أبدى وزير الخارجية الأمريكية وليام روجرز، للكاتب الصحفى محمد حسنين هيكل، رغبته فى زيارة «الأهرام».. كان «روجرز» فى زيارة إلى القاهرة، ومنها إلى إسرائيل، فى محاولة لإيجاد تسوية شاملة لأزمة الشرق الأوسط، وكان هيكل رئيسا لتحرير الأهرام، ووفقا لكتابه «أكتوبر 73 – السلاح والسياسة» فإن طلب روجرز، كان غريبا خاصة أنه التقى به ثلاث مرات أثناء زيارته القصيرة.
يذكر «هيكل»، أنه حين أبدى «روجرز» رغبته كانت المشكلة أن البند الوحيد الباقى له فى زيارته للقاهرة هو موعده المنتظر مع الرئيس السادات يوم 6 مايو، مثل هذا اليوم، 1971، وتحدد له الساعة الحادية عشرة صباحا، ومن بيت السادات كان من المقرر أن يتجه مباشرة إلى المطار قاصدا إسرائيل، لكن «روجرز» تغلب على هذه المشكلة بأن قال، إنه يستطيع أن يكون غدا «6 مايو» فى الأهرام فى الساعة التاسعة صباحا، وبعد زيارة المبنى وفنجان القهوة يذهب إلى مقابلة الرئيس.. يعلق هيكل: «كان الطلب غريبا، وكذلك التوقيت، وكذلك مشكلة حشر زيارة من هذا النوع وسط برنامج مزدحم مقرر سلفا، وقامت على أساسه ترتيبات واستعدادات».
كان السؤال المهم هو، ما الذى يريده روجرز من هذه الزيارة المفاجئة، بعد أن تحدث مع كل الناس، ولم يبق له غير مقابلة الرئيس، وفى الساعة التاسعة والنصف صباحا وصل إلى الأهرام.. يذكر هيكل: «بعد فنجان القهوة طلب أن يقوم بزيارة للمبنى، وطاف به فى بعض الأدوار الطباعية».. يتذكر هيكل، أنه أثناء وجودهما فى عنبر «السبك» همس روجرز قائلا له: «أريدك على انفراد 10 دقائق، ومن غير كل هؤلاء المرافقين».. يوضح هيكل: «كان المرافقون جميعا يضم بعض مساعدى «روجرز» بمن فيهم «بيرجيس» إلى جانب بعض الدبلوماسيين من وزارة الخارجية، وبينهم المختصون بالبروتوكول إلى جانب بعض رؤساء الأقسام فى الأهرام، ثم مجموعة من ضباط الحراسة المصاحبة لروجرز».
عندما عاد روجرز إلى مكتب هيكل فى الأهرام، توقف مع مضيفه فى غرفة اجتماعات صغيرة ملحقة به.. يتذكر هيكل: «وقف يتأمل لوحة من الفن المصرى المعاصر، ثم استدار ليجلس على كرسى حول مائدة اجتماعات مستديرة، ودعا مضيفه إلى الجلوس بجواره، وأدرك جميع المرافقين أنه يريد أن يتحدث مع مضيفه وحدهما، وحين اطمأن إلى أن الغرفة الصغيرة لم يعد فيها طرفا ثالث، بدأ يتكلم بصوت خفيض وسرعة».
يضف هيكل ما قاله روجرز بأنه «كان مفاجئا»، ويضيف: «لم يكن هناك فيما هو ظاهر وقت لمقدمات ولذلك فإن روجرز دخل فى صميمه مباشرة».. قال: «إننى أتصور أنك تستطيع أن تفهم وتقدر ما سوف أقوله، راجيا أن تبقيه سرا، وأن تضعه فى بالك خصوصا وأنت تتحدث مع الرئيس السادات، إن بعض الناس وأنا أعرف من هم، يلحون عليه فى أنه قد يكون من الأفضل له أن ينتقل الاهتمام بأزمة الشرق الأوسط من وزارة الخارجية إلى البيت الأبيض، لكى يتولى هنرى كيسنجر حلها بوسائله المعروفة».
كان كيسنجر وقتئذ مستشارا للأمن القومى للرئيس نيكسون، وأما وسيلته التى ذكرها روجرز « bringing rabbit of the hot» «يقصد إخراج أرنب من القبعة مثلما يحدث فى عروض السحر التى تقدم فى الملاهى».. وأضاف روجرز لهيكل: «أنا أريد أن أقول إنه من الأفضل لكم أن تظل أزمة الشرق الأوسط فى وزارة الخارجية، ولا يقترب منها هنرى كيسنجر، لا تظن أن المسألة خناقة بينى وبين هنرى، هو يتخانق مع الخارجية ولكنى لا أعتبر نفسى فى خناقة معه، وأنا أحاول أن أتجنبه، وأتحدث مع الرئيس مباشرة، إن دخول هنرى إلى هذه الأزمة ليس فى صالحكم، وأنا أعرف أنه يتحرق شوقا إلى الدخول فيها، رغم أنه يصرح علنا بأنه لا يريد الاقتراب منها بسبب كونه يهوديا، لكن ما يقوله فى الظاهر ليس هو الحقيقة.. إن هنرى رجل ليس له ولاءات، إن كل كائن حى بالطبع له ولاءات، ولكن المشكلة فى هنرى أن قائمة ولاءاته على النحو التالى:
وراح روجرز يعد على أصابعه: ولاؤه الأول لهنرى كيسنجر.. ولاؤه الثانى لهنرى كيسنجر.. ولاؤه الثالث لهنرى كيسنجر.. ولاؤه الرابع لهنرى كيسنجر.. ولاؤه الخامس لأمته.. يذكر هيكل، أنه أبدى ملاحظة لروجرز قال فيها إنه يقبل بولائه لأمته، ذلك أن ولاءه لأمته سوف يجعله يعرف أن مصالح الولايات المتحدة كلها مع العرب..قاطعه روجرز: ماذا تقول؟ ليست الأمة الأمريكية.. ولاؤه لليهود».
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة