على عكس الاعتقاد السائد أن توت عنخ آمون لا ترجع شهرته لإنجازات حققها أو حروب انتصر فيها، كما هو الحال مع الكثير من الفراعنة، فإن الحياة العسكرية كانت عامرة فى عهده خصوصًا فى الجنوب والشمال بفضل رجال دولته وقادته العسكريين العظام أمثال قائد الجيش العظيم الجنرال حور محب، وحياة الفرعون الذهبى الملك الأشهر توت عنخ آمون كانت تمتاز بأنها مليئة بالدراما والصراع على كل المستويات، ومنها دراما الحب والغيرة والكراهية والخيانة والتآمر ومحو الذكرى والسلطة والشهرة والحزن وسوء الحظ.
ويقول كتاب "الفراعنة المحاربون.. دبلوماسيون وعسكريون" للدكتور حسين عبد البصير: لم يكن يعلم الفرعون الشهير الملك إخناتون بأنه حين استيقظ فى بلاط عاصمته الملكية "آخت آتون" على الخبر السعيد الذى كان ينتظره منذ سنوات طويلة بميلاد ابنه الوحيد توت عنخ آتون، أن هذا المولد سوف يحصل على شهرة كبيرة ويصير أشهر شخصية وملك على وجه الأرض فى العالم كله بعد اكتشاف مقبرته الرائعة كاملة فى وادى الملوك فى البر الغربى لمدينة الأقصر فى 4 نوفمبر عام 1922، وأن حياته سوف تحيط بها التعاسة والحزن وعدم التوافق والتجاهل والإهمال، وأنه سوف يتعرض للخيانة والتآمر على حياته، وكذلك على تراث أبيه الملك إخناتون، وأن زوجته وأرملته عنخ إس إن با آتون سوف تعامل أسوأ معاملة، وأنها سوف تتعرض للاضطهاد والانزواء فى زوايا النسيان إلى أن تموت وحيدة مهملة حزينة، وأنه سوف يتم تدمير واغتصاب آثارها ومحو ذكراها إلى الأبد من قبل "موت نجمت" زوجة حور محب.
واوضح كتاب "الفراعنة المحاربون": لقد كانت اللعنة هى مصير إخناتون وعائلته، وبدأت اللعنة عملها بمحاصرة حياة إخناتون وغموض وأسباب اختفائه وتدمير آثاره ومحو ذكراه، وكذلك حاصرت زوجة أبيه الملكة نفرتيتى التى كرهت غالبًا توت عنخ آمون بشدة من أعماق قلبها، لأنه صار ولى العهد والملك القادم لمصر بدلاً منها أو من إحدى بناتها العديدات أو بدلاً من ابنها الوريث الذكر الذى فشلت أن تنجبه لإخناتون لست مرات، لقد كان التآمر على أشده فى حياة أبيه الملك إخناتون من رجال القصر الذين رأوا فى توت عنخ آمون خطرًا كبيرًا يهدد حياتهم وحياة إلههم الأكبر آمون إذا استمرت عبادة آتون، رب إخناتون، وبعد اختفاء إخناتون الذى كانوا ينافقونه ويؤمنون بإلههم الأزلى آمون سرًا، ويكرهون إخناتون وإلهه المفروض عليهم بالقوة الإله آتون المتمثل فى قرص الشمس.
وأضاف الكتاب: لقد عاش الأمير توت عنخ وحيدًا يلعب بمفرده أو مع أخواته بنات نفرتيتى فى قصر أبيه الملكى فى تل العمارنة، وكان يقول لنفسه دومًا:"لا أحد يريدنى. لا أحد يحبنى فى هذا القصر الكبير المخيف. الكل يكرهنى. أبى هو الوحيد الذى يحبنى، غير أنه مشغول عنى أبدًا بديانته الجديدة وبربه الجديد آتون، وزوجة أبى المسيطرة نفرتيتى تكرهنى بكل ما تحمل الكلمة من معانٍ من أعماق قلبها"، كل هذا حدث لى بعد قتل أمى الحنون تيا.
وتابع كتاب "الفراعنة المحاربون":" لقد مات الأب الملك إخناتون فى ظروف غامضة، وحل الاضطراب بأرض مصر وبالقصر الملكى، وعمت الفوضى البلاد وسيطر القلق والحزن على العباد، وصار توت عنخ آتون، ابن السنوات التسع، ملكًا على عرش مصر فى ظروف صعبة.
