قرار إحالة الدعوى من محكمة إلى محكمة أخرى، هو إجراء يقترن بقبول الدفع بعدم الاختصاص من قبل المحكمة التى تنظر الدعوى، فإذا قضت هذه المحكمة بعدم اختصاصها، سواء بناء على طلب المدعى عليه إذا تعلق الاختصاص بمكان إقامة الدعوى، أو بناء على تمسك المحكمة بعدم اختصاصها، وكذلك أيا من الخصوم، إذا تعلق الاختصاص بالنظام العام، فيستوجب الأمر هنا إحالة الدعوى إلى المحكمة المختصة.
وفى كثير من الأحيان ما تصدر قرارات من المحاكم العادية مثل محكمة الجنايات بالتخلي عن نظر جريمة إحراز سلاح بدون ترخيص وتقضي بعدم الاختصاص بنظر الدعوى برمتها أو بالتخلي عن نظر جرائم معينة موجودة في القضية مثل أن تنظر المحكمة نظر محاكمة متهمين بعدة جرائم مثل السرقة وحيازة السلاح ثم تصدر المحكمة الحكم فى جريمة السرقة دون جريمة حيازة السلاح بدون ترخيص، وذلك لعدم الاختصاص، الأمر الذي يثير معه اللغط بين المتخصصين.
هل يجوز لمحكمة الجنايات إحالة قضايا إحراز سلاح بدون ترخيص لعدم الاختصاص؟
في التقرير التالي، يلقى "اليوم السابع" الضوء على إشكالية قانونية في غاية الأهمية بالنسبة لإحالة القضايا لعدم الاختصاص فى بعض الجرائم دون أخرى تتمثل فى السؤال.. هل يجوز لمحكمة الجنايات التخلي عن نظر جريمة إحراز سلاح بدون ترخيص وتقضي بعدم الاختصاص، باعتبار أن الاختصاص فى قضايا حيازة السلاح بدون ترخيص معقود على محاكم أمن الدولة العليا طوارئ فقط – بحسب الخبير القانوني والمحامى بالنقض عماد الوزير.
قانون الأسلحة والذخائر مشترك بين المحاكم العادية والمحاكم الاستثنائية
فى البداية – يجب أن نعلم أن الحديث هنا متعلق بالإختصاص النوعي للمحاكم ومحاكم أمن الدولة العليا طوارئ هى محاكم استثنائية يكون حدود اختصاصها بالفصل في بعض الجرائم ويكون قانون الأسلحة والذخائر مشترك بين المحاكم العادية والمحاكم الاستثنائية، واختصاص محاكم أمن الدولة طوارئ بالفصل في تلك الجرائم حال ارتباطها بجرائم أخرى لا يسلب المحاكم العادية صاحبة الولاية العامة الاختصاص بالفصل فيها، كما أن قرار رئيس الجمهورية رقم 560 لسنة 1981 بإعلان حالة الطوارئ وأمر رئيس الجمهورية رقم 1 لسنة 1981 بإحالة بعض الجرائم إلى محكمة أمن الدولة العليا طوارئ ومنها الجرائم المنصوص عليها في القانون رقم 394 لسنة 1954 بشأن الأسلحة والذخائر والقوانين المعدلة لها، قد خلا كلاهما كما خلا أي تشريع آخر من النص على إفراد محاكم أمن الدولة العليا المشكلة وفق قانون الطوارئ وحدها دون سواها بالفصل في الدعاوى المرفوعة عن الجرائم المنصوص عليها في القانون رقم 394 لسنة 1954 – وفقا لـ"عماد الوزير".
المشرع لم يسلب من المحاكم صاحبة الولاية العامة اختصاصها
والقضاء استقر على أن محاكم أمن الدولة العليا طوارئ محاكم استثنائية اختصاصها محصور في الفصل في الجرائم التي تقع بالمخالفة لأحكام الأوامر التي يصدرها رئيس الجمهورية أو من يقوم مقامه ولو كانت في الأصل مؤثمة بالقوانين المعمول بها، وكذلك القوانين المعاقب عليها بالقانون العام وتحال إليها من رئيس الجمهورية أو من يقوم مقامه، وإن الشارع لم يسلب المحاكم صاحبة الولاية العامة شيئاً البتة من اختصاصها الأصيل الذي أطلقته الفقرة الأولى من المادة 15 من قانون السلطة القضائية الصادر بالقرار بقانون رقم 46 لسنة 1972 ليشمل الفصل في الجرائم كافة إلا ما استثني بنص خاص.
