كشف السفير راجى الإتربى ، المدير التنفيذى المناوب لمصر والدول العربية فى البنك الدولى وعضو مجلس الإدارة، أن مجموعة البنك الدولى تدرك التحديات العالمية الناجمة عن فيروس كورونا كوفيد 19، وما ترتب عليها من أثار سلبية جدا على الاقتصاد العالمى خاصة ما يتعلق بالانخفاض الكبير فى معدلات النمو المتوقعة العام الجارى والفترة الذى سيستغرفها الاقتصاد العالمى في التثبيت والتعافى وإعادة الإنطلاق خلال الأعوام القادمة ، موضحا فى حوار ل" اليوم السابع" بالهاتف من العاصمة الأمريكية واشنطن، أن المجتمع الدولى مطالب بالتعاون وبذل الجهود لسرعة تلافى الأثار السلبية مع أهمية الإرتقاء بقطاعى الصحة والتعليم.
ما أبرز تداعيات فيروس كورنا على الاقتصاد العالمى خاصة معدلات النمو؟
بالطبع التأثيرات كبيرة على مختلف دول العالم، سواء المتقدمة أو النامية، فالأزمة الحالية لم تشهدها البشرية منذ عقود طويلة قد تمتد لقرن كامل خاصة فى حدتها وتداعياتها.
وبحسب التقرير الصادر مؤخرا عن البنك الدولى فإن هناك استمرار فى تدهور الاقتصاد العالمى، وبالتالى فإن التوقعات الجديدة للبنك الدولى هذا العام ستتراجع بالنسبة لمعدل انكماش الاقتصاد العالمى حيث سيكون بالسالب 5.2% ، فى حين سيحقق الاقتصاد المصرى نموا بالإيجاب.
وكان التقدير السابق وهو منذ فترة وجيزة تم تقديره بالسالب أيضا بنسبة 3.6% ، أى أن هناك زيادة متوقعة في معدل الإنكماش بسبب تداعيات الفيروس.
إذا كان هذا تأثير الفيروس على النمو فما تأثيره المباشر على الدول أو على المواطنين تحديدا؟
فى الواقع سيكون تأثير الفيروس كبيرا على الدول حيث من المتوقع أن ينضم ما بين 70 إلى 100 مليون نسمة فى العالم إلى فئة تحت الفقر هذا العام وهو أمر لم يحدث منذ 32 عاما.
حيث أن هذا الأمر يحدث لأول مرة منذ عام 1988، ولا سيما بعد أن كان المجتمع الدولى يحقق نتائج إيجابية متواصلة للقضاء على الفقر منذ ذلك الحين إلا أن تداعيات الفيروس سببت ذلك، وهو أمر بالفعل يحتاج إلى جهود كبيرة لاحتوائه وإعادته للمسار الصحيح.
فى رأيك كيف يتم مواجهة تلك التحديات الفترة المقبلة؟
هناك اقتناع متنامى لدى العديد من الدوائر الاقتصادية الدولية، ومراكز الفكر أنه قد يكون هناك احتياجا لتبنى مفهوم ونموذج مختلف للنمو ، سواء ما أظهره الوباء من الهشاشة فى جوانب اقتصادية عديدة ، أو ما ستؤدى إليه تداعياته من واقع جديد واشكاليات غير مسبوقة تتطلب ألا يتم الاعتماد على استخدام أدوات وسياسات قديمة فى التصدي لتحديات جديدة ناجمة عن الوباء ، خاصة أن الآثار الاقتصادية والاجتماعية لوباء كورونا ستمتد لفترة ليست قصيرة، بالإضافة إلى وجود احتمالات لزيادة الصدامات التجارية والانغلاق، علاوة على أن الدول النامية ستتعرض لضغط اقتصادى هائل تحت وطأة ديون تراكمية ستقيد حركتها المالية والنقدية.
هل قام البنك الدولى بدوره فى مواجهة جائحة كورونا ومساعدة الدول النامية؟
لا شك أن البنك الدولى يقوم بدور كبير ومؤثر فالبنك لديه من المرونة والآليات والإرادة، ما جعله فى حالة تطوير مستمر منذ إنشائه عام 1944 ، فالبنك الدولى شهد إصلاحات كثيرة منذ إنشائه فى أربعينات القرن الماضى، وشهد أكبر عملية إصلاح عام 2018، وكان للدول النامية الريادة فى دفع هذا التطوير والإصلاح، وشهدت تلك السنة أكبر زيادة في رأس مال البنك في تاريخه بعد أن تغيرت خريطة وتفاعلات النظام المتعدد الأطراف لتمويل التنمية، فعلى سبيل المثال بات بنكين في الصين هما بنك التنمية الصينى، وبنك الاستيراد والتصدير الصينى، يقدمان تمويلات دولية تفوق حجم ما يقدمه البنك الدولى فى ذلك الوقت، وهو ليس تطور سلبى بل يتيح مرونة وخيارات أمام الدول النامية ولكن كان على البنك الدولى أن يعدد من إمكاناته وتوجهاته ليتفاعل إيجابياً مع مختلف تلك التغيرات، وبالتالى انعكست عملية التطوير الأخيرة على أدائه السريع والمؤثر فى مساعدة الدول النامية على التصدى لتداعيات الوباء الحالى.
