اهتم المصريون بالفن منذ القدم، وحرص المصرى القديم على توثيق حياتهم اليومية على المعابد، وكان للفن الجنائزى حضور كبير إيمانا من القدماء بالحياة الأخرى والبعث الآخر، ومنه عرفوا فن البورتريه، فقد اعتاد منذ عصر الدولة الوسطى وضع قناع كرتونى عن طريق تثبيت طبقات من نسيج ورق البردى وصقلها بالجبس وكانوا يرسمون عليها وجها لصاحب المقبرة، وكان أشهر تلك البورتريهات على الإطلاق، تلك الذى عثر عليها فى الفيوم، وعرفت باسم "وجوه الفيوم".
وأعلنت دار كريستيز للمزادات العالمية عن استعدادها لعرض60 قطعة الأعمال الفنية اليونانية والرومانية والمصرية والشرق الأدنى، ومن بين القطع الأثرية المعروضة للبيع، بوتوريه الفيوم لشاب مصرى فى الفترة الرومانية مرسوم على أحد الأخشاب، ويقدر ثمن ما بين 40 إلى 60 ألف دولار، كما من المقرر بيع بورتريه الفيوم لـ امرأة خلال الفترة الرومانية مرسوم على كتان، يقدر ثمنه ما بين 200 إلى 300 ألف دولار.
وهناك مفهوم خاطئ من يربط بين بورتريهات "وجوه الفيوم" والديانة المسيحية، لكنه فن قديم عرف قبل مجىء المسيحية إلى مصر، وربما اندثر فى الحقب المسيحية الأولى فى البلاد، حيث يعود تاريخ رسم وجوه الفيوم إلى القرن الأول للميلاد خلال فترة السيطرة الرومانية على مصر وامتدت حتى القرن الثالث والرابع للميلاد مع انصراف الناس عن التحنيط بعد دخول المسيحية إلى مصر.
يذكر أن المسيحية بدأت فى الانتشار فى جميع أنحاء البلاد فى القرن الثانى الميلادى، وهو ذلك الوقت التى بدأت فيها الإقلاع عن التحنيط كون المسيحية لم تكن تؤيد التحنيط، وذلك استنادا للنص الإنجيلى "فمن التراب نحن وإلى التراب نعود عند الموت"، وهو ما يفسر أن وجوه الفيوم ليست مرتبطة بالديانة المسيحية على ما هى مرتبطة أكثر بالتحنيط والفن المصرى القديم.
وعلى الرغم من التأثير اليوناني والرومانى الفنى على لوحات مومياوات الفيوم إلا أن الغرض التي رسمت من أجله و هو تخليد الموتى والذي كان مرتبطاً بالديانة المصرية وثقافة المومياوات والحياة الأبدية .
وبحسب عدد من الباحثين تعود أصول "وجوه الفيوم" إلى العصر اليونانى الرومانى، حيث ظهر حينها الاهتمام بالوجه والجسد الإنسانى، وانتقل هذا الاهتمام إلى مصر فى القرن الرابع قبل الميلاد بعد احتلال الإسكندر المقدونى لمصر والتأثير الكبير للفنانين اليونانيين الذين نشروا هذا النمط فى مصر.
وتضاعف الاهتمام بهذا النمط الفنى بعد دخول الرومان مصر عام 30 قبل الميلاد بعد وفاة كليوباترا، و لكن اهتمام المصريين الكبير بالحياة الأبدية حول رسم الوجوه إلى فن جنائزى، ويرى الروائي الفرنسي أندريه مالرو أن نظرة هذه الوجوه تتطلع للأبدية فالموتى عن طريق هذه اللوحات يظلون على قيد الحياة بالرغم من موتهم فيبدو الموت حياً خالداً وهذا هو الهدف الذى صُورت من أجله هذه الوجوه فى نظر أصحابها.
ويوضح عالم الآثار المصرية الدكتور زاهى حواس، وزير الآثار الأسبق، فى كتابه "آثار وأسرار - الجزء الأول" أن هذه اللوحات، يعتمد على أسلوب تصفيف الشعر واللحية، كذلك الحلى والتنزين، فكان تصفيف الشعر مرتبطًا بالموضة فى روما، وهذا يشير إلى تأثير الفن الرومانى على الوجوه، وكانت تنفذها إما على الخشب مباشرة أو على نسيج المومياء نفسها.
ترجع هذه الرسوم إلى العصر الهلينستى وربما أخذوا فكرتها من المصريين القدماء من حيث المعتقدات والطقوس، فالبورتريه كان جزءًا لا يتجزأ من المومياء، لذلك فإن الغرض منها جنائزى وهى مستوحاة من العقيدة الفرعونية.
وأقدم تلك الرسومات يرجع إلى النصف الأول من القرن الأول الميلادى، ومعظمه يرجع إلى القرنين الثانى والثالث الميلاديين، غير أن بعضها يرجع إلى القرن الرابع الميلادى، ويرجع عدم ظهورها بعد ذلك إلى الإعراض شيئًا فشيئًا عن تحنيط المتوفى والاستعاضة عن ذلك بجثث مرتدية الملابس العادية، وهذا التحول زاد انتشارًا فى مصر خلال القرنين الثالث والرابع الميلاديين.