وبالتالي يشمل هذا الاختصاص الفصل في الجرائم المنصوص عليها في القانون 394 لسنة 1954 المعدل، ومن ثم فإنه لا يحول بين المحاكم العادية وبين الاختصاص بالفصل في الجرائم المنصوص عليها في القانون السالف الذكر مانع من القانون، ويكون الاختصاص في شأنها مشتركاً بين المحاكم العادية والمحاكم الاستثنائية لا يمنع نظر أيهما فيها من نظر الأخرى، إلا أن تحول دون ذلك قوة الأمر المقضي، ولا يغير من هذا الأصل العام ما نصت عليه المادة الثانية من أمر رئيس الجمهورية رقم 1 لسنة 1981 من أنه: "إذا كون الفعل الواحد جرائم متعددة أو وقعت عدة جرائم مرتبطة بعضها ببعض لغرض واحد وكانت إحدى تلك الجرائم داخلة في اختصاص محاكم أمن الدولة فعلى النيابة تقديم الدعوى برمتها إلى محاكم أمن الدولة طوارئ وتطبق هذه المحاكم المادة 32 من قانون العقوبات".
رأى محكمة النقض فى الأزمة
هذا وقد سبق لمحكمة النقض التصدي للأزمة فى الطعن المقيد برقم 6597 لسنة 81 القضائية – جلسة 26 يناير 2012 – حيث قالت أنه لو كان الشارع قد أراد إفراد محاكم أمن الدولة طوارئ بالفصل وحدها دون سواها في أي نوع من الجرائم لعمد إلى الإفصاح عنه صراحة على غرار نهجه في الأحوال المماثلة هذا فضلاً عن أن قواعد التفسير الصحيح للقانون تستوجب بحسب اللزوم العقلي أن تتبع الجريمة ذات العقوبة الأخف الجريمة ذات العقوبة الأشد المرتبطة بها في التحقيق والإحالة والمحاكمة وتدور في فلكها، بموجب الأثر القانوني للارتباط بحسبان أن عقوبة الجريمة الأشد هي الواجبة التطبيق على الجريمتين وفقاً للمادة 32 من قانون العقوبات إذ إن جريمة السرقة ليلاً مع حمل السلاح معاقب عليها بالسجن المشدد المقرر وفقاً لحكم المادة 316 من قانون العقوبات، في حين أن جريمة إحراز سلاح ناري غير مششخن وذخائر بدون ترخيص معاقب عليها بالسجن وفقا لحكم المادة 26/1، 4 من القانون رقم 394 لسنة 1954 المعدل.
حمل السلاح مطلقاً ظرفاً مشدداً
لما كان ذلك، وكانت المادة 316 من قانون العقوبات هي كغيرها من المواد الواردة في باب السرقة التي جعلت من حمل السلاح مطلقاً ظرفاً مشدداً دون تحديد لنوعه أو وصفه وعلى هذا التفسير جرى قضاء محكمة النقض واستقر - على أن جناية السرقة المعاقب عليها بالمادة 316 من قانون العقوبات تتحقق قانوناً بالنسبة إلى ظرف حمل السلاح كلما كان أحد المتهمين حاملاً سلاحاً ظاهراً أو مخبأ أيا كان سبب حمله لهذا السلاح، فإذا كان الثابت من الحكم أن المتهمين ارتكبوا واقعتي السرقة ليلاً مع حمل المتهم الأول سلاحاً نارياً "فرد خرطوش" والثاني والثالث سلاحين أبيضين "مطواة قرن غزال" وقد ضبطت هذه الأسلحة معهم بعد ذلك، فإن ذلك يتوافر به جميع العناصر القانونية لجريمة السرقة المعاقب عليها بالمادة 316 من قانون العقوبات.