أيضا هذا التطور الإيجابى فى التعامل مع الأزمات مهم للغاية، كما أن هناك العديد من الدروس المستفادة التى ستدفع البنك نحو مزيد من التطوير الفترة القادمة ليكون قادرا على مواجهة المشهد الاقتصادى الدولى ما بعد كورونا، وهو قطعا سيكون مشهدا مغايرا لما قبل كورونا.
وكيف سيدعم البنك بشكل مباشر الدول التى تأثرت بالأزمة ؟
البنك الدولى عازم على الاستمرار فى منح الأولوية اللازمة لدعم الدول النامية على التصدي لتداعيات الأزمة بما في ذلك دعم مشروعات التعليم والصحة لما لها من أثر مباشر فى تعزيز رأس المال البشرى ، باعتباره احد المقومات الرئيسة للتنمية المستدامة، خاصة بعدما أظهر هذا الوباء وتداعياته أهمية الاستمرار بل وتعزيز العمل فى مجالات التنمية البشرية .
كما أن هناك تركيزا على دعم القطاع الخاص باعتباره القادر على المساركة بفاعلية في سد الفجوة التمويلية، مع التركيز في ذلك على الدول منخفضة وكذلك متوسطة الدخل.
وكم بلغت المبالغ المخصصة من البنك لتلافى أو المساعدة فى عبور تلك الأزمة؟
لابد أن ندرك أولا أن الاقتصاد الدولى كان بالفعل هشاً، ولم يكن قد أتم تعافيه من تداعيات أزمة مالية كبيرة، فضلا عن تحديات التغيرات المناخية، وأوبئة، وازدياد في الفجوة التمويلية تتراوح ما بين 15 إلى 20 تريليون دولار، وذلك قبل ظهور وباء كورونا، وبالتالى فإن هناك حاجة لضخ نحو 2.5 تريليون دولار سنويا في عمليات التنمية حتى عام 2030 لسد تلك الفجوة.
وفيما يتعلق بالبنك فإنه خصص 160 مليار دولار لمساعدة الدولة على مواجهة تداعيات وباء كورونا، وإن كان نصيب الدول المتوسطة الدخل لن يكون الأكبر حيث أن هناك اتجاه للتركيز على الدول الأكثر فقراً واحتياجاً للدعم، وقد يرتفع الدعم المخصص إلى ثلث تريليون دولار حتى يوليو 2023.
وماذا بعد انتهاء أزمة فيروس كورونا .. هل هناك خطط واضحة لذلك؟
هناك توقعات لما بعد انتهاء أزمة كورونا منها ضرورة تطوير الفكر واليات العمل فى البنك الدولى؛ لمواجهة الوضع الجديد خاصة مع
الدول النامية ، وحثها على تعزيز الاستثمار في رأس المال البشرى وعملية التحول الرقمى، بجانب دعم البنية التحتية الرقمية بذات الاهتمام الممنوح للبنية الأساسية، ودعم الكفاءة المؤسسية للدول وإفساح المجال للقطاع الخاص بشكل أكبر.
كيف ستحقق الدول النامية ذلك وهى مثقلة بديون كثيرة؟
الديون بلا شك تمثل أزمة كبيرة على الدول النامية والمتقدمة على حد سواء، وهو ما يتطلب وجود قدر أكبر من التنسيق والتعاون الدولى لإدارة الديون الدولية بشكل أكثر كفاءة، وهو ما يمكن أن يلعب فيه البنك والصندوق دورا كبيرا من خلال بعض المبادرات والتوصيات التى سبق إطلاقها عبر لجنة التنمية، وبالتنسيق مع الدول الاقتصادية الكبرى .
أيضا قد يكون من المهم إعادة النظر في صياغة بعض الآليات والبرامج المتعلقة بأهداف التنمية المستدامة 2030، لتكون أهدافاً قابلة للتحقيق وتأخذ في اعتبارها التغيرات الكبيرة التي حدثت مؤخراً، فضلاً عن تعزيز استخدام تمويل التنمية كأداة مؤثرة لتحقيق الاستقرار وتجنب النزاعات وتشغيل طاقات الشباب في الإنتاج.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة