صوت رخيم وأداء متميز ومدرسة فريدة من نوعها بعيدة عن التقليد يقول هو نفسه عنها: "صوتى يقلد ولا أقلد"، حينما تسمعه تعود بك الذاكرة إلى عمالقة التلاوة فى مصر من الرعيل الأول أمثال المشايخ محمود البنا، ومحمد رفعت، ومصطفى إسماعيل وعبد الباسط عبد الصمد، فهو العبقرى الأخير فى هذه الدولة.
"آخر حبة فى سبحة عمالقة التلاوة، والعبقرى الوحيد الموجود على الساحة".. هكذا وصف الكاتب الصحفى محمود السعدنى، الشيخ محمد محمود الطبلاوى فى كتابه "ألحان السماء"، قائلاً: "وهب الله للشيخ الطبلاوى أحبالا صوتية ليس لها نظير، قال عنها محمد عبد الوهاب إنها معجزة لأنها تؤدى إلى النغمة المعجزة".
نحو 60 عاما قضاها الطبلاوى، الذى وافته المنية أمس الثلاثاء عن عمر ناهز 86 عاما، فى خدمة كتاب الله، يرتل ويجود القرآن الكريم فى شتى بقاع الدنيا، بمدرسته الفريدة والمميزة فى التلاوة، إلى أن اعتزل التلاوة قبل سنوات قليلة ورفض العودة مرة أخرى بسبب مرضه قائلاً: "لو عدت همسح تاريخى".
ولد الشيخ محمد محمود الطبلاوى فى 14 نوفمبر من عام 1934، ويروى الطبلاوى عن ميلاده أن جده بشرّ والدته، بأن من فى بطنها سيكون من حفظة القرآن الكريم، واعتنى والده بذلك، وكان يشرف عليه فى "الكتّاب"، مضيفاً أن الأطفال كانوا يدفعون "تعريفة" لمحفظهم، ولكن والده كان يدفع "قرش صاغ" لزيادة الاهتمام به، مؤكداً أنه أتم حفظ القرآن وعمره 9 سنوات.
ويروى الشيخ الطبلاوى أن أول أجر له كان 5 قروش من عمدة قريته وكان عمره وقتها 11 عامًا، وذاع صيته حتى أصبح ينافس كبار القراء فى عصره، وفى حوار سابق لليوم السابع قال الشيخ الطبلاوى "منذ صغرى وأنا أتمنى أن أكون قارئًا للقرآن الكريم ولم أكن أتمنى غير ذلك، وأذكر سبب دخولى الإذاعة كنت فى الاستوديو ولم أكن أنتبه إلى أن اللجنة تسمعنى، حيث قلت "يا بركة دعاء الوالدين"، وكان من بين اللجنة الشيخ عبد الفتاح القاضى، فقال لى "متقولش حاجة تانى.. إنت والديك راضيين عنك".
وحول شائعات رفض الإذاعة له 9 مرات، قال الطبلاوى: "لأ مش كدا، هما طلبوا منى أتعلم موسيقى وأنا كنت برفض، حتى الموسيقار محمد عبد الوهاب طلب منى أروحله واتعلم الموسيقى ورفضت، لأنى أنا مدرسة متفردة لا أقلد أحدا، لكن هناك من يقلدنى، وفى النهاية قبلونى فى الإذاعة بصوتى كما هو".
وارتبط الطبلاوى بعلاقة وطيدة بالرئيس الراحل محمد أنور السادات، قال عنها: "الرئيس السادات كان من ميت أبو الكوم منوفى زيى، وكانت علاقتى به طيبة، وهو كان سميع للقرآن الكريم خاصة من الشيخ مصطفى إسماعيل، وبعد رحيل إسماعيل أصبحت قارئا للسورة بالجامع الأزهر، وكان السادات يحب الاستماع إلى وكان شقيقه عصمت يقولى لى الرئيس يريد سماعك، كما ربطتنى علاقة طيية بالرئيس محمد حسنى مبارك وهو منوفى مثلى أيضا".
تزوج الشيخ محمد محمود الطبلاوى مرتين، وأنجب من الذكور 8 آخرهم "عمر" سنه الآن 11 سنة، ومن الإناث 5 فقط، لكن محمد ابنى هو فقط من يرث صوتى، وأتمنى يكمل المسيرة.
سافر إلى عدد كبير من دول العالم، سواء بدعوات خاصة أو مبعوثا من قبل وزارة الأوقاف والأزهر الشريف، ومحكماً لكثير من المسابقات الدولية لحفظة القرآن من كل دول العالم، وحصل على وسام من لبنان فى الاحتفال بليلة القدر تقديراً لجهوده فى خدمة القرآن الكريم.
وفى الأشهر الأخيرة قبل وفاته كثرت الشائعات حول وفاة الطبلاوى والتى كانت تظهر بين الحين والآخر لينتقدها الطبلاوى وينتقد من يروجوها، وفى حواره مع اليوم السابع قال عن الموت: "كل إنسان يتعظ من الموت، ومحدش مش هيموت كله هيموت، ربنا قال للنبى إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ، وأنا مش بخاف من الموت لأن الموت مكتوب على كل العباد لكن الأهم أن الإنسان يستعد".
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة