجلاء، وغرس فيهم المؤاخاة وحب الجار واحترام الغير والعطف على الصغير وتوقير الكبير، فنشروا هذه القيم الجميلة وعلموها لمن خلفهم٠
ما أمر الحبيب محمد - صلى الله عليه وسلم - إلا بالخير، وما أمر بقتل ولا بحرق ولا بدمار وما كان سافكا للدماء، وإنما أرسله ربه - سبحانه وتعالى - رحمة للعالمين، وداعيا إلى النور والسراج المنير، ناشرا للخير وموطدا للسلام ومعينا للفقير قاضيا لحوائج الناس رحيما بالخاطئين آخذا بأيد المذنبين الشاردين، ما سب ولا شتم قط وما ارتفع صوته وما أكل حق أحد قط لقد كان نبراسا من النور والأمل والسلام.
ما يجري في أيامنا هذه بعيدا كل البعد عن الدين وتعاليمه، فما أمر ديننا بالقتل ولا بالحرق ولا بالتخريب، فهؤلاء الذين يدعون أن الجنة تنتظرهم فما هم إلا يظنون، فما كانت الجنة تتزين للمفجرين وما كانت أبوابها تفتح للمغتالين، وما كانت الملائكة تنتظر المنتحرين، فلو يعقل هؤلاء قول الحبيب " من آذى ذميا أو معاهدا فأنا خصيمه يوم القيامة"، فالإيذاء هنا قد يكون نفسيا فقط فاستنكر ذلك رسول الله سواء كان بكلمة تؤثر على نفسية غير المسلم ناهيك عن الإيذاء الجسدي، فقد قال ربنا "لَّا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (8) " 《الممتحنة ٨》أي أن الله يأمرنا أن نتعامل مع إخواننا (غير المسلمين) بالبر، والبر هو رأس الإحسان والفضل وهو من أعلى درجات السماحة الإسلامية ويكون ذلك في المعاملات الاجتماعية.
أما عن المعاملات التجارية والمالية أمرنا سبحانه أن نقسط إليهم والقسط هو أعلى درجات العدل هذا هو القانون الإلهي للمعاملات مع شركاء الوطن الواحد ٠وكما ورد أيضا أنه " من شارك في قتل امرئ بشطر كلمة جاء يوم القيامة مكتوب بين عينيه آيس من رحمة الله " 《حديث شريف 》.فهذا لمن شارك بنصف كلمة في قتل إنسان دون النظر إلى الدين أو العرق أو اللون، فما بال هؤلاء بقتل إخوانهم الصائمين القائمين الحارسين لأوطانهم ولأهلهم وذويهم، فلو سمع هؤلاء قول النبي الكريم " من أشار لأخيه بحديدة فأنا حجيجه يوم القيامة"، فقد استنكر النبي الكريم مجرد الإشارة؛ احتراما لأخوته ولكيانه، ولكن هؤلاء استباحوا دماءهم جملة واحدة، فهل سمع هؤلاء المتنطعون قول الرسول الأمين "لزوال الكعبة أهون على الله من إراقة دم امرئ مسلم ".
هل هؤلاء الذين يدعون الدين ونصرة المسجد الأقصى أن يحاربوا دين الله بقتلهم الأبرياء، وقتلهم الصائمين المرابطين المجاهدين مدعين أنهم يحاربون أعداء الله، بل هم أعداء الله وأعداء أنفسهم، وخانوا الله وخانوا أنفسهم وخانوا أهلهم وذويهم ووطنهم، هؤلاء المغيبين الذين لا يفهمون الدين ولا يعون ما بين دفتي القرآن الكريم فلو علم هؤلاء لانصلحت أحوالهم ولأذعنت أرواحهم لأمر الله وانتهجوا لدين السماحة والوسطية، فإن كان هؤلاء الغاشمين يريدون الجنة! فالجنة ليست لمن يرهب ويروع الآمنين، إنما الجنان تفتح أبوابها للصادقين المحبين لغيرهم من الناس أجمعين، لمن يتخلل إلى قلوبهم الرحمة فيرحمون الصغير والكبير، ويرحمون الحيوان والنبات ويعطفون على الفقير والمسكين، يدخل الجنة من ساهم في بناء وطنه ونشر الخير بين الناس فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "خيركم خيركم لأهله "، فخيار الناس من يعمر لأهل وطنه ويساعد على بناء المجتمع، وينشر الأمن والأمان والسماحة والإسلام.
لم يسمعوا عن رحمة رسول الله التي لا تضاهيها رحمة، فسيرته العطرة مملوءة من الرحمات للإنس وحتى للجن وكذا الحيوان والنبات والطير.لم يسمع المتجبرون عن الطفل الذي كان يلعب مع الطائر فابتسم له رسول الله، وفي اليوم التالي وجده حزينا فسأله ما بك فقال مات النوير (الطائر) فجلس النبي بجواره على الأرض واحتضن الطفل وواساه في مصابه ولم يتركه حتى ابتسم.
فأين هم من هذه الرحمة التي تقشعر لها الأبدان؟
فهؤلاء المجرمون يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا، فقد أخبر الخالق سبحانه وتعالى في سورة البقرة "وَإِذَا تَوَلَّىٰ سَعَىٰ فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ ۗ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ " (205) فهو ما يفعلونه فاستحق عليهم عقاب الله.
فهؤلاء الذين يقتلون ويحرقون عندما يذكروا بأن الذي يفعلونه ضلال يكابرون ويتجبرون "وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ ۚ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ ۚ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ" فهؤلاء الذين يقتلون ويدمرون جزاؤهم جهنم وبئس المنتظر وبئس المصير.