الحيثيات: ما كان يجوز لهذه المحكمة أن تتخلى عن ولايتها الأصلية
لما كان ذلك، وكانت النيابة العامة قد رفعت الدعوى على المتهمين أمام المحاكم العادية صاحبة الولاية العامة، فإنه ما كان يجوز لهذه المحكمة أن تتخلى عن ولايتها الأصلية تلك، وأن تقضي بعدم اختصاصها بنظر واقعتي إحراز سلاح ناري بدون ترخيص بالنسبة للمتهم الأول وإحراز سلاحين أبيضين بدون ترخيص بالنسبة للمتهمين الثاني والثالث استناداً إلى ما أوردته بأسباب حكمها من أن الاختصاص الفعلي إنما هو لمحكمة أمن الدولة العليا طوارئ.
لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه وإن صدر مخطئاً بعدم الاختصاص في هذا الشأن ولم يفصل في موضوع الدعوى، إلا أنه يعد في الواقع - وفقاً لقواعد التفسير الصحيح للقانون - مانعا من السير فيها، مادام يترتب عليه حرمان المتهم من حق المثول أمام قاضيه الطبيعي الذي كفله له الدستور بنصه في الفقرة الأولى من مادته الثامنة والستين على أن: "لكل مواطن حق اللجوء إلى قاضيه الطبيعي"، وما يوفره له هذا الحق من ضمانات لا يوفرها قضاء استثنائي، ومادامت المحكمة محكمة الجنايات قد تخلت على غير سند من القانون عن نظر الدعوى في شأن ما سلف بعد أن أصبحت بين يديها، وأنهت بذلك الخصومة أمامها، ومن ثم فإن حكمها يكون قابلاً للطعن فيه بالنقض.
الاختصاص النوعي وما يجوز الطعن فيه من الأحكام
لما كان ذلك، وكانت النيابة العامة في مجال المصلحة والصفة في الطعن هي خصم عادل تختص بمركز قانوني خاص، اعتباراً بأنها تمثل الصالح العام وتسعى إلى تحقيق موجبات القانون من جهة الدعوى الجنائية، فلها بهذه المثابة أن تطعن في الأحكام وإن لم يكن لها كسلطة اتهام مصلحة خاصة في الطعن، بل كانت المصلحة هي للمتهم، وتتمثل في صورة الدعوى في الضمانات التي توفرها له محاكمته أمام المحاكم العادية دون محاكم أمن الدولة العليا طوارئ وأخصها حقه في الطعن بطريق النقض متى توافرت شروطه في الحكم الذي يصدر ضده، فإن صفة النيابة العامة في الانتصاب عنهم في طعنها تكون قائمة، وقد استوفى الطعن الشكل المقرر في القانون، ولما كان ما تقدم، يكون الحكم المطعون فيه واجب النقض، وإذ كان قد قصر بحثه على مسألة الاختصاص وكذا الارتباط إعمالاً لنص المادة 32 من قانون العقوبات ولم يعرض للواقعة الجنائية ذاتها بشأن إحراز المتهمين للأسلحة النارية والبيضاء بدون ترخيص، فإنه يتعين أن يكون مع النقض الإعادة إلى محكمة الجنايات وذلك دون حاجة لبحث الطعن المقدم من الطاعنين.
وبحسب "المحكمة" - قضاء محكمة الجنايات خطأ بعدم الاختصاص وتخليها عن الفصل في موضوع الدعوى، يعد مانعاً من السير فيها لحرمان المتهم من حق المثول أمام قاضيه الطبيعي الذي كفله له الدستور - لما كانت النيابة العامة قد رفعت الدعوى على المتهمين أمام المحاكم العادية صاحبة الولاية العامة، فإنه ما كان يجوز لهذه المحكمة أن تتخلى عن ولايتها الأصلية تلك, وأن تقضي بعدم اختصاصها بنظر واقعتي إحراز سلاح ناري بدون ترخيص بالنسبة للمتهم الأول وإحراز سلاحين أبيضين بدون ترخيص بالنسبة للمتهمين الثاني والثالث استناداً إلى ما أوردته بأسباب حكمها من أن الاختصاص الفعلي إنما هو لمحكمة أمن الدولة العليا طوارئ.
6495-download-(2)