وتزوج توت عنخ آتون من أخته الأميرة عنخ إس إن با آتون، ابنة أخناتون ونفرتيتى التى فعلت ذلك كى تضمن ألا يخرج العرش من بين يديها، وثار الجميع على تراث أبيه إخناتون، ووصفوه بالملك المهرطق أو المارق من تل العمارنة، وأجبروا توت عنخ آتون على تغيير اسمه إلى توت عنخ آمون واسم زوجته إلى عنخ إس إن آمون، وترك توت عنخ آمون تل العمارنة، وأصبحت مدينة أشباح ينعق فيها البوم وتسكنها الطيور الجارحة ويملأها الفراغ والخواء والعدم.
وعاد توت عنخ آمون إلى العاصمة التقليدية طيبة، وأدار البلاد من العاصمة الإدارية العريقة منف، وبدأ قائد الجيش حور محب بنشاط وهمة وحماسة لا يحسد عليها حملة كبيرة لتدمير آثار إخناتون وإلهه الأشهر آتون، وتحت ضغط الإجبار، بدأ توت عنخ آمون فى سياسة ترميم ما دمره أبوه إخناتون، فأعاد للآلهة الأخرى وكهنتها مكانتها، ورجع عن سياسة أبيه تمام، وانقلب على أبيه والحزن يعتصر قلبه، وحملت زوجة توت عنخ آمون فى توأم، لكن الحمل لم يكتمل، ولم يكتب للفرعون الذهبى أن يولد له وريث ذكر يرث عرش آبائه وأجداده العظام، لقد كان توت عنخ آمون مريضًا، وكانت لديه مشاكل فى قدميه وساقيه، وكان يعاني من "الفلات فوت".
وككل الملوك الفراعنة المحاربين تم تصوير الملك توت عنخ فى مشاهد عسكرية، غير أن الحقيقة أن قادته العسكريين هم الذين قاموا بالحرب، وأهمهم قائد الجيش الجنرال العظيم حور محب، دفاعًا عن الوطن وإظهارًا لقوة مصر العسكرية خصوصًا فى الفترة المضطربة بعد وفاة الملك إخناتون.
وذات يوم، كان توت عنخ آمون يتريض فى صحراء منف وكان يركب الخيل، وكان يقود عربته الحربية، فسقط من فوقها، فأُصيب ساقه، ومات بعدها بفترة قصيرة متأثرًا بتلوث جراحه ومرض ساقيه وقدميه، وبعد الوفاة غير المتوقعة لتوت عنخ آمون فى سن صغيرة بعد حكم لتسع سنوات، كتبت أرملة توت عنخ آمون إلى ملك الحيثيين تطلب منه أن يرسل لها أحد أبنائه كى تتزوجه، لأنها ترفض أن تتزوج من خدمها: الأب الإلهى العجوز آى أو من قائد الجيش حور محب، وفى رأيها، لم يكن هناك بمصر أحد يليق بها أو يدانيها فى الشرف والنسب والمكانة كى تتزوجه ابنة الفرعون إخناتون وحفيد الفرعون الشمس الملك أمنحتب الثالث.
وفى البداية، لم يصدق ملك الحيثيين أذنيه، وظن أنها خدعة من الملكة، لأنه يعرف أن المصريات لا يمكن أن يتزوجن من غير مصرى، ولما تقين من صدق الأمر، أرسل لها بالفعل ابنه، ولما علم قائد الجيش حور محب وآى بذلك، أرسلا إلى حدود مصر الشرقية من قتل الأمير الحيثى، وفشلت محاولة عنخ إس إن آمون، وأُجبرت على الزواج من العجوز آى كزوجة ثانوية إلى أن ماتت، وتم اغتصاب آثارها وتدمير ذكرها من قبل زوجة حور محب الملكة موت نجمت، وكذلك قام حور محب بحملة كبيرة لتدمير آثار الملك توت عنخ آمون وكذلك آثار خليفته الملك آى كى يقضى على تاريخ أسرة إخناتون وخلفائه.
وأكد الدكتور حسين عبد البصير، على أن حياة توت عنخ آمون كانت مليئة بالحزن والدراما والمأساة، على قصته بعد الوفاة واكتشاف مقبرته التى جعلت منه أسطورة الأساطير وأشهر الملوك وأعظم الشخصيات في العالم أجمع عبر العصور والأزمان، وأضافت نقطة منيرة وحيدة فى حياته التعيسة التى كانت عبارة عن سلسلة من المآسى والأحزان.